مجاهدون في ذكرى هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام:

الهجومات أكدت للعالم مدى تمسّك الجزائريين بالكفاح من أجل الاستقلال

الهجومات أكدت للعالم مدى تمسّك الجزائريين بالكفاح من أجل الاستقلال
  • القراءات: 1728
م. أجاوت م. أجاوت
تبقى هجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955 ومؤتمر الصومام 1956، حدثين هامين في مسار تاريخ الثورة التحريرية؛ من أجل الاستقلال والتحرر من أغلال الاستعمار الفرنسي البغيض، حيث برهنت للرأي العام الوطني والدولي مدى تمسّك الشعب الجزائري كافة بالكفاح المسلح إلى غاية تحقيق النصر، بعيدا عن الجهوية الضيّقة، حسبما أكد بعض المجاهدين وقدماء أعضاء الحركة الوطنية. وأوضح المجاهد قاسم خالد رئيس منظمة المجاهدين بقسمة بئر مراد رايس بالعاصمة في لقاء مع "المساء" أمس الأربعاء، أن هذه الأحداث والانتصارات التي حققتها الهجومات على صفوف العدو الفرنسي والتي كُلّلت فيما بعد باستقلال البلد، لم تكن لتتحقق لولا التضحيات الجسام لقوافل الشهداء والمجاهدين، الذين قدّموا الغالي والنفيس من أجل استرجاع السيادة الوطنية.
وأضاف المجاهد قاسم أن هجومات الشمال القسنطيني أعطت درسا للاستعمار الفرنسي رغم ما خلّفته من ضحايا في صفوف الجزائريين، مرجعا بلوغ الهدف المنشود من وراء هذه الأعمال، إلى الحنكة والخبرة التي كان يتمتّع بها العقل المدبّر لها الشهيد البطل زيغوت يوسف قائد الولاية التاريخية الثانية، الذي أراد فك الخناق العسكري المفروض من قبل العدو الفرنسي على منطقة الأوراس، وهو ما تحقق فعلا فيما بعد وبصعوبة كبيرة، بفضل الإيمان الراسخ للمجاهدين بقدسية القضية الوطنية.
كما دعا، بالمناسبة، إلى الاهتمام أكثر ببطولات هؤلاء المجاهدين وتثمينها، والذين صنعوا ملحمة نوفمبر المجيدة رغم قلة العتاد والعدة والإمكانيات اللوجيستيكية والأسلحة مقارنة بموازين القوى التي كانت تتمتع بها فرنسا الاستعمارية التي كانت تحتل مراتب متقدمة جدا من القوة والتنظيم آنذاك، مضيفا أن هذه العمليات التاريخية استطاعت أن تُظهر لفرنسا وللعالم أجمع، مدى صمود كافة أفراد الشعب الجزائري والتفافه حول ثورته. كما استعرض المتحدث في السياق، حالة التنظيم والهيكلة الشاملة لجيش التحرير الوطني التي أعقبت فترة عقد مؤتمر الصومام التاريخي 20 أوت 1956 بقرية "إيفيري" بـ(أوزلاقن) ولاية بجاية؛ باعتبار ذلك من أحد القرارات والنتائج التي تُوّجت أيام هذا الاجتماع التاريخي، الذي ضمّ قادة وزعماء الثورة بقيادة البطل الشهيد عبّان رمضان.   
وأضاف في هذا الإطار أن هذا المؤتمر الذي استعصى على سلطات الاستعمار الفرنسي اكتشاف حيثياته ومكان انعقاده، نظرا للإجراءات الأمنية المشددة التي أحيط بها، أمر باتخاذ عدة نقاط جوهرية في مسار الكفاح المسلح من أجل الاستقلال، على غرار تنظيم وحدات وفصائل الجيش، وتصنيف الرتب العسكرية، وتقسيم الوطن إلى جهات ومناطق ونواحٍ وولايات، حيث تمت إضافة الصحراء كولاية سادسة، وإعادة تسمية الولاية الأولى الشمال القسنطيني بعدما كانت تُعرف بـ "القاعدة الشرقية". ويضاف إلى كل ذلك -حسب المسؤول - إعادة استحداث التنظيمات السياسية، كالفرق الاستخباراتية المدنية وفرق الاستطلاع والحراسة والمسبلين الذين كان لهم دور كبير في جمع المعلومات، ونقل البيانات وتوزيعها، وضمان مهام التسليح والاتصالات العامة.
وقال في هذا الشأن: "إن الإيمان القوي لمجموعة الـ 22 التاريخية بالقضية الوطنية والتضحيات العظيمة للأعضاء الـ 06، سمحت بتحقيق هذه النتائج الباهرة التي انبثقت عن مؤتمر الصومام، التي أعادت وضع ثورة التحرير المجيدة على السكة من جديد، مما جعلها تحقق الانتصارات تلو الأخرى إلى أن جاء يوم النصر أو وقف إطلاق النار، ومن ثم الاستقلال يوم 05 جويلية 1962".
وبدوره، أكد عضو الحركة الوطنية وحزب الشعب المجاهد حسان بن بلقاسم، أن ذكرى هجومات 20 أوت 1955 وذكرى مؤتمر الصومام 1956، كان لها الفضل الكبير في إقناع الجزائريين بالتمسك أكثر بمطلب الاستقلال مع مواصلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، وهذا رغم الصراعات السياسية التي كانت في تلك الفترة بين المصاليين والمركزيين، مع انفراد مصالي الحاج بزمام القيادة، وعدم قبوله فكرة الثورة والعودة لحمل السلاح من جديد، إلى جانب حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف أعضاء الحركة الوطنية وجبهة التحرير الوطني، موضحا أن كل هذه الأمور لم تؤثر في العزيمة الوطنية من أجل التشبث بمشروع الكفاح من أجل الاستقلال.    
واستعرض المجاهد بن بلقاسم في هذا الجانب، جوانب هذه الذكرى التاريخية المزدوجة، وتأثيرها على المسار التاريخي للثورة المسلحة ككل، موضحا أنها كانت اللبنة الأساسية في التأسيس لإعادة بناء استراتيجية جديدة لثورة الفاتح نوفمبر 1954، مذكرا بأن الصدى الذي حققته هذه الأعمال التاريخية التي يكتبها التاريخ اليوم بماء الذهب، حقّقت صدى إعلاميا واسعا عبر مختلف دول العالم، التي اقتنعت بأن الجزائر تقاوم الاستعمار الفرنسي وحدها بدون أي سند عسكري من أي دول أو الحلف الأطلسي، وهو ما زاد من قناعة هذه الدول بضرورة تقرير مصير الجزائريين وإنهاء استعمارهم.
ومن جهته، أثنى المجاهد والإعلامي السابق المعروف بالإذاعة الوطنية زهير عبد اللطيف على التضحيات الجسام التي قدّمها الشعب الجزائري والمجاهدون والشهداء في سبيل التحرر من غطرسة الاستعمار الفرنسي؛ من خلال هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام التاريخي، داعيا جيل اليوم إلى ضرورة الاستلهام من المسيرة التاريخية العطرة لقوافل الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا للحرية والاستقلال.
وتطرّق السيد عبد اللطيف للأحداث التي سبقت هذه الذكرى التاريخية (هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام)، على غرار اجتماع مجموعة الـ 22 التاريخية واجتماع الـ 06 أعضاء؛ تحضيرا لتفجير نوفمبر 1954.
كما طالب في السياق، بضرورة التزام الكتّاب والمؤرخين بتحرّي الحقيقة والشهادات التاريخية المتيقن منها في كتابة تاريخ الثورة، وعدم المساس بشخصية الشهداء والمجاهدين الذين شاركوا في صفوف جيش التحرير الوطني أو الحركة الوطنية في تلك الفترة.