تعدى البعد المكاني الضيّق وأصبح مصدر إلهام لأهم النضالات الإفريقية
بيان أول نوفمبر صوت الشعب الجزائري
- 197
❊ الوثيقة مرجع أساسي لدستور 2020 الذي رسم معالم الجزائر الجديدة
❊ كرّس قيم اللحمة الوطنية ووحدة الصف وعزّز الحوار دون إقصاء
❊ تجسيد للدولة الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية
أثبتت الثورة التحريرية التي يحيي الشعب الجزائري اليوم ذكراها الـ70، عبقرية جيل متميز تمكن بفضل وعيه السياسي ونظرته الاستشرافية من اختزال آلام وآمال الجزائريين في بيان أول نوفمبر 1954، الذي أعلن عن بداية العمل المسلح وكان صوتا للشعب الجزائري الموحد ووثيقة تأسيسية للجمهورية الجزائرية.
وتظهر القراءة الموضوعية لهذا النص المرجعي خصائصه الجمة ومبادئه الخالدة التي تتجاوز صلاحيتها الإطار الزمني والمكاني الذي صيغ فيه، وهو ما يفسر حقيقة أنه محل إجماع وطني بين كافة التيارات السياسية الوطنية على مدار السبعة عقود الماضية. ويعد أيضا مرجعا أساسيا لدستور 2020 الذي رسم معالم الجزائر الجديدة التي أرسى دعائهما رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ومن أبرز هذه الدعائم تكريس قيم اللحمة الوطنية ووحدة الصف وتعزيز الحوار دون إقصاء وتجسيد الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
ومن أهم ميزات بيان أول نوفمبر أنه فتح الباب أمام جميع القوى الوطنية من أجل الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، واستطاع أن يحقق التفاف الشعب الجزائري حول قضية الاستقلال، لأنه خاطب الجزائريين بصفة مباشرة بعبارة "أيها الشعب الجزائري، أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية".
وأكد البيان على ضرورة وضع المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التافهة والمغلوطة لقضية الأشخاص والسمعة، وأتاح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من كل الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات أن تنضم إلى الكفاح التحرري دون أدنى اعتبار آخر. ومن خصائص بيان أول نوفمبر أنه أسس لمفهوم القيادة الجماعية، حيث أنه قبيل الإعلان عنه اجتمع القادة الستة (محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، مصطفى بن بولعيد، كريم بلقاسم، ديدوش مراد ورابح بيطاط) يوم 23 أكتوبر 1954، بالرايس حميدو في العاصمة، للمصادقة على النص الذي يؤكد المؤرخون أن صياغته كانت جماعية.
وتميز البيان بلغته البسيطة والمباشرة التي لا تقبل أي تأويل أو تحوير، على اعتبار أن المرحلة كانت تتطلب ذلك، فشدد على ضرورة التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي، والقضاء على جميع مخلّفات الفساد وكذا تجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري.
وبعد مرور 70 سنة، لا تزال الرسائل النبيلة التي تضمنتها هذه الوثيقة الخالدة مرجعا للدولة الجزائرية، حيث أنها أسست لمشروع مجتمع جزائري يؤمن بمبدأ التعايش بسلام من خلال تكريس احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
وقد تعدى بيان أول نوفمبر البعد المكاني الضيّق، حيث كان مصدر إلهام لأهم النضالات الإفريقية لمطالبة فرنسا ومن خلالها قوى الاستعمار بوجه عام بالاعتراف نهائيا بحقوق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، وهو المبدأ الذي دأبت الجزائر المستقلّة على المرافعة من أجله في كافة المحافل الدولية، وهي تقوم اليوم بجهود كبيرة ومشرّفة على مستوى منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، للذود عن كرامة الشعوب العربية والإفريقية المضطهدة وفي مقدمتها الشعبان الفلسطيني والصحراوي.