وثيقة | بوتفليقة في رسالة يوم العلم:
سنستخدم سلاح المعرفة لمحاربة التطرف
- 768
بعث رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أمس، برسالة بمناسبة إحياء يوم العلم المصادف لـ16 أفريل من كل سنة. هذا نصها الكامل:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
لقد سبق لي أن قلت في مثل هذا المقام: "إن لهذه المدينة جاذبية لا تقاوم، فما يزال زائرها حين يفارقها في شوق وحنين إليها حتى يعود". وقد عدت إليها، كما تعرفون، مرات عديدة. لكأني بالعلم قد تحصن بمدينتكم هذه واستحصن بها، فما يبرحها إلا ليعود إليها، وما أظن أحدا فينا يتخيل أن العلم وقسنطينة سيفترقان في يوم من الأيام.
ولاريب في أنكم سعدتم أيما سعادة، وأخذتكم العزة بتظاهرة "سنة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" التي احتضنتها مدينتكم، وجعلت منها عاصمة للبلدان العربية قاطبة. وحق لكم ذلك، فقد كانت، على مدى عام كامل، فضاء تعارف وتفاعل، التقت فيه صفوة من النخب العربية، من المشرق والمغرب، لتتبادل فنونا من المعرفة والثقافة، تجلى ما فيها من سعة وتنوع وثراء، وعمقت الصلة والانتماء الطبيعي بين الإنسان الجزائري وأشقائه، في الفضاء الأوسع الممتد في كلتا القارتين إفريقيا وآسيا.
ولئن كانت السنة حافلة بالعطاء الثقافي فإن الفضل في ذلك يعود إلى جميع من ساهم في إنجاحها من رجال ونساء، ونشطوا وأثروا بأعمالهم وعطاءاتهم فعالياتها، فكانوا بذلك أهلا للإكبار والتقدير.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
لقد سجل تاريخ الجزائر أن التعليم كان مزدهرا، ودور العلم والكتاتيب منتشرة، قبل أن تغزو فرنسا الجزائر سنة 1830. وشهد على ذلك المؤرخون الغربيون النزهاء من الذين رصدوا أحوال الجزائر، خاصة خلال الفترة التي سبقت الاحتلال الفرنسى المقيت.
لكن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب، فما كاد القرن التاسع عشر ينتهي حتى كانت الأمية التي تعمدها الاستعمار قد تفشت بين معظم الجزائريين. ولا أدل على ذلك من أن نسبة الأمية ارتفعت إرتفاعا مذهلا بين أبناء الجزائر لتبلغ 60 بالمائة غداة افتكاك الجزائر سيادتها سنة 1962.
ولكم، أيتها الجزائريات، أيها الجزائريون، أن تتمعنوا في هذه المفارقة العجيبة التي كان الاستعمار الفرنسي وراءها: مجتمع آمن، قارئ، متمكن من وسائل المعرفة والعلم يتحول، في عهد ظلام الاحتلال إلى مجتمع بدائي متخلف مقطوع الصلة بأنوار المعرفة.
لقد رأى الاستعمار الغاشم أن عدوه الأول والأخير إنما هو العلم الذي تقوم عليه كل حركة مجدية في البناء الاجتماعي والحضاري، فعمل طيلة قرن وربع قرن من الزمن على تجهيل أبناء هذا الشعب، ولم يتورع عن هدم المدارس والزوايا والكتاتيب والمساجد وحرق المكتبات في جميع أنحاء الوطن. ولنا أبلغ مثال على ذلك في الطريقة التي ختم بها هذا الاستعمار احتلاله البغيض عندما أحرق مكتبة جامعة الجزائر في شهر أفريل من عام 1962، أي في الشهر الذي نحتفل فيه بيوم العلم. وفي نطاق هذه السياسة الجهنمية،
أزهقت أرواح العلماء الجزائريين والأساتذة والتلاميذ وطلاب الثانويات والجامعات، وما كان أقلهم.
لم يكتف الإستعمار بذلك، بل عمد إلى التضليل والإستخفاف بالعقول، وترويج الخرافات والأباطيل والأساطير. وظن أنه قد بلغ الأرب، وأقام جسورا وطيدة بين عالمه هو وعالم الجزائريين وهم يواجهون طغيان الاستعمار والاحتلال.
ودامت تلك الحال الوخيمة إلى أن تحركت همم الجزائريين، نهاية القرن التاسع عشر، بقيادة نخبة من الشباب الجريء المقدام، وشرعت في إذكاء شعلة المعرفة والدعوة لضرورة الأخذ بأسبابها ونشرها بين الناس. وقيض الله للجزائر فتى من مدينتكم هذه وكان ذا تطلع إلى أفق أوسع يرى فيه الإنسان الجزائري واقفا من جديد على قدميه كغيره في هذا العالم. ما كان ذلكم الفتى سوى عبد الحميد بن باديس الصنهاجي، نسبا ومحتدا. فلقد أدرك أن حاجة الجزائري للعلم كحاجته إلى الهواء النقي الصافي الذي ينبغي أن يعب منه في كل لحظة من لحظات الحياة. وعرف، حق المعرفة، أن الحرية ليست كلمة يتلفظ
بها هذا أو ذاك، وإنما هي غنيمة كفاح مرير طويل يرتكز على العلم والمعرفة قبل أن يعتمد على السلاح. وهكذا، سبق صليل القلم أزيز الرصاص. وها أنتم تنعمون اليوم بهذه النتيجة الباهرة.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
قسنطينة، على غرار المدن الجزائرية الأخرى، تحتفي اليوم بالذكرى السادسة والسبعين لرحيل رائد الحركة الإصلاحية الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس. والشعب الجزائري برمته يستعيد صورة ذلكم العلم الفذ في تاريخنا الحديث. ومن ثم، يحتفل بيوم العلم الذي صار موعدا سنويا نقف فيه على ما قطعناه من أشواط على نهج إمامنا عبد الحميد بن باديس (رحمه الله).
والغاية من هذا الاحتفال بيوم العلم، كل سنة، لا تتوقف عند استذكار هذا الرائد القدوة ورفاقه الأجلاء الذين نذروا حياتهم لخدمة وطنهم الجزائر حين جعلوا من نشر العلم والمعرفة، النافعة في الدنيا والآخرة، وسيلة للتحرر الفكري الذي بدونه ما كان في استطاعة الإنسان الجزائري أن يقوى على التخلص من نير الاستعمار.
وفي هذا المقام، يملي علينا الواجب أن نقف وقفة إجلال وتقدير لهذا الرمز الوطني ونتمعن في مسيرته النضالية ونستمد الدروس والعبر منها، ونحكم الصلة الوطيدة بين حاضرنا وماضينا بغاية الانطلاق بخطى ثابتة، وعزيمة راسخة نحو آفاق المستقبل، متساوقين مع عصرنا هذا، حريصين على كسب رهان الحداثة دون التفريط في تراثنا وأصالتنا.
لقد انصبت جهود الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحبه في جمعية العلماء المسلمين على مواجهة مخططات الاستعمار الساعية إلى مسخ الشخصية الوطنية ومحو مقومات هوية الشعب الجزائري التي مكنته من المحافظة على قيمه الأصيلة وإعادة بناء كيانه الوطني وترسيخه حتى وقف شامخ الهامة بين شعوب العالم.
من هذه الأرضية الصلبة، عرف عبد الحميد بن باديس كيف يدافع عن اللغة العربية والثقافة الجزائرية، مدركا في الوقت نفسه وبرؤية ثاقبة، التزاوج الطبيعي القائم بين البعد الأمازيغي للشعب الجزائري وبعده العربي الإسلامي. ومن إيماءاته التي كان يشير بها إلى الجانب الأمازيغي من حيث هو عنصر أساسي في هويتنا الوطنية، كان يوقع مقالاته الصادرة في مجلة الشهاب "ابن باديس الصنهاجي".
ونحن حين نستذكر، في يوم العلم، مناقب الإمام عبد الحميد بن باديس وسيرته وحياته التي نذرها لخدمة العلم والتنوير ونشرها والنضال من أجل القضية الوطنية، لا يسعنا إلا أن نعمل الفكر في جميع ما أنجزه، مع رفاقه، في مضمار التربية والتعليم، وفي تخليص الممارسة الدينية من شوائب الدجل والبدع والشعوذة، وفي السياسة والاجتماع وفي الصحافة والإعلام على الرغم من سطوة المستعمر الفرنسي ومحاولاته اليائسة لإخماد كل صوت حر.
لقد شمر عن ساعد الجد مع صحبه لمواجهة المشروع الفرنسي التغريبي بأن حرص على تعليم الكبار والصغار، البنين والبنات، وفتح عيونهم بخطاب قد يتلخص كله في القولة البليغة التي خاطب بها الإنسان الجزائري: "لا حياة لك إلا بحياة شعبك وبلدك ودينك ولغتك، وكل ما هو جميل رائق من عادات وتقاليد، وإذا أردت أن تضمن الدوام والاستمرار لكل ذلك، فكن ابن عصرك مسايرا للزمن الذي تحيا فيه منسجما مع أسباب الحياة وسبل التعايش والسلوك المثالي في المجتمع".
ويأبى على الواجب في هذا السياق، إلا أن أغتنم هذه السانحة وأعرب عن عرفان الشعب الجزائري قاطبة، وعن عظيم امتنانه وإكباره، لكل الرجال والنساء، على اختلاف أجيالهم، الذين ساهموا، قبل تحرير بلادنا وبعده، في استعادة حق الإنسان الجزائري في نور العلم، ونعمة المعرفة من خلال مساهمتهم القيمة الجليلة في بناء صرح المنظومة التعليمية الوطنية بمختلف قطاعاتها وبنائها، وعن حرص الدولة الثابت على الاعتناء الدائم بتحسين ظروف جميع الذين يضطلعون بالوظيفة التعليمية النبيلة بكافة أسلاكها
واختصاصاتها، وعلى تمكينهم جميعا من كل الوسائل اللازمة لمواصلة جهودهم في أداء رسالتهم الشريفة التي لا غنى عنها لتنمية بلادنا وتطويرها.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
إن هذا اليوم هو يوم عزيز على الجزائريات والجزائريين الفخورين بما لهم من مشاركات فعالة في الفكر والعلم منذ عهد أبوليوس ابن مداوروش إلى الأمير عبد القادر وابن باديس، ولا شك في أن قائمة العلماء المجاهدين طويلة، وهي تضم قوافل ممن أفنوا أعمارهم في بذل الجهد الجهيد من أجل رقي مجتمعهم عبر العصور والحفاظ على منعته.
لقد كان التعلم نضالا وجهادا أكبر لدى الشعب الجزائري طوال سنوات الاحتلال التي تعرض فيها لأفظع وأعنف سياسات التجهيل، بل وإلى حد إبادة علمائه ومثقفيه.
لذلك كله، ما فتئت الدولة الجزائرية، منذ أن عادت إلى الوجود، تولي عنايتها لتربية النشء وتمكينه من نور العلم والمعرفة، إيمانا منها بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأضمن فائدة والأبقى من حيث هو الذي يتيح تكوين الجزائري القادر على التعرف على ذاته في مرآة أصالته أولا بأول، وعلى اتخاذ وجهة الانتماء الصحيح حتى يتبوأ مكانته اللائقة به في العالم الذي يحيا فيه، ومن ثم، تمكين بلادنا من مغالبة التحديات الناجمة عن التحولات التي تعيشها على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن التصدي للتقلبات التي تشهدها المعمورة قاطبة.
أجل، هناك رهانات جديدة مرتبطة بالعولمة، وظهور مجتمع المعلومات والاتصال، وتسارع وتيرة الثورة العلمية والتكنولوجية، وهي في مجملها، توجب على الجزائر المساهمة في شبكات المعرفة والاستجابة للطلب الاجتماعي والاقتصادي الذي يتطلب مستويات أعلى من التأهيل والأداء علما بأن نوعية الموارد البشرية، وتكوين النخب الوطنية، واعتناق سلوكيات جديدة في العمل وإنتاج المعرفة، أصبحت أمورا لابد منها من حيث هي عوامل مؤثرة في تحديد التوازنات الجيوسياسية العالمية الجديدة.
ولئن كان للعلم دور هام لا يعوض في مسار التقدم والرقي وأثر واضح على تطبيقاته التكنولوجية المتسارعة، والتي شملت شتى المجالات وبخاصة تكنولوجيا المعلومات، فلا ينبغي أن يبهرنا بالقدر الذي يجعلنا نغفل عن الجوانب السلبية الكامنة فيه ويسلخنا من إنسانيتنا وتميزنا الثقافي. فلا أوخم من المعرفة عندما تفتقر إلى الخلق وتخلو من الضمير والتبصر. إننا في حاجة إلى علم ينفع، إلى علم لا يضر، إلى علم يحقق إنسانيتنا في هذه الحياة!
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
المدرسة هي التي تخلق في الإنسان روح التحدي بحيث لا يسلم نفسه لإغراءات الكسل والخمول والتواكل، كما أنها تنمي فيه القيم الروحية والوطنية والإنسانية بعيدا عن الغرور والتطرف والتعصب، فيصبح مواطنا سويا صالحا ونافعا لنفسه ولغيره. يتعين على القائمين بالمدرسة، والقيمين عليها، أن يدركوا الدور الهام الذي يقع على عاتقهم في تكوين البنية الصلبة للمواطن الصالح حسا ومعنى، وفي توفير الأمن العلمي والثقافي لمجتمعنا.
والجزائر، وعيا منها بهذا، أولت أهمية قصوى للتربية والتعليم والبحث العلمي، ولا أدل على ذلك من بعض الأرقام التي تعكس هذه الجهود وتترجم مساعي السلطات العمومية لرفع التحدي من أجل ضمان التربية السليمة القويمة للناشئة الجزائرية كافة، بنات وبنين.
فنسبة تمدرس البالغين 6 سنوات من الأطفال في الجزائر بلغت 5ر98 %، وبلغ معدل التمدرس في التعليم الابتدائي 9ر97 %، وتجاوز مجموع التلاميذ المتمدرسين 8 ملايين ونصف مليون تلميذ، وهو يفوق خمس (1/5) ساكنة الجزائر دون احتساب طلبة الجامعات ومعاهد التعليم العالي.
ولا ينبغي أبدا أن تنسينا هذه الخطوات العملاقة التي قطعتها منظوماتنا التربوية وجوب مواصلة تحسينها ببذل المزيد من الجهود للارتقاء بمستوى آداء المدرسين الذين هم الركيزة الأساس في كل عمل تربوي، مع توفير إمكانيات ولوج عالم تكنولوجيات الإعلام والاتصال بقدر أوفى وأنجع في التعليم والتكوين والتسيير.
أيها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
لابد لي، في يوم العلم هذا، أن أقول إن اللغة الأمازيغية التي كرست لغة وطنية عام 2002، صارت بمقتضى التعديل الدستوري الأخير، لغة وطنية رسمية وبصفتها عنصرا جوهريا من عناصر هويتنا الوطنية، فإنها ستتبوأ مكانتها الطبيعية إلى جانب الإسلام والعروبة من حيث هي رافد من روافد التراث الذي يتقاسمه الشعب الجزائري.
وما الارتقاء بالأمازيغية إلى مصف اللغة الوطنية الرسمية إلا تعزيز للوحدة الوطنية وتمتين للحمة المجتمع. ومن شأن الأكاديمية، التي نص الدستور على إنشائها، العناية بالأمازيغية لغة وثقافة وتراثا، وذلك باعتماد المناهج العلمية الكفيلة بتطويرها وتفعليها في الإبداء العلمي والفكري والأدبي والإعلامي وضمان تعميم استعمالها وتداولها بين الجزائريين قاطبة.
ولا مندوحة لنا من أن نجعل من طلب العلم غاية لكل مجتمعنا، وأن نحرص على تكوين قاعدة علمية قادرة على إبداع طرق لصوغ مستقبل يحقق ما نطمح إليه من تنمية ورقي وازدهار. ومن ثم، فإن على جامعاتنا أن تضطلع بهذه المهمة، وأن تسعى لكي توفر للبلاد نخبة متميزة من العلماء والباحثين في شتى حقول المعرفة والاختصاص لا تكون قادرة على مسايرة عصرها فحسب، بل وعلى المشاركة في إنجازاته، وتكون، في الوقت نفسه، واعية للمصالح العليا لوطنها ومشاركة حقا في حل المشاكل المطروحة بإلحاح على الشعب.
ولا يعني ذلك أن على الجامعة الجزائرية أن تتخلى عن البحث النظري وعن رسالتها الأكاديمية وتحصر رسالتها في الاستجابة لمتطلبات ظرفية. كلا عليها أن تجد الترتيب الأمثل للأولويات، الترتيب الذي يمكنها من إيجاد الموازنة السلمية، في كل المسائل التربوية، بين ضرورة أخد المتطلبات العاجلة للنهوض بالمجتمع في الحسبان وضرورة تطوير البحث الأساسي الذي لا غنى عنه.
وفي نفس الوقت إن حاجتنا إلى منظومة رقمية في الجامعات والمؤسسات التربوية والثقافية يمليها علينا حرصنا على استجماع أسباب الوصول إلى المعلومة حيثما كانت. فمجتمع المعرفة الذي نبتغي ولوجه حري بنا أن نضع لبناته الأولى عقول شبابنا المفكر، المتنور، العاقل، الواعي، المنتج.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل،
ليس هناك شك في أن الثقافة سلوك اجتماعي إنساني دائم التجدد، وينطلق أساسا من الفرد ليصبح منتجا اجتماعيا مشتركا بين كل الأفراد، يتعارفون من خلال هذا المصطلح على القيم والمبادئ التي ترتقي بالمجتمع، باعتماد الفن والأدب والفكر والعلم بغية بناء منظومة ثقافية قائمة على الهوية الوطنية الواحدة بمختلف أبعادها. إن الثقافة المجدية هي الدرع الذي يقي شبابنا من التطرف، هاته الآفة المقيتة التي تنتقل، من بلد إلى آخر، ومن زمن إلى زمن. وإننا لن نتوانى في محاربة هذا التطرف باستخدام سلاح المعرفة والتنوير للقضاء على أسبابه ومكوناته.
إنه من حق الجزائريات والجزائريين، بل، ومن واجبهم، أن يعتزوا بكون دستور بلادهم قد كرس الحق في التحصيل المعرفي بأن جعله حقا مضمونا يتساوى فيه أبناء الشعب كلهم. فعلينا أن نعمل، الآن أكثر من أي وقت مضى، على الخروج بالمعرفة والثقافة من طور الاستهلاك إلى طور الإبداع والإنتاج لكي تسهما في التنمية الاقتصادية. من شأن تجسيد حق المواطن والمواطنة في التحصيل المعرفي أن يدفعنا دفعا قويا في اتجاه الاضطلاع بمسؤوليتنا المتمثلة في وقاية المجتمع الجزائري من إنتاج ثقافة كراهية الغير، وثقافة زرع الرعب وثقافة التزمت، وثقافة الموت، وتحصينه من أخطارها. إن الثقافة ليست منتجا رسميا ولا صناعة مؤسسة بعينها، إنما هي نتاج دينامية اجتماعية جماعية تبدأ بالتعليم في المؤسسات التربوية، عبر مختلف الأطوار، لتبلغ مؤسسات البحث العلمي والابتكار المتجدد، مع ضرورة أن يتساوق معها الشارع والمؤسسات الدينية، ودور الشباب، ودور الثقافة والمسارح، والسينما، والتلفزيون، ووسائل الإعلام، وغيرها من المرافق الثقافية والاجتماعية الحيوية.
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل
لذا، وفي هذا اليوم البهيج، وفي هذه المدينة التي تذكرنا بعمق تاريخنا وبمجد حضارتنا، وفي هذا الفصل الذي نقف في كل أسابيعه ترحما على أمجاد ثورة نوفمبر المجيدة، أهيب بكل الجزائريين والجزائريات أن يهتموا دائما أكثر بتعليم أبنائنا ووقوف عائلتنا بجنب المدرسة الجزائرية، لكي نحضر اليوم جيل الغد الذي سيكمل، بعون الله، مسيرة جيل الكفاح التحرري وجهد جيل بناة الجزائر المستقلة، جيل الغد الذي يسهر بالعلم والثقافة على تعزيز استقلالنا الاقتصادي، والمساهمة في رفع مشعل حضارتنا العربية الإسلامية في العالم، وضمان عقدا بعد عقد، مكانة أرقى للجزائر وطنهم أرض العلم والحضارة".