سفير الجزائر في الصين لـ ”المساء”:

العلاقات مع الصين تاريخية، متنوعة واستراتيجية

العلاقات مع الصين تاريخية، متنوعة واستراتيجية
سفير الجزائر في الصين السيد أحسن بوخالفة مليكة خلاف
  • 1351
حاورته ببكين: مليكة خلاف حاورته ببكين: مليكة خلاف

أكد سفير الجزائر في الصين السيد أحسن بوخالفة، أن مبادرة الحزام والطريق التي انضمت إليها الجزائر بموجب مذكرة التفاهم التي تم إبرامها مع الصين في سبتمبر 2018، ستسمح بتنسيق ومواءمة البرامج التنموية، وربط البنيات التحتية، وتعزيز العلاقات والمبادلات الإنسانية، فضلا عن أن المبادرة تتماشى مع رؤية البلاد في مجال الاندماج المغاربي والإفريقي. كما أشار  السفير في حديث مع المساء إلى أن إقامة شراكة إستراتيجية شاملة في فيفري 2014 بين البلدين والتي تُعد أول شراكة من هذا النوع تبرمها الصين مع بلد عربي، سمحت بإضفاء صبغة الشمولية والديمومة والمصالح المشتركة على التعاون الجزائري الصيني. وإذ ذكّر بأن 30 طالبا جزائريا يستفيدون سنويا من منحة تعاون بهدف تحضير شهادة الدكتوراه في الجامعات الصينية، دعا الدبلوماسي الجزائري الطلبة الجزائريين إلى الاستفادة من المنح التي تقدمها بكين للطلبة الأجانب خارج البرنامج الثنائي بالنظر إلى مستوى التعليم العالي في الصين.

المساء: ما هو تقييمكم للعلاقات الجزائرية - الصينية؟

❊❊ السبد بوخالفة: في البداية بودي أن أتقدم إليكم بالشكر على الدعوة التي وجهتموها لي من أجل إجراء هذا اللقاء الصحفي، وأوجه من خلالكم كذلك أطيب التحيات إلى قراء جريدتكم الموقرة.

الصداقة بين الجزائر والصين ليست وليدة اليوم، فقد كانت جمهورية الصين الشعبية أول بلد غير عربي يعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سبتمبر 1958، ويُقيم علاقات دبلوماسية معها في 20 ديسمبر 1958، وهو الحدث الذي احتفلنا بذكراه الستين في ديسمبر الماضي.

يجدر التنويه بهذه المناسبة، بالدعم المُعتبر الذي قدمته جمهورية الصين الشعبية للثورة الجزائرية من مختلف النواحي السياسية والعسكرية واللوجيستيكية، وهو ما أضفى طابعا استثنائيا على العلاقات الجزائرية الصينية، وأسس لقاعدة صلبة للشروع في تعاون مثمر بعد الاستقلال.

كما ينبغي التذكير بأنّ الصين كانت أول بلد أرسل بعثة طبية إلى بلادنا سنة 1963؛ استجابة للنداء الذي وجهته الجزائر للمجتمع الدولي، بغية المساهمة في تأطير قطاع الصحة الذي تضرر بسبب مغادرة أعضاء الأسلاك الطبية الفرنسية. وقد كانت هذه البعثة أول فرقة طبية يتم إرسالها من قبل الصين إلى الخارج. ومازالت هذه البعثة تشتغل في الجزائر، حيث يتم تجديدها بصفة دورية، وهذا ما يعكس الطابع الرمزي والاستثنائي لعلاقات الصداقة بين الشعبين الجزائري والصيني.

وتوطدت العلاقات الثنائية بين البلدين بمرور السنوات إلى غاية إقامة شراكة إستراتيجية شاملة في فيفري 2014، وهي أول شراكة من هذا النوع تُبرمها الصين مع بلد عربي، الأمر الذي سمح بإضفاء صبغة الشمولية والديمومة والمصالح المشتركة على التعاون الجزائري الصيني.

وفي هذا الإطار، قامت الجزائر والصين بإقرار وتنفيذ خطة خماسية للشراكة الاستراتيجية الشاملة للسنوات 2014- 2018، سمحت بمواصلة سنة التشاور السياسي وتنسيق المواقف على مستوى المحافل الدولية، وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، وترقية المبادلات الثقافية والإنسانية بين الشعبين الجزائري والصيني. 

ويعمل الجانبان في الوقت الحالي، على تقييم حصيلة خمس سنوات الماضية قبل إعداد خطة خماسية جديدة للسنوات 2019- 2023. فعلى المستوى الاقتصادي على سبيل المثال، حافظت الصين على مكانتها كأول شريك تجاري للجزائر منذ سنة 2013، وذلك بحجم مبادلات يفوق 8 ملايير دولار سنويا، ناهيك عن المشاركة الفعّالة للشركات الصينية في تجسيد عدد معتبر من المشاريع الكبرى في مجال البناء والبنية التحتية.

وفي هذا السياق، فإن الجزائر والصين أبرما في أكتوبر 2016، اتفاقا حول تعزيز القدرات الإنتاجية للسماح للاقتصاد الجزائري بالاستفادة من الخبرة الصينية في المجال الصناعي، من خلال نقل المعرفة عبر الاستثمارات المباشرة والتعاون التقني في عدة ميادين، مثل الصناعات الميكانيكية والصناعات البتروكيميائية والطاقات المتجددة والصناعات المنجمية ومواد البناء، وهو ما سيساهم بكل تأكيد، في جهود تنويع الاقتصاد الجزائري.

يجدر التنويه كذلك بمشروع استغلال الفوسفات بتبسة، الذي تم إطلاقه بصفة رسمية في نوفمبر 2018، بالشراكة بين سوناطراك ومؤسسة صينية، حيث سيسمح بإنتاج أكثر من 5 ملايين طن من الفوسفات سنويا، ويساهم في تغطية حاجيات السوق المحلية وتنويع الصادرات الجزائرية، وهذا غيض من فيض فقط، حيث لا يتسع المقام هنا للتطرق لكافة أنشطة التعاون الثنائي بين البلدين.

انضمت الجزائر إلى مبادرة الحزام والطريق في سبتمبر الماضي... كيف يُمكن أن تستفيد بلادنا من هذه المبادرة؟   

❊❊ إن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ سنة 2013، تُعتبر أرضية تعاون تهدف إلى تحقيق التنمية المشتركة بين الدول، خاصة من خلال الربط بين البنيات التحتية وتكثيف الاستثمارات. ومن الطبيعي أن تلعب الجزائر؛ باعتبارها شريكا هاما للصين في إفريقيا والعالم العربي، دورا في تنفيذ هذه المبادرة؛ بحكم موقعها الجغرافي ومقوماتها الاقتصادية ووزنها الدبلوماسي. زد على ذلك أن مبادرة الحزام والطريق تتماشى مع رؤية وجهود الجزائر في مجال الاندماج المغاربي والإفريقي في ظل الطريق العابر للصحراء، وربط شبكة الطرق الجزائرية مع الشبكة الموريتانية وكذا مشروع ميناء الوسط بشرشال، الذي سيتم إنجازه بالشراكة مع الجانب الصيني. 

وسيسمح انضمام الجزائر لمبادرة الحزام والطريق بموجب مذكرة التفاهم التي تم إبرامها مع الصين في سبتمبر 2018، بتنسيق ومواءمة البرامج التنموية، وربط البنيات التحتية وتعزيز العلاقات والمبادلات الإنسانية. كما ستسمح مذكرة التفاهم لبلادنا كذلك، بالمشاركة في مختلف الآليات والفعاليات والأنشطة التي سيتم تنظيمها في إطار مبادرة الحزام والطريق، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقد شاركت الجزائر أيام 25 و26 و27 أفريل 2019، في أشغال الطبعة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، التي قامت جريدتكم الموقرة بتغطيتها. كما ساهمت الجزائر يوم 24 أفريل 2019 في إطلاق آلية الحزام والطريق للتعاون في مجال الطاقة، وقبلها بأسبوع في إطلاق رابطة الحزام والطريق لإدارات الضرائب، ناهيك عن انضمام الجزائر إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يشكل مصدرا لتمويل المشاريع التي سيتم تجسيدها في إطار المبادرة إلى جانب صندوق الحزام والطريق.

هل هناك رؤية لتوسيع التعاون بين الجزائر والصين إلى مجالات أخرى؟

❊❊ في الحقيقة، التعاون بين الجزائر والصين لا يقتصر على المجال الاقتصادي وإنما يشمل مجالات أخرى متنوعة. ففي مجال التكنولوجيات الفائقة أثمر التعاون الجزائري الصيني إطلاق القمر الصناعي ألكومسات 1” في 11 ديسمبر 2017، وهو المشروع الأول من نوعه بين الصين وبلد عربي، سيتم استخدامه في ميادين متعددة، مثل البث السمعي البصري والاتصالات والتعليم عن بعد والإدارة الرقمية.

وفي مجال السياحة، أبرم الجانبان في جويلية 2018، اتفاقا يقضي بتسهيل منح التأشيرات لأفواج السياح الصينيين الراغبين في زيارة الجزائر، الأمر الذي من شأنه أن يشجع بصفة أكثر، على الترويج للوجهة الجزائرية.

وفي الميدان الفلاحي، أبرمت الجزائر والصين في سبتمبر 2017، اتفاقيتين هامتين، تتعلق الأولى بالتعاون في مجالي الصحة الحيوانية والحجر الصحي، والثانية بالتعاون في مجالي حماية النباتات والحجر الزراعي، وهو ما يسمح بتوفير ظروف التبادل التجاري للمنتجات الفلاحية بين البلدين.

وبخصوص التعليم العالي والبحث العلمي، يعمل الجانبان في إطار برنامج تنفيذي تم إبرامه بين البلدين، على تقديم منح جامعية لطلبة البلد الآخر، حيث يستفيد سنويا 30 طالبا جزائريا من منحة تعاون؛ بهدف تحضير شهادة الدكتوراه في الجامعات الصينية في مجالات مختلفة، مثل الرياضيات والإعلام الآلي والصيدلة. كما يستفيد بالمقابل، 30 طالبا صينيا من تكوين في اللغة العربية في الجامعات الجزائرية. وتقدّم الحكومة الصينية منحا جامعية للطلبة الأجانب خارج البرنامج الثنائي، وهو ما نشجع الطلبة الجزائريين على الاستفادة منه بالنظر إلى مستوى التعليم العالي في الصين، الذي تعكسه التصنيفات العالمية.

وتجدر الإشارة إلى أن الجانب الصيني أرسل ستة أساتذة صينيين لتقديم دروس في اللغة الصينية بالعديد من الجامعات الجزائرية بالعاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة، وهو ما ينبغي الإشادة به نظرا للمكانة التي أصبحت تكتسيها اللغة الصينية في العالم اليوم.

من جهة أخرى، ينبغي التنويه بالشراكة المثمرة التي أقامتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية وتهيئة الإقليم مع الأكاديمية الصينية للحوكمة، خاصة في مجال تكوين الإطارات وتبادل الخبرات والتجارب.

وبصفة عامة، فإنّ تثمين الموارد البشرية يحظى باهتمام خاص في إطار التعاون الجزائري الصيني، حيث يستفيد العشرات من الإطارات الجزائرية سنويا من دورات تكوينية طويلة وقصيرة المدى بالصين.

هذه أمثلة فقط أردت أن أقدمها لأوضح أن العلاقات الجزائرية الصينية، أصبحت شاملة ومتنوعة ولا تقتصر على مجالات محدودة، وهو الأمر الذي سيتدعم، من دون شك، في سياق إعداد وتنفيذ الخطة الخماسية للشراكة الاستراتيجية الشاملة للسنوات 2019- 2023.

وماذا عن التعاون الثقافي؟ 

❊❊ قطاع الثقافة كان دائما ضمن أولويات التعاون الجزائري الصيني بالنظر إلى ما يُمكن أن يقدمه في سبيل توطيد الصداقة وتعزيز التقارب بين الشعبين الجزائري والصيني. ولعل أبرز مثال على ذلك دار أوبرا الجزائر التي تم إنجازها بهبة من الجانب الصيني، وأصبحت بذلك عربونا للصداقة التقليدية بين الجانبين.

وقد قام الجانبان في السنوات الأخيرة، بالعديد من الأنشطة الثقافية؛ تنفيذا لبرنامج العمل الجزائري الصيني في الميدان الثقافي لسنوات 2015- 2019، لاسيما فيما يتعلق بتبادل الفرق الفنية والمشاركة في التظاهرات الثقافية التي ينظمها الطرف الآخر.

وشاركت الصين، مثلما تعلمون، كـ ضيف شرف في طبعة العام الماضي من معرض الجزائر الدولي للكتاب؛ تزامنا مع الاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والصين. وضم الوفد الصيني أكثر من 150 شخصا ما بين ناشر وكاتب، من بينهم الأديب مويان الحائز على جائزة نوبل للآداب.

وأغتنم هذه المناسبة لأشجع الناشرين الجزائريين على المشاركة في معارض الكتاب التي تُقام بصفة دورية في الصين، لاسيما معرض بيجين الدولي للكتاب؛ بالنظر إلى الفرص الكثيرة التي قد تتاح لهم في هذا الشأن؛ من أجل التعريف بالكتب والمؤلفات الجزائرية.