بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير
المظاهرات ألزمت فرنسا والأمم المتحدة بالاعتراف
- 627
أكد عالم الاجتماع الفرنسي ماتيو ريغوست أن المظاهرات الشعبية التي اندلعت يوم 11 ديسمبر 1960 بعدة مدن جزائرية، ألزمت كل من فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة بالاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير الذي مكنه من افتكاك استقلاله عام 1962.
وفي تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أوضح كاتب المقالات والباحث في العلوم الاجتماعية أن "الانتفاضة العامة للطبقات الشعبية الجزائرية شهر ديسمبر 1960 طيلة ثلاثة أسابيع تقريبا عبر جميع مدن البلاد، أجبرت الجنرال ديغول والدولة الفرنسية على التخلي عن مشروع الاستعمار الجديد " الطريق الثالث" المسمى "الجزائر جزائرية".
كما أظهرت الانتفاضة التي "أفشلت مشروع الانقلاب العسكري لليمين المتطرف الاستعماري" أخيرا أمام الأمم المتحدة والملاحظين الدوليين التمسك القوي للشعب الجزائري بالاستقلال وتقرير المصير.
وأوضح الكاتب أنه توصل بعد تحقيق حول المظاهرات الشعبية 11 ديسمبر 1960، استغرق 7 سنوات في إعداده وسينشر في شكل كتاب وموقع وفيلم جميعها تحت عنوان "بطل واحد: الشعب"، أنه بعد "معركة الجزائر" عام 1957، كانت فرنسا تدعي أنها "قضت على جميع أشكال المعارضة في الجزائر، ليقوم بعد ذلك الجزائريون بتنظيم مظاهرات شعبة واسعة يوم الأحد 11 ديسمبر 1960 من أجل افتكاك
استقلالهم"، مشيرا أن "هذه المرحلة التاريخية الرئيسية تبقى غير معروفة".
وذّكر المختص في علم الاجتماع أن 11 ديسمبر 1960، أي بعد مرور ثلاث سنوات على معركة الجزائر، "فاقت مظاهرات عارمة للشعب الجزائري القمع العسكري الفرنسي وغيرت مجرى الثورة الجزائرية"، مشيرا أن "الشعب الجزائري خرج بالاعتماد على كبار السن والنساء والأطفال في الصفوف الأولى، قدموا بالآلاف من الأحياء القصديرية والأحياء المعزولة، إلى وسط المدن الكبرى المُستعمرة حاملا الأعلام واللافتات". ولقيت هذه المظاهرات "قمعا وحشيا كالعادة" لم ينجح هذه المرة في تفرقة المظاهرات، كما ذكر ماتيو ريغوست بأن هذه المظاهرات تزامنت مع الزيارة التي قام بها الجنرال ديغول إلى الجزائر من 9 إلى 12 ديسمبر 1960 حيث كان يعتزم "الترويج لمشروعه الاستعماري الجديد "الطريق الثالث"، وأشار إلى أن "هذا المشروع كان يسعى لوضع طبقة مديرة موالية للدولة الفرنسية في السلطة لتُكلف بتطبيق شكل جديد من الإخضاع الاقتصادي".
استقلال انتزعه الشعب
وأضاف عالم الاجتماع أن "الفصائل المهيمنة في الجيش الفرنسي تؤكد أن الدولة قد أُرهقت لأنها لم تسمح للجيش بالمشاركة في مواجهة التمرد"، مضيفا "لقد تم نشر القوات في كل مكان تقريبا، وبموافقة السلطات السياسية، حيث أطلقوا النار وقتلوا واعتقلوا وعذبوا". كما أشار المتحدث إلى إن "الدولة الديغولية لم تمنع أساليب الحرب البوليسية ومع هذا استطاع الشعب الجزائري أن يتغلب عليها"، مذكرا أن السلطات الفرنسية اعترفت إذ ذاك بـ"120 قتيل بينهم 112 جزائري ومئات الجرحى". وتأسف في السياق ذاته لاعتقال واستجواب عشرات الجزائريين من بينهم مراهقون، اختفى بعضهم في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك. وبعد الانتفاضات، يقول المتدخل، "تم تخفيف الضغط في الجبال، إذ أمر شارل ديغول بإنهاء عمليات الإعدام وتخلى عن مشروع + الطريق الثالث + واضطر إلى التفاوض مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية".
وفي 19 ديسمبر من السنة نفسها، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اللائحة 1573 (15) التي تعترف للشعب الجزائري بحقه في تقرير المصير والاستقلال .
المظاهرات جزء من المقاومة.. وبطل واحد هو الشعب
كما أشار السيد ريغوست إلى أن مظاهرات ديسمبر 1960 "هي جزء من التاريخ الطويل للمقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي وهي تتويج لـ130 سنة من المقاومة الفردية والجماعية، ولكنها أيضًا ثمرة اكتساب معارف عملية ونظرية بفعل الاحتكاك مع الحركة الثورية طوال حرب التحرير".
وحول مسألة رفع السرية عن أرشيف الفترة الاستعمارية الذي تحتفظ به فرنسا، أشار عالم الاجتماع إلى أن "رئيس الدولة الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أعلن عن فتح الأرشيف وتسهيل الوصول إليه، لكنه في الواقع جعل من المستحيل تقريبًا الوصول إلى عدد كبير من المصادر، بعضها قابل للبحث قبل ذلك".
كما أكد إن "كل سياسته المتعلقة بالذاكرة وتمثيليته حول القطيعة مع الفرانس-افريقية يبدو أنها تشكل تكتيكًا لشرعنة سياسة استعمارية جديدة في الجزائر والدفاع عن المصالح الإمبريالية الغربية في إفريقيا".
وأعلن السيد ريغوست عن العرض العالمي الحصري لفيلمه "بطل واحد: الشعب" (Un Seul Héros Le Peuple) في الفترة من 10 إلى 15 ديسمبر 2020، على موقع "unseulherolepeuple.org". وقال إن "فيلم "بطل واحد: الشعب" يروي قصة انتفاضة شعبية منتصرة"، مضيفا أنه في عام 1960 وفي مواجهة قمع عسكري، خرجت الطبقات الشعبية الجزائرية من الأحياء الفقيرة والأحياء المعزولة وأحيانًا بنساء وأطفال في خط المواجهة". وخلص إلى "أنهن وإنهم استطاعوا إفشال الانتفاضة المضادة وزعزعة النظام الاستعماري. تلكم هي قصة فئات مُضطهدة حرّرت نفسها بنفسها".