الذكرى الـ56 للتفجيرات النووية الفرنسية برقان

فرنسا دخلت النادي النووي على حساب الجزائريين

فرنسا دخلت النادي النووي على حساب الجزائريين
  • 906
م. خ / م. أجاوت م. خ / م. أجاوت

ودعا الباحث في الفيزياء النووية، الدكتور عمار منصوري في مداخلة له عبر تقنية الفيديو، في إطار هذه الندوة التي احتضنتها قاعة المحاضرات بمعرض الذاكرة بحديقة الوئام ببن عكنون، تحت إشراف وزارة المجاهدين، إحياء للذكرى الـ56 لهذه التجارب النووية، إلى ضرورة متابعة فرنسا قضائيا على كافة المستويات الدولية لتورّطها المفضوح والمباشر في قيامها بهذه العمليات غير القانونية مع سبق الإصرار، والتي انعكست سلبا على المنطقة وأهاليها ومحيطها البيئي ككل، مؤكدا أن ذلك سيبقى وصمة عار في جبين فرنسا مهما حاولت تمجيد دورها الاستعماري المخزي في منطقة شمال إفريقيا وفي الجزائر بشكل خشكّل موضوع التفجيرات النووية الفرنسية بمنطقة الحمودية برقان بولاية أدرار، محور الندوة التاريخية التي نظمها المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 بالجزائر العاصمة، حيث شدّد المشاركون على ضرورة اعتراف فرنسا بهذه التجارب اللاانسانية الخبيثة والتعجيل بتعويض المتضررين منها، والمساهمة في تطهير المنطقة من مخلفاتها السامة باعتبارها المسؤولة على تأثيراتها الخطيرة على صحة الإنسان والحيوان والمحيط البيئي. اص.

وأوضح السيد منصوري في هذا الإطار، أن فرنسا الاستعمارية كانت تعي كل الوعي بضرورة القيام بهذه التجارب النووية في صحراء رقان (الحمودية وعين آكر) واتخذت كل الإجراءات والتدابير اللازمة كرسالة منها لإعلان الالتحاق بالنادي النووي العالمي المشكل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مشيرا إلى أن الإدارة الاستعمارية في تلك الفترة سعت بشتى الطرق لإبقاء هذا الأمر سرا في إطار “الأسرار العسكرية النووية” التي لا يجور الكشف عنها، وهو ما يدل بكل وضوح على النية الإجرامية الانتقامية من الشعب الجزائري وسكان الجنوب على حد سواء. وأشار المتحدث في هذا الشأن، إلى أن فرنسا قامت بـ 03 تجارب نووية باطنية كان أولها سنة 1945 تحت اسم اليربوع الأبيض، لتليها تجربة اليربوع الأحمر، ثم تجربة اليربوع الأخضر في 25 أفريل 1961 وهذا بقوة إجمالية بلغت 127 كيلوطن، مضيفا أن ذلك أعقبه 117 تفجيرا نوويا باطنيا خلّف إشعاعات باطنية لّوثت الجو والأرض والنبات وخلّفت أمراضا فتاكة على رأسها السرطان بشتى أنواعه.

وخلال شرحه لتفاصيل هذه التفجيرات النووية، أكد الباحث أن هذه الأعمال خطّطت لها فرنسا لمضاعفتها لاحقا في إطار برنامج إسرائيلي بغطاء فرنسي وهذا وفق اتفاق موقع بين الطرفين قبل الخمسينيات، موضحا أن أول تجربة نووية نفذّت بصحراء رقان وفق هذا الاتفاق (الفرانكو-اسرائيلي) وبنجاح - حسب اعترافات الطرفين - كان يوم 13 فيفري 1960، مذكرا بالمناسبة أن البرنامج النووي الفرنسي استهدف منطقة رقان (108 ألف كلم مربع) والأهقار (170.500 كلم مربع) وعين آكر بـ04 تجارب سطحية و16 تجربة باطنية.

وقال المتحدث إنه “تمت الاستعانة، بعدة علماء وعسكريين ودبلوماسيين وسياسيين فرنسيين، لإنجاح هذه التجارب، قدّموا كل ما يملكون من معارف وخبرات لإنجاح هذا المشروع المخزي في تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر..”، وهو ما يدل - يضيف المحاضر- على أن هذا مشروع دولة بأكملها رغم ما خلّفه من آثار سلبية على الصحة العمومية والبيئة. ومن جهته، أكد الأستاذ في تاريخ الجزائر من جامعة الشلف السيد بن شرقي حليلي في تدخل له، أن فرنسا تتحمّل مسؤولية تاريخية كبيرة عن هذه التفجيرات ومخلّفاتها المأساوية على مواطني الجنوب جراء اشعاعاتها التي تؤثر على الصبغيات وتحدث الطفرة الوراثية المسببة للسرطان وتشوهات خلقية رهيبة، داعيا إياها إلى الاعتراف بهذه العمليات والالتزام بالتكفل بالمتضررين منها.

كما أضاف أنه يتوجب على المسؤولين الفرنسيين تقديم كل جهودهم لتطهير مناطق هذه التجارب من مخلفاتها السامة لحماية المواطنين والمحيط البيئي والثروة النباتية والحيوانية، علما أنه تم إخفاء الأطنان من النفايات السامة التي دفنها الجيش الفرنسي بالمنطقة دون علم أحد، مذكرا بوجوب المطالبة بالأرشيف العسكري الذي لا يزال سريا لتحديد نقاط التدخل وإزالة هذه المخلفات من عتاد وآليات وعربات.. وبدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، عمّار جفال أن فرنسا تبقى مدانة بارتكابها أبشع الجرائم ضد الانسانية بحكم القانون الدولي، وهذا رغم مراوغاتها وأكاذيبها حول القضية من خلال تأكيدها بخلو المناطق المستهدفة من مؤشرات الحياة، موضحا أن هذه الأعمال تصنّف ضمن جرائم الدولة التي تتطلب محاكمة دولية خاصة ومعاقبة مرتكبيها، مبررا ذلك بتورّط شخصيات سياسية وعسكرية في التخطيط لهذا البرنامج باسم الجمهورية الفرنسية. وفي الأخير، قدمت شهادات حية عن بعض ضحايا هذه التجارب كانت في إطار تأدية الخدمة الوطنية، إلى جانب ضباط متقاعدين في الجيش كلّفوا بمهمة تطهير المنطقة من سموم هذه التفجيرات.


 

الخبير الفيزيائي العبودي: تطهير المناطق الملوثة صعب للغاية 

أكد خبير في الفيزياء النووية، أمس، أن فرنسا الاستعمارية أجرت تجاربها النووية (اليرابيع الثلاثة في 13 فبراير 1960 برقان)، في مناطق صحراوية مفتوحة، مما يصعب تطهيرها من آثار الإشعاعات النووية، مبرزا آثارها المدمرة التي تمتد تفاعلاتها لآلاف السنين. وأوضح الخبير والباحث في الفيزياء النووية، الأستاذ كاظم العبودي من أدرار، أن أخطر الملوثات للبيئة والمناخ وعلى المكونات الحية والمحيط الحيوي هي تلك المواد النشطة إشعاعيا التي تحوي مزيجا من المواد السامة والقاتلة، مضيفا أن نتائج تفاعلات المواد النشطة إشعاعيا تترك عشرات المواد الأخرى الأقل إشعاعا ولكنها في المحصلة تبقى موادا خطرة على الصحة والبيئة. الخبير ذكر أن التجارب النووية الفرنسية بلغت ذروتها لقيام فرنسا لأربع تفجيرات عالية الطاقة تمثل محصلتها الطاقوية مئة ضعف تفجير قنبلة هيروشيما وناغازاكي، حيث سجلت آثارها المباشرة حينها على أجواء بعيدة عن المنطقة (جنوب أوروبا والمحيط الأطلسي)، كما سجلت حالات لسقوط أمطار محملة بدقائق مشعة جنوب الصحراء ووصلت سحبها إلى مناطق كثيرة من العالم. 

بالمناسبة، أكد رئيس جمعية 13 فبراير 1960 ببلدية رقان (150 كلم جنوب أدرار)، على ضرورة اتخاذ إجراءات عملية لإزالة أخطار الإشعاعات النووية التي تسببت فيها التفجيرات النووية الفرنسية بهذه المنطقة، على غرار عدد من المناطق بالصحراء الجزائرية والتي تظهر عواقبها الوخيمة على الإقليم من يوم لآخر. وأوضح السيد الهامل عمر ـ على هامش إحياء الذكرى الـ 56 للتفجيرات النووية الفرنسية برقان ـ أنه “من غير المعقول القبول بتعويض مالي محدود عن أخطار وضرر مزمن دون اتخاذ تدابير ميدانية من قبل الجهة المسؤولة تاريخيا لإزالة أخطار الإشعاعات النووية، حيث لا يمكن التنبؤ بما ستكشفه الأيام والسنوات القادمة من انعكاسات خطيرة لتلك الإشعاعات النووية التي تعمر في البيئة لسنوات طويلة، حسب شهادات علماء وخبراء، مما سيجعل التحدي أكبر أمام الأجيال القادمة من أبناء الوطن”. كما أبرز ضرورة التعجيل باتخاذ خطوات عملية من طرف الجهة التي تتحمل المسؤولية التاريخية الكاملة في هذا الشأن، من خلال تطهير المنطقة من الإشعاعات النووية، حفاظا على سلامة الأجيال القادمة والبيئة لإزالة أخطارها التي أضرت بالإنسان والنبات والحيوان، إلى جانب دعوته لتوفير منشآت صحية خاصة بتشخيص الأمراض السرطانية ومعالجة المصابين بها. 

وقد سطرت الفعاليات الجمعوية ببلدية رقان برنامجا تضمن العديد من الأنشطة لاسترجاع ذكرى هذه الجريمة الاستعمارية البشعة، شملت تنظيم حملات تحسيسية، انطلقت منذ بداية الشهر الجاري حول كيفية الوقاية من داء السكري وارتفاع ضغط الدم عند النساء الحوامل، إلى جانب إجراء فحوصات طبية متخصصة لفائدة هذه الفئة بالعيادة المتعددة الخدمات وتوزيع معدات بالمجان لقياس الضغط ونسبة السكري في الدم. كما جرى في هذا السياق، تنظيم يوم دراسي حول التكفل بأمراض السرطان، موجه لفائدة مستخدمي السلك الطبي بالمنطقة وأطره أساتذة الطب الأخصائيين في معالجة الأمراض السرطانية تحت إشراف الجمعية الوطنية “أمل” لمكافحة السرطان ووزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ضمن حملة التشخيص المبكر لسرطان الثدي بالمناطق النائية. الساحة العمومية وسط مدينة رقان، شهدت أمس، مراسم الترحم على أرواح الشهداء أمام النصب التذكاري المخلد لهذه الجريمة الاستعمارية التاريخية. 


 

بن براهم في منتدى “الجمهورية”: الملف النووي وصل مرحلة الاعتراف السياسي

وصل ملف التفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري “مرحلة الاعتراف السياسي” بعد الاعتراف العلمي والتقني والقانوني، حسبما أكدته المحامية، الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم، أمس، بوهران، مشيرة إلى أنه يسير ببطء. المحامية والباحثة في ملف التفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري في ندوة بعنوان “وقفة عرفان لشهداء التجارب النووية... وتضامنا مع الضحايا والمصابين”، أقيمت في إطار منتدى جريدة “الجمهورية”، الصادرة بوهران، أن ملف هذه التفجيرات “ليس سهلا ويعد ثقيلا. وأوضحت الأستاذة بن براهم في هذا اللقاء، المنظم من قبل جمعية “مشعل الشهيد” أن هذا الاعتراف يعد خطوة للوصول إلى تسوية هذا الملف، مبرزة أن اللجنة المختلطة (الجزائر وفرنسا) حول ملف التفجيرات النووية الفرنسية، من شأنها “إظهار الحقائق والولوج إلى السر السياسي والعسكري للبحث عن الملفات الخاصة بالتفجيرات والوصول إلى نتائج”.كما أن الوصول إلى الاعتراف السياسي بالتفجيرات النووية للمستعمر الفرنسي في الجنوب الجزائري، “جاء بعد عمل جبّار دام عدة سنوات وكان ثمرة عمل مع عدة أطراف، منها ضحايا هذه التفجيرات وقانونيين فرنسيين”، حسبما أضافت المحامية بن براهم التي نشطت هذا اللقاء بمعية الباحث، كاظم العبودي من جامعة وهران. من جهته، أكد الباحث العبودي أن ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي في الجنوب الجزائري “ليس بتجارب نووية وإنما تفجيرات نووية مرعبة ضد الإنسانية ولم تكن مدروسة”،واصفا إياها “بالشعوذة النووية”، حيث أنها “لم تأخذ بعين الاعتبار الظروف المناخية ولا الموقع والحياة الطبيعية للمنطقة التي كانت آهلة بالسكان”. في ختام هذه الندوة، أشرف محمد عباد، رئيس جمعية “مشعل الشهيد” على تكريم المحامية فاطمة زهراء بن براهم والباحث كاظم العبودي نظير بحوثهما حول التفجيرات النووية الفرنسية بجنوب الجزائر، مع منح وزارة المجاهدين وسام للمدير العام لجريدة “الجمهورية”، بوزيان بن عاشور.