يتوقع أن تهيئ المبادرات الأخيرة التي اتخذتها السلطات العمومية، بما في ذلك وضع إطار قانوني لمزودي خدمات الدفع الإلكتروني والتوافق بين تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول، بيئة مواتية لاعتماد المدفوعات الرقمية على نطاق أوسع من قبل المواطنين والتجار في مجال التجارة الإلكترونية.

ذلك ما خلص إليه تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، خصص لتقييم وضعية التجارة الإلكترونية في الجزائر (2025)، استنادا إلى الوثائق وتحليل البيانات من مصادر وطنية ودولية، وثلاثة مسوحات أجريت كجزء من الدراسة التي أكدت أن التجارة الإلكترونية في الجزائر، شهدت تطورا سريعا في السنوات الأخيرة، مدفوعة بتطور خدمات تكنولوجيا المعلومات ونسبة الوصول إلى الإنترنت.

وتم إبراز أن أكثر من ثلث المستهلكين الجزائريين (31,8 بالمائة) أجروا عمليات شراء عبر الإنترنت من خلال مواقع التجارة الإلكترونية، وقرابة النصف (47,4 بالمائة) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرت قيمة المبيعات الإلكترونية بين الشركات والمستهلكين بنحو 262 مليار دينار بنهاية 2023، ما يعادل 1,9 مليار دولار (0,8% من النّاتج الداخلي الخام). كما تحدث التقرير عن إحراز تقدم فعلي نحو تطوير التجارة الإلكترونية في الجزائر، مع الإشارة إلى أن السلطات العمومية عازمة على تجاوز بعض العقبات المسجلة، لاسيما غياب إطار مؤسسي واضح لحوكمة القطاع، واغتنام الفرص النّاشئة حتى يسهم تطوير القطاع في تحقيق الأهداف الاستراتيجية من حيث التنويع الاقتصادي وزيادة الصادرات خارج المحروقات.

وبعد أن أبرز أن عدد المدفوعات الإلكترونية لشراء السلع والخدمات عبر الإنترنت ارتفع من 4,4 ملايين في 2020 إلى 12,9 مليون في نهاية 2024، لاحظ التقرير أن المواقع التجارية الإلكترونية مازالت تركز حصريا على السوق المحلية، متوقعا أن تعزّز التطورات الحديثة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والمدفوعات عبر الإنترنت وتبسيط الإجراءات الإدارية، تطوير التجارة الإلكترونية العابرة للحدود. وقال التقرير، إن تشجيع التعاون الدولي ومساعدة الشركات المحلية على التوسع، لاسيما في إطار منطقة التجارة الحرّة القارية الإفريقية "زليكاف"، سيكون رافعة مهمة لتعزيز التجارة الإلكترونية الدولية، خاصة وأن الجزائر تشهد تطورا في بنيتها التحتية وخدماتها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مدفوعا بالنمو السريع لشبكات الاتصالات الثابتة والمتنقلة بأسعار معقولة. 

وأقر المصدر بإحراز الجزائر لتقدم ملحوظ في نشر الأنترنت عريض النّطاق عبر الخطوط الثابتة، كما يتضح من توسيع شبكة الألياف البصرية التي تجاوزت مليون مشترك في نوفمبر 2023، متوقعا أن توسع المشاريع الجارية، نطاق تغطية الألياف البصرية والاتصالات المتنقلة في جميع أنحاء البلاد. كما تحدث عن الثمار المرتقبة من تنفيذ برنامج التحديث التكنولوجي للشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الإمكانات التصديرية العالية، وخاصة تعزيز حضورها على الأنترنت وقدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية، لاسيما بعد تسجيل نمو متزايد  في خدمات التوصيل واللوجستيات خلال السنوات الأخيرة ما مكن من مشاركة المواطنين بشكل أكبر في التجارة الإلكترونية. كما أبرز التقرير أن المشاريع الجارية تهدف إلى تبسيط إجراءات التجارة الخارجية وتعزيز الإدماج المالي والاقتصادي للجالية الجزائرية في الخارج، وهي شريحة سوقية واعدة قد تعزز الصادرات من خلال التجارة الإلكترونية، موازاة مع ازدياد الوصول إلى خدمات الدفع الرقمي واستخدامها، مدفوعا بزيادة ملكية الحسابات المصرفية والبريدية والبطاقات والهواتف الذكية وزيادة إمكانية الوصول إلى الأنترنت. 

وسلّط التقرير، الضوء على التقدم المحرز في وضع إطار قانوني وتنظيمي للتكنولوجيا الرقمية، والذي يستكمل بقانون للأمن السيبراني وقانون رقمي ينظم الاقتصاد الرقمي، لافتا إلى أن المبادرات الأخيرة التي تهدف إلى تنويع آليات التمويل، بما في ذلك تبسيط إجراءات إنشاء شركات استثمار رأس المال المخاطر ونشر الإطار القانوني للتمويل الجماعي عبر الأنترنت، تعد فرصا جديدة لشركات التجارة الإلكترونية وتلك التي تطور مشاريع مبتكرة ذات تأثير اجتماعي قوي.