انضمام الجزائر إلى معاهدة رابطة دول جنوب شرق آسيا
خيارات رئيس الجمهورية الاقتصادية بخطوات ثابتة للتجسيد

- 139

❊ إرساء السيادة الاقتصادية وفق مبدأ تنويع الشركاء
❊ الدبلوماسية الاقتصادية أداة لتعزيز النفوذ الجيو ـ استراتيجي
بانضمامها إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" تكون الجزائر قد جسّدت أحد الخيارات التي التزم بها رئيس الجمهورية، لارساء السيادة الاقتصادية وفق مبدأ تنويع الشركاء وعدم الارتهان لمحور واحد فقط، في إطار مقاربة جديدة للنّهوض بالاقتصاد الوطني، وخلق مناخ يشجّع الاستثمار ويعزّز الديناميكية التنموية للبلاد إلى جانب مواكبة المعطيات الدولية الراهنة.
يشكل توقيع الجزائر على معاهدة الانضمام إلى مجموعة (آسيان) أمس، بمثابة اعتراف بمكانتها الاقتصادية العالمية بالنّظر إلى القدرات التي تزخر بها، فضلا عن تحسّن مناخ الأعمال خلال السنوات الأخيرة بفضل سلسلة الإصلاحات التشريعية و التنظيمية التي اعتمدها رئيس الجمهورية، من أجل إحداث نقلة نوعية في الاقتصادي الوطني.
قبل ذلك كانت الجزائر قد انضمت إلى بنك التنمية التابع لمجموعة "البريكس" في إطار استراتيجية تنفيذ نموذج اقتصادي متنوّع، منتج ومندمج في الاقتصاد العالمي الجديد، القائم على التكتلات متعددة الأقطاب، ما سيساهم في خلق قيمة مضافة وتوفير مناصب الشغل، فضلا عن استحداث صيغ تمويل جديدة للشركات النّاشئة وتبادل الخبرات مع بيئات أعمال ناشئة في دول (البريكس)، مما يعزّز من تنافسية الجزائر في الاقتصاد الرقمي العالمي.
يأتي ذلك في الوقت الذي ترتبط الجزائر بعلاقات جيّدة مع العديد من الدول في القارات الخمس، فضلا عن الشركاء التاريخيين في القارة الأوروبية، إلى جانب علاقات صداقة مع بلدان القارة السمراء وقارة آسيا التي سرعان ما تحوّلت إلى استثمارات ومشاريع اقتصادية.
ونذكر في هذا الصدد انضمام الجزائر إلى منطقة التجارة الحرّة الإفريقية، والتي تعد فرصة كبيرة لها لتعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي على مستوى القارة، خاصة مع إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الإفريقية الذي يسمح بتوسيع نطاق الصادرات الجزائرية خارج القطاعات النّفطية.
وتسعى الجزائر من خلال توجهها الجديد المرتكز على تنويع شركائها الاستراتيجيين لإضفاء براغماتية أكبر في علاقاتها التجارية والاقتصادية ضمن قاعدة رابح / رابح، ونسج شراكات حقيقية متكافئة لجذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا لتطوير القطاعات الحيوية في إطار احترام السيادة وخدمة المصالح المشتركة.
وتجلّى ذلك على سبيل المثال في التعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية، لإعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، فضلا عن الانفتاح على إفريقيا من خلال إقامة معارض وفتح بنوك خارج البلاد، موازاة مع إطلاق خطوط جوية وبحرية مع العديد من الدول بهدف زيادة الصادرات خارج المحروقات.
ولاشك أن الإجراءات التحفيزية التي اعتمدتها الجزائر، على غرار قانون الاستثمار الجديد وتفعيل الشباك الوحيد ورقمنة الاستثمار في الجزائر من أجل تحرير المبادرة، وكذا تحرير العقار الاقتصادي والصناعي والفلاحي والسياحي، قد ساهم بقدر كبير في التعريف بالواقع الاقتصادي الواعد للجزائر لدى شركائها الاستراتيجيين. كما يدل ذلك على تحسّن المؤشرات الاقتصادية للبلاد مما يؤهلها لأن تكون من الدول النّاشئة، ولها حظوظ الاستفادة من فرص تعزيز النّمو الاقتصادي عبر الحصول على القروض لتمويل المشاريع في إطار مسايرة التبادلات الدولية، والذي يستلزم وضع خطط انفتاحية متأقلمة مع نظام الواردات والصادرات ومقاومة للمنافسة الأجنبية.
وعليه يمكن القول إن الدبلوماسية الاقتصادية للجزائر أضحت أداة استراتيجية لتعزيز نفوذها الجيو-اقتصادي خاصة في ظل التحوّلات الدولية التي تفرض ضرورة تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل التبعية للأسواق التقليدية، حيث تساهم المقومات القوية التي تمتلكها الجزائر بتوظيف علاقاتها الدبلوماسية في دعم اقتصادها، عبر تعزيز التعاون الإقليمي والاستثمار في البنية التحتية والانخراط في التكتلات الاقتصادية الدولية، الأمر الذي سيعزّز من قوتها التفاوضية في المحافل الاقتصادية الدولية، وصياغة سياسات اقتصادية مشتركة تحقق مصالحها الوطنية وترفع من قدرتها التنافسية على الساحة العالمية.