الباحثة تينهينان القاضي في دراسة حول عراقيل التصدير خارج المحروقات:

قطاع استيراد نافذ سياسيا قضى على الصناعات المنتجة

قطاع استيراد نافذ سياسيا قضى على الصناعات المنتجة
قطاع استيراد نافذ سياسيا قضى على الصناعات المنتجة
  • 1613
حنان حيمر حنان حيمر

ترى الباحثة في الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد بلندن، تينهينان القاضي، أن هناك عاملا مهمّا يقف وراء فشل الجزائر في تنويع الصّادرات خارج قطاع المحروقات، يرتبط بالعلاقة المعقدة والمقيدة بين الدولة والقطاع الخاص، والتي تميزت بها الحقبة الاشتراكيّة واستمرت خلال فترة تحرير السوق.

وأشارت إلى أن عمليّة تحرير السّوق التي قادها صندوق النّقد الدّوليّ في التسعينيات، لم تتصد لهذه العراقيل، معتبرة أن حزمة الإصلاحات التي وضعها الصندوق، "أفضت إلى تشكيل قطاع استيراد خاص، سعى بنشاط لتقويض ظهور قطاع تصنيع منتج. وهو ما أعاق بشدة قدرة البلد على بناء شبكة صناعيّة ديناميكية وتنويع الصادرات".

وفي دراسة بعنوان "إيرادات النفط، التحول الاقتصادي والبقاء السياسي في الجزائر" نشرتها الباحثة بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية، أكدت أن "الإصلاحات السيئة المتعاقبة لتحرير السّوق، التي قادها صندوق النّقد الدّوليّ في التّسعينات، خلقت لوبيّات استيراد قويّة أعاقت نشوء قطاع تصنيع منتج".

وبالرغم من أن البداية الصناعية للجزائر كانت ناجحة –وفقا لما أوردته في دراستها- بالرجوع إلى أولى مراحل التصنيع ببلادنا بعد الاستقلال مباشرة، فإن ذلك لم يتواصل، حيث أشارت الباحثة في هذا الصدد إلى أنه "بالرّغم من أنّ وجود كمّيّات كبيرة للنّفط في بلد فقير مستقلّ حديثا، يوفّر شروطا تقليديّة لسيناريو لعنة الموارد، إلاّ أنّ الجزائر نجحت في مواجهة اللّعنة في العقود الأولى التي تلت الاستقلال. فمجهودات ضخمة تمّ بذلها لتسريع وتيرة التّصنيع، التعليم، السّكّن وتجسيد مشاريع بنى تحتيّة كبيرة، تمّ تمويلها كلّها من عائدات النّفط واستكمالها عن طريق الأموال المقترضة".

ما أدى إلى تسجيل الجزائر في منتصف السّبعينات، لأعلى معدل نمو ضمن كل البلدان المصدرة للنفط بـ8,5 بالمائة. كما تم تحقيق قيمة مضافة للتصنيع بنسبة 20 بالمائة في 1978. وأظهرت السّياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للجزائر حينها، وفقا للدراسة، التزاما بالتّنمية من خلال العدالة الاجتماعيّة، "واعتبرت الجزائر نموذجا للدّولة الثوريّة ما بعد الاستعمار وطليعة للعالم الثّالث، وحظي البلد بإشادة، كأحد أنجح التّجارب في التّنمية الاقتصاديّة وأحد أكبر مصدّريّ النّفط استقرارا"، حيث اعتبرت الباحثة، هذا النجاح يفسر كذلك سياسيا، بتوفر "توافق سياسي".

ولهذا فإن الدراسة تشير إلى أن ما يفسر المستوى الكبير لتركيز الصّادرات في المحروقات، هي عدة عوامل من بينها "تفكّك السّلطة محليّا والافتقار إلى الاتّساق الأيديولوجيّ"، إضافة إلى "تجاهل حزمة إصلاحات المؤسّسات الماليّة الدّوليّة لديناميّات السّلطة، وبالتالي تنفيذها الانتقائي من طرف السلطات العمومية، بحيث تمّ اعتماد إصلاحات تحرير التّجارة التي قلّلت من حماية الصّناعات المحلّيّة وأعادت توجيه البلد نحو ميزته النّسبيّة في استخراج الموارد، بينما تمّ الاستغناء عن الإصلاحات التي كانت تهدف إلى تشجيع نشوء قطاع خاصّ منتج".

هذا الاعتماد الانتقائي للإصلاحات، كان، حسب الباحثة، نتيجة للتّفاعل بين العوامل السّياسيّة والفكّرية وبرامج التّكيّف الهيكليّ، "حيث نتج عن تحرير التّجارة تخفيض كبير في المعدّل الفعليّ للحماية الموفّرة للسّلع المصنّعة محليّا.وكان من الصّعب على الشّركات الصّناعيّة منافسة المجموعات القائمة عالميّا، وأغلبها انهارت في غضون أشهر فقط".

نتيجة لذلك – كما تضيف الباحثة- تقلّص قطاع التّصنيع بشكل كبير، وتمّ تقويض الجهود التي تمّ بذلها لتنويع البنية الصّناعيّة للبلد خلال الحقبة الاشتراكيّة. ومن هذه المنطلقات، فإن الباحثة تخلص في دراستها إلى أن دراسة العراقيل التي تعيق تنويع الصّادرات، يتطلّب نظرة مقرّبة على طبيعة علاقة الدّولة بمجال الأعمال، مشيرة إلى أن التّصنيع الذي قادته الدّولة كان ضروريّا للبلد، كونه خلق قاعدة تصنيعيّة ونوّع الهياكل الإنتاجيّة للبلد، بعيدا عن استخراج النّفط.

لكنّ هذه السّياسة الصّناعيّة، كما تضيف، أثبتت عدم قدرتها على الاستدامة كونها فشلت في تعزيز قطاع خاصّ تنافسيّ يمكنه أن يأخذ التّصنيع من مرحلة استبدال الواردات إلى مرحلة أكثر تحدّيا، قائمة على التّصدير.

وحسب الباحثة تينهينان القاضي، فإن فشل الدّولة في ترقية القطاع الخاصّ، راجع إلى "عراقيل سياسيّة وفكريّة"، استمرّت حتى في حقبة تحرير السّوق، "ما ساعد على ظهور "قطاع استيراد" نافذ سياسيّا، سعى بنشاط لعرقلة نشوء قطاع تصنيع منتج، وهو ما أعاق  بشكل كبير مستقبل تنويع الصّادرات".