الرئيس بوتفليقة في رسالة إلى المشاركين في الأسبوع الوطني للقرآن الكريم:
جعلنا من وطننا مدرسة عالمية للسلم والمصالحة
- 889
أكد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أن المجتمع الجزائري استطاع، بفضل مرجعيته وحكمة أبنائه، أن يطفئ نار الفتنة، ويقضي على التطرف والعنف ومحاولات تسلل الطائفية. وسجّل رئيس الجمهورية، في رسالة له بمناسبة افتتاح الأسبوع الوطني الـ 17 للقرآن الكريم بقسنطينة، قرأها نيابة عنه المستشار برئاسة الجمهورية محمد علي بوغازي، أن المجتمع "استطاع، بفضل مرجعيته وحكمة أبنائه، أن يطفئ نار الفتنة، ويقضي على التطرف والعنف، ويقف دوما على استعداد لمواجهة الأخطار التي تزحف على أسوارنا، ومحاولات تسلل الطائفية إلى شبابنا".
وتابع يقول في هذا الصدد: "يقع علينا ـ نحن الجزائريين ـ واجب الذود عن صورة ديننا السمح الحنيف؛ لأننا عرفنا كيف نجعل من مرجعيتنا حصنا لأبنائنا ضد التطرف، ومنهجا لمؤسساتنا نحو الوسطية والاعتدال، وجعلنا من وطننا مدرسة عالمية للسلم والمصالحة بفضل وعي شعبنا وتمسّكه بالقيم العليا في الوحدة والإيثار وتماسكه الاجتماعي". كما ذكر رئيس الجمهورية بأن الإرهاب "أساء لصورة الإسلام أيما إساءة، وفتن المسلمين قبل غيرهم، عن دينهم فتنة عامة، وجعل غير المسلمين يظنون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الظنون وهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة، ويسيئون للقرآن وهو كتاب الهداية والتنوير".
وإزاء ذلك، دعا رئيس الجمهورية الأئمة والمشايخ إلى "مواصلة الجهد من أجل تحصين أبناء وطننا ضد الأفكار الهدّامة، وحمايتهم من دعوات الغلوّ الطائفي، وإبطال مستندات الإرهاب ومرجعياته المشبوهة، الذي يحاول أن يوظّف نصوص الكتاب والسنّة ويؤوّلها على غير الهدى، لتبرير همجيته والدعوة إلى بدعته وضلالته". ومن جهة أخرى، تَوجّه رئيس الجمهورية إلى المشاركين في هذه التظاهرة العلمية؛ حيث قال: "إنه ما من شرف تناله النفس وعلوّ تسمو إليه مثل مقام يُذكر فيه اسم الله وتعظَّم فيه شعائره، وفضاء يرطَّب فيه اللسان بحلاوة القرآن الكريم الذي تخشع في رحابه الروح، ويفقه العقل ويعمر الفؤاد الإيمان".
واعتبر هذه المناسبة "فرصة مباركة للاحتفاء بدستور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها" من خلال "تدارس علومه، والنظر في تعاليمه وأحكامه، والاقتداء بنهجه القويم والاستلهام من سنّة وسيرة سيد الخلق النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهي المحجة التي يستنير لها دربنا، وتسدد خطانا على طريق الهدي والرشاد"، يقول الرئيس بوتفليقة.
أملي أن يكون هذا الملتقى مناسبة للمطارحات الفكرية والحوارات الهادفة
وأشار، في هذا السياق، إلى "أمله الكبير ورغبته العارمة" في أن يرى هذا الملتقى العلمي مناسبة للمطارحات الفكرية والبحوث المستفيضة والحوارات الهادفة والاستنتاجات المؤسَّسة على النقل والعقل؛ من أجل خدمة الأمة و"تنويرها واستشراف مآلها بما يكتنزه كتاب الله وسنّة نبيه من معين لا ينضب؛ تستمدّون منه حلولا لمعضلات العصر وقضاياه المتعددة". وأضاف قائلا: "لا غرو، وقد التقى في هذا المحفل المبارك، أهل العلم والإمامة والدعوة والوعظ، وكذا أهل الزوايا وعُمّار الجوامع ومعلّمو القرآن ومعلّماته في هذا المجمع الروحاني المؤثل، الذي تربه روح التربية الرشيدة والتزكية السلوكية القويمة التي عمت ربوع الجزائر وسماءها".
وأعرب رئيس الجمهورية، في سياق ذي صلة، عن مشاعر الافتخار بحفظة القرآن الكريم من أبناء الوطن "وهم يتسابقون في حفظ كتاب الله، ويتبارون في حسن تلاوته، والتعمق في شرح مفرداته وفهم معانيه، بناتنا وأبنائنا الذين كثيرا ما رفعوا الراية الوطنية عالية على منصات التتويج كلما سُنحت لهم فرص تمثيل الجزائر في مسابقات القرآن الدولية في عواصم العالم العربي والإسلامي".
كما اغتنم السانحة ليعبّر عن "مشاعر الوفاء لأولئك الذين زهدوا في دنياهم لخدمة دين الحق وتنوير الأمة بفضائل القرآن والسنّة، ثم انتقلوا إلى رحمة الله، ولكن مازالت أرواحهم الطاهرة الزكية في رحاب هذا المؤتمر طوّافة، وذكراهم في قلوبنا خالدة، وعهدهم فينا محفوظا موفَّى، بدون أن أنسى تحية كل الذين يسيرون على هديهم اليوم لإتمام رسالتهم". وأردف رئيس الجمهورية يقول في رسالته: "لقد أوشكنا أن نسدل الستار على شهر الربيع الأنور وقد ملأه شعبنا لرسول الله وفاء، وأعمره بسيرته قراءة واقتداء، وامتزجت فيه مشاعر حب المصطفى باتّقاد العقول لاستخلاص العبر والدروس من سيرته العطرة".
وبفضل ذلك يسترسل الرئيس بوتفليقة: "كانت سيرة مجتمعنا سنية، وكان تديّنه تأسيا برسول الدين وسطيا، وكانت علاقاته بالغير علاقة تقدير واحترام، يتعامل بمنطق وحجة، وبأدب جم وحسن بيان، ويلتفّ حول مرجعية له قويمة، رجالها علماء أفذاذ طالما درأوا عن الإسلام تحريف المغالين وانتحال المبطلين وتأويل المغرضين، ومصادرها بعد الكتاب والسنّة ميراث زاخر بتفاسير القرآن المبكرة وشروح السنة العطرة، خُطّت بأنامل علماء الجزائر الأخيار".
علينا أن نحيي في مجتمعنا قيم التربية والعدالة ونرقّي معنى المواطنة
وعلى صعيد ذي صلة، شدد رئيس الدولة على ضرورة الحفاظ على قيمة العائلة في سلّم القيم، و"أن نحيي في مجتمعنا قيم التربية وقيم العدالة، وأن نرقي فيه معنى المواطنة الحقة، ونقنعه بجدوى التضامن والتسامح والقبول بالرأي الآخر، وأن نلقنه مبدأ الوسطية والرفق، وأن نمكّن للعمل في ثقافتنا وسلوكنا". كما تابع يقول في ذات الصدد: "لا يعزب عن كل ذي لب أن لكل واحدة من هذه القيم في القرآن الكريم، أكثر من آية تدل عليها، ولها في سنّة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر من مستند في أقواله وأفعاله وإقراراته. وكل واحدة منها هي قيمة إنسانية تتقاسمها معنا أمم الدنيا وتؤمن بها، وتكنّ مشاعر التقدير للمجتمعات التي تتمثلها وتمجّد مشاعر الاحترام لديها ولا تجرؤ على اتهامه ولا الإساءة إليه".
وخلص رئيس الجمهورية إلى التذكير بأنه "من باب الوجوب التأكيد أن الإسلام يجيب على التساؤلات الكبرى التي تطرحها الإنسانية برؤية كونية في عالمي الغيب والشهادة"، معربا عن يقينه بأن "الإسلام في ظل ما يعتور العالم اليوم من أزمات وتداخل مصالح ومنافع وتضارب استراتيجيات في العلاقات بين الدول والشعوب وعدم توازن جيواستراتيجي، يضمن للجميع الحقوق المادية والمعنوية بدون هيمنة أو استضعاف للآخرين".
لنندمج جميعا في سلوك استهلاكي يتناسب مع ما ننتجه
كما دعا رئيس الجمهورية إلى "مراجعة نمط الاستهلاك"، والاندماج في سلوك يتناسب مع ما تنتجه البلاد من ثروة، مذكرا بأنه كان قد أمر الحكومة بأن تصارح الشعب بحقيقة الوضع؛ "لنندمج جميعا في سلوك استهلاكي يتناسب مع ما ننتجه من ثروة، وإلى الإقلاع عن اقتصاد مستندُه الأساس مداخيل المحروقات إلى اقتصاد متنوع، يعتمد على الفلاحة والصناعة والخدمات". كما أشار إلى أنه دعا الحكومة إلى "مرافقة المجتمع من أجل نبذ الإسراف ومحاربة التبذير، واتخاذ الإجراءات المناسبة لترشيد الإنفاق العمومي".
ويأتي ذلك نتيجة الأزمات الاقتصادية "الخانقة" التي "طالت ارتداداتها وطننا، وتأثرت بسببها مدخّراتنا، ودفعتنا إلى مراجعة نمط استهلاكنا ووتيرة عملنا ونشاطنا"، يقول الرئيس بوتفليقة. وأشار، في هذا الإطار، إلى أنه "من البديهي لكل من عرف الإسلام ورام جوهره وخبر تعاليمه، أن يدرك يقينا، أن هذا الدين دين علم وعمل؛ إذ بهما معا تستقيم الفطرة، وتتحقق السعادة ويقوم العدل". ومن هذا المنظور فإنه "لا مندوحة لنا إذاً من اعتبار العمل في أصل الدين، ومن ثم لا تستقيم العقيدة والإيمان إلا بالأخذ بتعاليم المولى المبثوثة في نصوص القرآن الصريحة، وفي الآثار النبوية الصحيحة المخصوصة بأوامره ونواهيه؛ فالعمل قيمة حياتية وأخلاقية وتربوية"، يؤكد رئيس الجمهورية.
وبالتالي يُعد العمل "بالمحصّلة، مدرسةً حقيقية لتنشئة الفرد الصالح والمجتمع الفاضل المجبول على الصبر والعزة والكرامة، والشد بالنواجذ على شمائل الوئام، والتعايش وروح النظام الجماعي والانضباط القيادي، ما ينشئ المجموعة على روح المسؤولية والجدية والحرص، ويؤسّس للضمير المهني الذي طالما احتاجت إليه الأمم والشعوب من أجل الرقيّ والسؤدد". أما بالنسبة للجزائر، فقد أشار الرئيس بوتفليقة إلى أنه خلال السنوات الماضية، تم بمعية الشعب، بذل "جهود مضنية لتدارك التأخر الذي خلّفته سنوات الأزمة العجاف، فتمكن وطننا من استرجاع مكانته بين الأمم، وتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية مشهودة، نعمل من خلالها على تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات خارج مجال الطاقة بالتوجه إلى الاستثمارات البديلة".
رفع التحديات وتجاوز مشاعر الإحباط واليأس
كما أنه "بفضل الجهد الوطني، بات القطاع العام والقطاع الخاص شريكين حقيقيين في التنمية، يجمعهما عنوان واحد، هو القطاع الوطني الذي يشارك في تكوين وتأهيل الموارد البشرية، لتتكيف مع احتياجات سوق العمل، وتوفير المزيد من مناصب الشغل لشبابنا"، يتابع رئيس الجمهورية. وخلص رئيس الجمهورية إلى التأكيد على "الأمل الكبير" الذي يحذوه في "رفع التحديات، وتجاوز مشاعر الإحباط واليأس التي يروّج لها البعض بفضل إرادة شعبنا وشجاعته وتصميمه على قهر المصاعب".
وبهذه المناسبة، دعا رئيس الدولة الشباب إلى "التوجه لخدمة الأرض، واستخراج خيراتها، وجني ثمارها، وارتياد الورش والمصانع والمؤسسات للمشاركة في بناء وطنه وفي رقيّه وازدهاره. وأحثهم على إعمال ذكائهم في عرض الخدمات، وإجادتها بما يحقق لهم العيش الكريم والشرف الأثيل". وختم رئيس الجمهورية رسالته بدعوة المشاركين إلى جعل هذا الملتقى "فرصة للتفكر والتأمل والتدبر في آيات الذكر الحكيم في ظاهره وباطنه وفي السيرة العطرة؛ بغية استنباط ما بهما من كنوز، واستخراج ما يحتويان من توجيهات وتعاليم قويمة تحضّ على بناء الفرد الصالح والمجتمع المتضامن، وتحصّنهما من دعوات الفرقة المذهبية والطائفية والانحلال الخلقي، والقنوط والانهزام النفسي، والتطرف والجريمة؛ بما يؤهّل الناشئة لأن تندمج في مشروع حياة مستقبلية يتصالح فيها الإيمان والعلم والعمل؛ وفاءً لشهدائنا البررة وعلمائنا الأجلاء".