أحداث 17 أكتوبر أعطت دفعا قويا للثورة التحريرية

مجزرة دولة تم التخطيط لها بإمعان

مجزرة دولة تم التخطيط لها بإمعان
  • القراءات: 870
س . أ س . أ

❊ فتح ملف الذاكرة بفرنسا يؤدي إلى إدانة الدولة وتحطيم شعارات حقوق الإنسان

أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، أن مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بفرنسا "أعطت دفعا قويا للثورة التحريرية المجيدة خارج حدودها الإقليمية وبرهنت على قوتها وعلى التفاف الشعب الجزائري حولها في الداخل والخارج. وبعد أن عبر عن اعتزازه بالاحتفال بالذكرى الـ60 لهذه الأحداث التاريخية، أبرز الوزير في كلمة قرأها نيابة عنه مدير ديوان الوزارة، خلال ندوة بالمجلس الشعبي الوطني تحت شعار "النهر لايزال دما في عيون الجزائريين" أن أحداث 17 أكتوبر 1961 كانت لها "أبعاد ثورية ونضالية عظيمة لكافة الجزائريين بالمهجر الذين قاموا بواجبهم تجاه الثورة التحريرية والتعريف بالقضية الوطنية"، مؤكدا بأن هذه المظاهرات كانت "خير دليل عن تلاحم وتماسك الشعب الجزائري.. وتعبيرا صادقا عن وعي هذا الشعب الذي عبر عن تلاحمه ووعيه أمام الهيمنة الاستعمارية ".

من جهته، أعتبر المجاهد محمد غفير المدعو "موح كليشي" أن أحداث 17 أكتوبر 1961 كانت بمثابة "مجزرة ومعركة في قلب أرض العدو الاستعماري"، مشيرا إلى أن جبهة التحرير الوطني كانت تضم "80 ألف مناضل بباريس وضواحيها.. وقد حرص المتظاهرون على سلمية هذه المظاهرات تطبيقا لأوامر قيادة الثورة التي كانت متواجدة بفرنسا وألمانيا". وكشف المجاهد غفير أن الاعتداءات على الجالية الجزائرية بفرنسا "سبقت تاريخ مظاهرات 17 أكتوبر 1961 منها قوانين رادعة ومجحفة لحقوقهم"، مبرزا أن من "ثمار هذه المظاهرات التي تحولت فيما بعد إلى مجزرة، تمثلت في تخفيف الضغط على الثورة التحريرية بالداخل وفتح شارل ديغول لاتصالات جدية مع جبهة التحرير الوطني". ودعا محمد غفير في ختام شهادته الى ضرورة "تثمين العمل الذي قامت به فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، خاصة ما تعلق منها بهيكلة الهجرة الجزائرية بأوروبا وتوضيح حقيقة الثورة التحريرية لدى الرأي العام الدولي" الى جانب "تمويل الثورة".

وأكد الأساتذة و باحثون في تاريخ الثورة الجزائرية، خلال الندوة أن مظاهرات 17 أكتوبر 1961 جزء لا يتجزأ من تاريخ الثورة التحريرية ولا يمكن فصله عن الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين، حيث قال سعيد مقدم، الأمين العام للمجلس الاستشاري للشورى المغاربي، أن هذه الأحداث "تصنف في خانة الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم.. وهي "من أسوأ الأحداث في تاريخ حرب التحرير، موضحا أن ما قام به الجزائريون آنذاك كان "تعبيرا عن رفضهم لقرار الحظر ومن أجل صون كرامتهم كأشخاص في بلد عرف صدور الإعلان الدولي لحقوق الإنسان القائم على المساواة والأخوة والعدالة". من جهته، اعتبر الاستاذ محمد خوجة، من جامعة الجزائر 3، في مداخلة بعنوان "أبعاد التوظيف السياسي لملف الذاكرة في فرنسا"، أن هذا الملف "معقد ويثير جدلا بشكل مستمر كونه لا يتعلق فقط بالسردية الرسمية للسلطات الفرنسية وإنما بوجود عدة أطراف أخرى".

وأكد خوجة أن تعامل فرنسا مع ملف الذاكرة مر بمراحل بارزة بدءا بمرحلة ما بعد الاستقلال ( 1962 - 1982) وهي مرحلة "التأسيس لعملية الكبت و النسيان" وصولا إلى مرحلة ( 1982-  1999) لعب فيها المؤرخون "دورا مؤثرا" حين طرحوا قضايا التعذيب مقابل تراجع تأثير العناصر التي شاركت في الحرب. واعتبر المتحدث أنه "لا يوجد إجماع في السلطة الفرنسية لفتح ملف الذاكرة لوجود تناقضات لأنه سيؤدي إلى إدانة الدولة وتحطيم شعارات حقوق الإنسان واكتشاف فرنسا لماضيها المؤلم وهو ما يفسر لجوء الرئيس الفرنسي إلى طرح لجنة حول الذاكرة المشتركة بالنظر إلى أهمية الجالية الجزائرية بفرنسا". وخلص الأستاذ إلى القول بأن ملف الذاكرة هو "ملف مفجر للسلطة الفرنسية وقد يؤدي إلى حرب أهلية وهي لا تستطيع فتحه بالشكل الذي يطالب به بعض الأطراف...".

أما المحامية والباحثة في تاريخ الجزائر، بن براهم فاطمة الزهراء، فتحدثت عن انتهاء مدة حجز الأرشيف الخاص بأحداث 17 أكتوبر 1961 وقالت بأن رفع الحظر على هذا الأرشيف سيكون ابتداء من 18 أكتوبر الجاري وهي، كما قالت، "فرصة تاريخية" للجزائريين للحصول على الوثائق والدلائل لإثبات الجرائم المقترفة في حق المهاجرين الجزائريين. كما عرجت المحامية على تفاصيل تخص الجريمة المزدوجة التي اقترفها المستعمر الفرنسي في حق المهاجرين الجزائريين والمتعلقة بالقتل العمدي والاختطاف، مؤكدة بأن الجزائر "قادرة على إثبات الكثير من الحقائق وخوض معركة جديدة بمجرد رفع الحظر على أرشيف". بدوره، أكد إبراهيم تازغارت، أستاذ باحث في تاريخ الجزائر، بأنه بعد مرور 60 سنة عن هذه الأحداث الدامية "لا يزال السكوت يخيم على البيت الفرنسي الذي يحاول تجاهلها والغلق عليها في أدراج النسيان والنكران". وقال إن "الروح الاستعمارية" التي تسكن أغلبية الطبقة السياسية الحاكمة وغير الحاكمة في فرنسا والتي "تتغذى من رفض مرضي دفين بالاعتراف الصادق باستقلال الجزائر وطي هذه الصفحة النهائية تجعلها تتفادى الاعتراف بهذه المجازر والتكفير العلني على همجيتها"، معتبرا هذه المجازر "جريمة ضد الإنسانية لا تريد فرنسا الإقرار بها".

وعرج تازغارت، بالمناسبة، على "إيماءات" الرئيس ماكرون الأخيرة التي تدل، حسبه "على خلل في التركيبة الفكرية للنخبة الفرنسية التي لا تريد القطيعة مع الإرث الكولونيالي المشوه للقيم الإنسانية النبيلة"، وشدد بالقول بأن مجازر أكتوبر 1961 "لم تكن انزلاقا اقترفته الشرطة الفرنسية ولا عملا فرديا قرره عميد شرطة باريس موريس بابون لوحده" وإنما هي "مجزرة دولة" تم التخطيط لها بإمعان  ودقة بتكسير روح المقاومة لدى الجزائريين.  للإشارة، تم في ختام هذا اللقاء، تكريم عدد من المجاهدين منهم من شاركوا في هذه المظاهرات، وذلك عرفانا لهم بدورهم في استقلال البلاد واسترجاع السيادة الوطنية.