أبعاد استراتيجية لزيارة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا إلى الجزائر

رهانات سياسية واقتصادية برؤية براغماتية

رهانات سياسية واقتصادية برؤية براغماتية
  • 212
مليكة.خ  مليكة.خ 

❊ بورزامة: تقارب جيواستراتيجي بعيد المدى

❊ بودهان: مواصلة النضال لصالح القضايا العادلة

تحمل زيارة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا إلى الجزائر أبعادا استراتيجية مهمة، مرتبطة بالرهانات السياسية والاقتصادية التي تمر بها القارة الافريقية، حيث يسعى البلدان إلى إضفاء التكامل على جهودهما من أجل الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى أفضل المستويات، فضلا عن مساعيهما لتأطير العمل الإفريقي في ظل الظروف الجيواستراتيجية الصعبة، في ضوء المتغيرات الإقليمية المتسارعة التي تستدعي الالتفاف حول تحالفات قوية تنأى بالقارة السمراء عن كافة المخاطر المحدقة.

رغم متانة العلاقات الثنائية التي عزّزتها المواقف التاريخية المشتركة للبلدين ازاء قضايا التحرّر، إلا أن زيارة رامافوزا إلى الجزائر جاءت لتفتح عهدا جديدا، من شأنه أن يعبّد الطريق أمام شراكة نوعية تواكب التطوّرات الراهنة، في ظل حرص البلدين على إرساء رؤية براغماتية، تخدم المصالح المتبادلة من جهة وتعزّز النهج القاري الذي أرساه الآباء الأفارقة في الدفاع عن مبادئ القارة، بعيدا عن النظرة الاستعمارية التي استنزفت ثروات إفريقيا لعقود من الزمن.

فتطابق المواقف بين الجزائر وجنوب إفريقيا ساهم في نجاح زيارة رامافوزا التي حملت في طياتها طابعا نضاليا برؤية مستحدثة، لا تتعلق هذه المرة بطرد المستعمر، بل بسعي البلدين لفرض مكانتهما على المستوى الدولي سياسيا واقتصاديا، من خلال إرساء شراكات اقتصادية من جهة وتوطيد الرؤى حول جل القضايا ذات الاهتمام المشترك .

وتجلّت هذه الإرادة في ترؤس رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ونظيره الجنوب إفريقي أشغال الدورة السابعة للجنة المشتركة، والتي توّجت التوقيع على إعلان للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فضلا عن إلقاء الرئيس رامافوزا خطابا استثنائيا أمام البرلمان في سابقة تعد الأولى منذ سنوات.

وإلى جانب إبداء الجانبين عزمهما على الارتقاء بالتعاون الثنائي من خلال إرساء آليات لتفعيل التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، فإن توافق الجانبين لتفضيل الحلول السياسية التفاوضية لحلّ الأزمات بعيدا عن التدخلات الخارجية، يعزّز الروابط الاستراتيجية بينهما، خاصة في مجال التعاطي مع النزاعات وفق رؤية مرتكزة على احترام الشرعية الدولية والقانون الدولي.

في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي مصطفى بورزامة في تصريح لـ"المساء"، أن زيارة رئيس جنوب إفريقيا تندرج ضمن تقارب جيواستراتيجي بعيد المدى، خاصة مع تطابق الرؤى من الناحية السياسية من أجل حلّ القضايا العالمية العالقة مثل القضيتين الصحراوية والفلسطينية، في ضوء قيادة الجزائر لمعركة سياسية في مجلس الأمن باعتبارها عضوا غير دائم، في حين أن جنوب إفريقيا تخوض معركة قانونية على مستوى المحاكم الدولية من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في ظل إصرار الكيان الصهيوني على الإبادة الجماعية.

وأشار بورزامة إلى أن خطاب الرئيس رامافوزا أمام البرلمان من شأنه أن يعزّز المؤسّسات الدستورية في البلدين ومواصلة الدفاع عن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثلما سبق للبلدين أن دعّما قضايا التحرّر في القارة الإفريقية والعالم .

من جهته، قال المحلّل السياسي موسى بودهان في اتصال مع "المساء"، إن زيارة رامافوزا إلى الجزائر حملت عديد الرسائل والقضايا ذات الأبعاد الدولية والقارية والجهوية، فضلا عن المسائل الاقتصادية، والسياسية، والأمنية والبرلمانية، في ضوء تقاسم البلدين لنفس الرؤى التي تجسّدت مثلا باتفاق البلدين على طرد الكيان الصهيوني من الاتحاد الإفريقي الذي حاول التغلغل في هياكله كعضو مراقب .

كما أشار بودهان إلى أن هذه الزيارة سمحت بالتطرّق إلى ملفات التعاون، التي من شأنها أن تضفي ديناميكية أكبر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، على غرار الفلاحة وصناعة السيارات والاقتصاد الرقمي، مع التأكيد على حلّ النزاعات بطرق سلمية ورفض كل اختراقات القانون الدولي لاسيما من قبل القوى التي نصّبت نفسها فوق كل القوانين، على غرار الكيان الصهيوني والمخزني.

وثمّن المحلّل السياسي مساعي البلدين من أجل الدفاع عن القضايا العادلة على غرار ما قامت به جنوب إفريقيا بخصوص القضية الفلسطينية برفعها دعوى ضد الكيان الصهيوني على مستوى المحاكم الدولية، والتي جاءت بعد شهر من مطالبة الرئيس تبون أحرار العالم بالتحرّك الجماعي ضد الكيان الصهيوني، في حين لم تدّخر الجزائر من جهتها جهدا على مستوى مجلس الأمن، باعتبارها عضوا غير دائم في فضح جرائم الاحتلال، ما يعني أنه يوجد تنسيق بين البلدين في هذا المجال.