القاضي السابق بمجلس المحاسبة شعبان زروق لـ "المساء":

دسترة مكافحة الفساد ستكرس قطع دابر الآفة

دسترة مكافحة الفساد ستكرس قطع دابر الآفة
القاضي السابق في مجلس المحاسبة، شعبان زروق
  • 1900
شريفة عابد شريفة عابد

أكد القاضي السابق في مجلس المحاسبة، شعبان زروق، أن تنصيص مسودة المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري على استحداث سلطة عليا للشفافية والوقاية من الفساد يأتي ليعزز ترسانة التشريعات والقوانين الخاصة بمكافحة الفساد على أكثر من مستوى، مقدرا بأن أهم نقطة يحملها هذا الإجراء الدستوري، تكمن في جدية التطبيق، التي تعبر، حسبه، عن وجود إرادة سياسية في الضرب بيد من حديد، كل المتورطين في قضايا الفساد. واستشهد في هذا الإطار بسلسلة المحاكمات التي طالت كبار المسؤولين السابقين في الدولة، تلبية لنداء الحراك الشعبي، والتي اعتبرها "عربون ثقة حقيقية تستند عليه الدولة في المستقبل".

وتطرق السيد زروق في تصريح لـ«المساء" إلى المضامين الواردة في مسودة الدستور، من منطلق كونه إحدى الشخصيات الوطنية التي تمت استشارتها من طرف اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد المسودة، حيث اعتبر المادة 215 من الوثيقة والتي تنص على أنه "تؤسس سلطة عليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته السلطة.. وهي هيئة مستقلة، تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية" وكذا المادة 216 التي تنص على أنه "تختص السلطة العليا بالمهام الأتية.. وضع استراتيجية وطنية للشفافية والوقاية والفساد ومكافحته والسهر على تنفيذها، جمع

ومعالجة وتبليغ المعلومات ذات الصلة، تلقي التصريح بالممتلكات الخاصة بالأشخاص، التي يحددها القانون، تلقي التبليغات الخاصة بتضارب المصالح وحالات جمع الوظائف، إخطار السلطات المختصة عند الاقتضاء.. يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة"، فضلا عن المواد الدستورية الخاصة بمجلس المحاسبة وفعاليته وصلاحياته المحددة في المواد 208 وكذا المواد الأخرى الخاصة بالحفاظ على المال العام كالمادة 94 والمادة 86 التي تنص على إلزامية دفع الضرائب"، كلها تمثل الأطر الدستورية العامة التي تعكس حرص الدولة الجزائرية في مكافحة الفساد. غير أن الضامن الأساسي، في التطبيق الفعلي لتلك القوانين التي كانت موجودة في السابق، يكمن، حسبه، في توفر الإرادة السياسية التي تلتقي مع مطالب الحراك الشعبي، الذي دعا إلى وضع حدا للفساد والمفسدين.

واستشهد القاضي السابق في مجلس المحاسبة بالعدد الكبير من الإطارات السابقة في الدولة ورجال الأعمال، الذين تم اقتيادهم إلى المحاكم. والكشف عن حجم الأموال المنهوبة بطرق غير شرعية ارتكزت على استغلال النفوذ والسلطة.

وإذ أكد محدثنا، وجود عدة مؤسسات معنية بمكافحة الفساد، إلا أنه لفت إلى أن "مهامها كانت مجمدة"، حيث ذكر في هذا الصدد المجلس الوطني للمحاسبة الذي دخل التجميد منذ سنة 1988، معربا عن أمله في أن يحمل التغيير نظرة جديدة في التعامل مع الوضع، "باعتبار أن الإرادة السياسية هي الأساس في ردع المفسدين دون غيرها..".

وقدم القاضي السابق أمثله عن المحاكمات ذات الصلة بقضايا الفساد في الجزائر، مشيرا إلى أنه "لم تحدث مثل هذه المحاكمات في الماضي، سوى مرتين في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كان يعطي قدسية كبيرة للمال العام، ولا يتوان في تطبيق حكم الإعدام كجزاء في حق كل من ينهب المال العام"، قبل أن يضيف أنه "بعد ذلك جاءت المحاكمات التي شهدتها الجزائر في الفترة الأخيرة، بداية بفتح ملف تركيب السيارات وتوابعه والتي لاتزال فصولها متواصلة، وستستمر كذلك في المستقبل".

وفي رده عن سؤال خاص بالأثر الذي يمكن أن تتركه عملية تطبيق التعديلات الدستورية سالفة الذكر على صورة الجزائر، خاصة في التقارير الدولية الخاصة بالفساد، قال شعبان زروق إن "المهم بالنسبة للجزائر هو استعادة الثقة بين الشعب وحكامه واجتثاث ظاهرة الفساد التي عرقلت التنمية الاجتماعية والاقتصادية وقضت على كل المبادرات وثبطت العزائم.. أما التقارير الدولية فهي تأتي في المرتبة الثانية وليست أولوية بالنسبة لنا، كون الاستقرار على المستوى الخارجي يعتمد على الداخل أولا".

وبشأن إمكانية تعديل قانون مكافحة الفساد 01-06 الذي استحدث سنة 2006 بهدف تكييف الجزائر مع الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها في هذا المجال، خاصة وأنه قلل من حدة الجرائم الاقتصادية الكبرى وجعلها في نفس الدرجة مع جرائم العادية، اعترف القاضي السابق في مجلس المحاسبة، أنه "على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يكتسيها القانون الخاص بمكافحة الفساد والوقاية منه، باعتباره أول قانون جزائري يتناول ظاهرة الفساد عمليا ويعالجها بشكل منفصل عن قانون العقوبات، إلا أنه تساهل نوعا ما مع الجرائم الاقتصادية الكبرى التي ترتكب في حق المال العام، وصنفها كجنحة وليس جناية، أي جريمة مكتملة الأركان"، مقدرا بأن هذا الأمر يستوجب إعادة النظر فيه وتكييفه حسب الوقائع، "لأن القوانين الوضعية تستنبط وتكيف حسب الحالات والجرائم التي يعانها منها المجتمع".

وأعرب السيد زروق في الأخير عن أمله في أن تتخطى الجزائر مرحلة الفساد وكل مخلفاتها السلبية بعدما استشرت هذه الآفة في جميع المؤسسات وتفتح صفحة جديدة مع الشفافية والنزاهة لبناء الجزائر الجديدة التي يتطلع إليها الجميع.