تدمير مكتبة كلية الجزائر في السابع جوان 1962

جريمة منسية من جرائم الاستعمار الفرنسي

 جريمة منسية من جرائم الاستعمار الفرنسي
  • القراءات: 2728 مرات
في السابع جوان من سنة 1962 وعلى الساعة 12 سا و40 دقيقة تحديدا، انفجرت ثلاث قنابل فسفورية مدمرة في حريق مهول بالمكتبة الجامعية، التي كانت تُعد كنزا ثمينا قوامة 60.000 مؤلَّف، منها المخطوطات القديمة وأول المؤلفات المطبوعة. هي جريمة أخرى يعتبرها الملاحظون جريمة ضد ذاكرة الشعب الجزائري، الذي خرج منتصرا من إحدى أكبر حروب التحرير الوطني، التي لاتزال إلى يومنا راسخة في فكر الأسرة الجامعية الجزائرية.
فرنسا الاستعمارية وأنصار "الجزائر فرنسية" هلّلوا لهذا الاعتداء الإرهابي، الذي شكّل امتدادا لسياسة "الأرض المحروقة" التي اعتمدها المحنّون لفكرة مستحيلة. كل الصحف الفرنسية المؤيدة لاحتلال الجزائر صفّقت للجريمة، أو قلّلت من خطورة الاعتداء الإرهابي الذي استهدف كلية جامعة الجزائر.
في تلك الحقبة، كانت كلية الجزائر تضم ثلاثة أقسام رئيسة مخصصة للآداب والعلوم الإنسانية والطب ومخابر علمية. أما رمز الكلية فجسّدته مكتبتها.
الاعتداء في السابع جوان، وقبل أقل من شهر عن إعلان الاستقلال الوطني، اهتزت الجزائر الوسطى على وقع ثلاثة انفجارات قوية على الساعة 12 و40 دقيقة بالتحديد، بين ساحة أودان والنفق الجامعي وشارع حماني (شاراس سابقا).
ثلاث قنابل فوفسفورية انفجرت مخلّفة حريقا مهولا وطبقة سميكة من الدخان أحاطت بالكليات؛   "نيران اليأس"، هكذا كتب إيف كوريار في وصفه لتلك التفجيرات الإرهابية. في عدد جريدة "لوفيغارو" الذي صدر غداة الاعتداء، كتب هذا المؤرخ القريب من التيار اليميني المتطرف: "في 7 يونيو 1962 لف الدخان مدينة الجزائر؛ لقد انفجرت المكتبة الجامعية، وأحرقت 600.000 مؤلَّف... ما كنا لنترك لهم علمنا وثقافتنا".
وكتبت جريدة "لوموند" في 9 يونيو 1962: "نشوب حريق إجرامي بالجامعة... انفجار ثلاث قنابل يدوية من الفوسفور بالمكتبة، وبالقرب من قاعة الأساتذة ومدرجي الكيمياء والعلوم ومخبر علوم الطب، مرتكبو الاعتداء استعملوا مواد متفجرة منها البنزين".
ومن جهتها، نقلت "فرانس سوار": "البورجوازيون الأثرياء بشارع ميشلي (ديدوش مراد حاليا) يتأملون دخان النيران التي تلتهم المكتبة الوطنية لتتلف 600.000 كتاب ومدرجين ومخابر كلية العلوم". وأضاف: "في الحانة المقابلة جمع من الطلبة المسرورين، يعلقون على الحادثة وسط كؤوس النبيذ"، في حين تطرقت صحيفة "باري لو جور" للخسائر التي تسبب فيها حريق المكتبة الجامعية: "إتلاف 500.000 كتاب إلى جانب الطابق الأول من المبنى وقاعة الأساتذة ومدرجات الكيمياء والعلوم ومخبر علوم الطب".
وعلّق روبير بورون أحد ممثلي الحكومة الفرنسية في مفاوضات اتفاقيات إيفيان، على الحادثة الأليمة قائلا: "الذين حرقوا المكتبة أرادوا منع النخب الجزائرية من الاستفادة من الثقافة الفرنسية والاحتفاظ بها لوحدهم". وبعد نشوب هذا الحريق الإجرامي أتى رجال المطافئ على ما تبقّى، حسب الشهادات التي أفادت بأنه تم تصويب أنابيب المياه نحو الكتب التي لم تصل إليها ألسنة النيران؛ مما تَسبب في إتلافها حتى وإن كانت الحجة وراء ذلك منع انتشار الحريق.

فرنسا كانت على علم

توصلت السلطات الجزائرية إلى أن الحريق الذي نشب بالمكتبة الجامعية لكلية الجزائر، كان مبرمجا من قبل المنظمة السرية بتواطؤ السلطات الاستعمارية. وبعد اعتداء إرهابي أول في ليلة 7 إلى 8 أبريل 1962 الذي تلا اتفاقيات إيفيان ووقف إطلاق النار بالجزائر، تم إغلاق جامعة الجزائر. وأفادت "باري لو جور" في عددها الصادر في 8 يونيو 1962، بأن "اعتداء آخر نُفّذ في مايو (1962)، أتى على المكاتب المطلة على الساحة الشرفية، وأتلف سجلات عمليات الجرد". وعشية 7 يونيو 1962 تمت دعوة محافظ المكتبة الجامعية الذي كان يشغل شقة بنفس المبنى، إلى مغادرة المكان على الفور، فيما تم تحويل عمال المكتبة في مايو 1962 إلى باريس في شكل تربص. وحسب "لوفيغارو" الصادرة في 8 يونيو 1962، تم "تحويل أرشيف جامعة الجزائر إلى جامعة آكس". وفي دراسة مطولة، تأسف المحافظ الحالي للمكتبة الجامعية السيد عبدي عبد الله قائلا: "في 7 يونيو 1962 تم تدمير المكتبة الجامعية لكلية الجزائر، التي كانت تُعتبر أجمل تعبير عن "المهمة الحضارية" من قبل الذين كانوا يزعمون نشرهم الحضارة في بلد بدائي".
وفي ديسمبر 1962 تم إنشاء وتنصيب اللجنة الدولية لإعادة تأسيس المكتبة الجامعية التي كان يترأسها محمود بوعياد ونائبه نور الدين سكندر، الذي كان ملحق ديوان لدى وزير التربية الوطنية الكاتب جان سيناك، وهو الأمين العام للجنة. وأخيرا، آخر تأسف أو عتاب: في "ذاكرة العالم: ذاكرة مفقودة؛ مكتبات وأرشيف دُمّرا في القرن الـ 20"، لم تسجل منظمة اليونيسكو إلى هذا اليوم الحريق الإجرامي للمكتبة الوطنية لجامعة الجزائر في جردها.