بعد زيارة استكشافية إلى الأسواق الروسية:
مستثمرون يطالبون بتغيير جذري "للإدارة الاقتصادية"
- 923
سمحت الزيارة التي قام بها وفد اقتصادي جزائري إلى العاصمة الروسية، في الفترة الممتدة بين 8 و12 فيفري الجاري، باستكشاف فرص شراكة وآفاق للتصدير، كانت تبدو غير واضحة المعالم في البداية. لكن سرعان ما تغير قلق الكثير من المتعاملين الجزائريين إلى استبشار، بعد أن شاهدوا بأم أعينهم ماتوفره السوق الروسية من إمكانيات، أمام سلع "من إنتاج بلادي" يمكنها أن تجد مكانا لها بالنظر إلى أسعارها التنافسية. لكن يبقى القلق "داخليا" بالنسبة لهؤلاء بسبب الممارسات البيروقراطية والتسيير "المكتبي" للأعمال الذي يعيق كل محاولات النهوض بالاقتصاد الوطني. تواجدنا الإعلامي في موسكو لتغطية هذا الحدث الهام من حيث أنه عرف مشاركة كبيرة للمتعاملين الجزائريين والروس كان فرصة للاحتكاك عن قرب بهؤلاء وهم في رحلتهم الاستكشافية الميدانية، بعيدا عن النوايا والتسويفات.
اليوم الأول الذي عرف تنظيم منتدى رجال الأعمال، فضل الطرف الروسي "الطريقة الهجومية" من خلال عرض مشاريع شراكة أو استثمار محددة لأحد أكبر المجمعات الاقتصادية في هذا البلد. والهدف كان عرض التكنولوجيا الروسية على المتعاملين الجزائريين، في مجالات صناعية هامة كمعالجة النفايات والتبريد والأنابيب... الخ. ويجب القول أن هذه التكنولوجيات لقيت اهتماما كبيرا لدى الطرف الجزائري، حتى وإن لوحظ بأن بعضها مستخدم حاليا بالجزائر. وهنا يمكن الحديث عن جانبين، جانب وجد في بعض التقنيات المعروضة فرصة هامة، مثلا بالنسبة لبعض الآلات الصناعية أو مشروع تركيب الحافلات، وبالخصوص تقنيات حرق النفايات التي طورها الروس لاسيما في المجال الطبي، حيث أسر لنا أحد المتعاملين أنه طلب آلات لحرق النفايات الطبية بتقنية روسية تسمح حتى بحرق الحقن، وهو غير متوفر حاليا ببلدنا. فضلا عن الاهتمام بتقنية التبريد الروسية التي تسمح بالحفاظ على رطوبة المكان خاصة في المناطق الجافة.
أما في الجانب الثاني، فإن متعاملين اعتبروا أن بعض التقنيات التي عرضها الروس لاتستجيب للمعايير التي تستخدمها الجزائر- وهي غالبا معايير أوروبية- لاسيما في مجال صناعة الكهرباء أو حتى الأنابيب، لذا تحفظوا على الذهاب نحو شراكات في هذا المجال. قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية شكل الطاقم الأكبر ضمن الوفد الجزائري، بالنظر إلى اطلاع مسبق بحاجيات السوق الروسية في هذا المجال. رغم ذلك فإن مشاركة الجزائر في معرض الصناعات الغذائية الدولي لموسكو المنظم من 08 إلى 12 فيفري- أي في نفس فترة تنقل الوفد- اقتصرت في شركة واحدة فقط هي "بن عمر" للصناعات الغذائية. خلال زيارتنا للطبعة 23 من هذا المعرض الكبير رفقة الوفد الجزائري، تأسفنا لغياب مشاركة قوية للجزائر، في وقت لم تضيع بلدان عربية أخرى لاسيما تونس هذه الفرصة للمشاركة رسميا عبر شركاتها وهيئاتها التصديرية في التظاهرة العالمية، التي ضمت كبرى الشركات في هذا المجال من كل بقاع العالم.
اهتمام روسي بمعلبات الطماطم والمربى والهريسة
ما شاهدناه من سلع معروضة، لم يكن شيئا خارجا عن المألوف أو بعيدا عن الإمكانيات الجزائرية، ولهذا فإن الغياب لم يكن مبررا وهو مادفع بعض المتعاملين للتفكير الجدي في المشاركة بالمعرض القادم الذي ينتظر تنظيمه 12 و15 سبتمبر القادم بالعاصمة الروسية.في انتظار ذلك، فإن التهافت الذي عرفه جناح "بن عمر" الذي أبدع عندما قدم طبق الكسكسي للزوار بأنواعه المختلفة يدعو إلى التفاؤل... حيث عرف توافدا كبيرا للروس ولجنسيات مختلفة زارت المعرض لتذوق طبقنا الشعبي الشهير، الذي –وبدون مفاجأة- نال الإعجاب. لكن الإقبال لم يكن فقط على الكسكسي وإنما كذلك على منتجات الشركة الجزائرية، وهو ما أكدته لنا مصادر من المؤسسة التي تلقت طلبات هامة من طرف شركات روسية وأخرى غير روسية من أجل تصدير منتجاتها ولاسيما معلبات الطماطم والمربى والهريسة للسوق الروسية.في السياق، أكد الصناعي محمد نباش الذي يعمل في هذا المجال في تصريح لـ«المساء" أن الزيارة الاستكشافية للسوق الروسية كان لديها "مفعول ونتائج"، وأضاف قائلا "التقينا بتجار من جنسيات مختلفة يعملون في السوق الروسية وأعجتبهم أسعار سلعنا لأنها تنافسية جدا... وأقول لكل الصناعيين الجزائريين أخرجوا إلى الأسواق ولا تخافوا لأن السعر في الجزائر جد تنافسي وهناك فرص مهمة. بقي فقط أن نحصل على تدعيم في تنقلاتنا الاستكشافية".
تخوف من ثقل الإجراءات والبيروقراطية
أغلب المتعاملين الذين تحدثنا معهم خلال مدة البعثة الاقتصادية بموسكو، عبروا لنا عن تخوفاتهم من عدم التمكن من استغلال الفرص الهامة المتاحة بسبب ثقل الاجراءات في الجزائر، والبيروقراطية والممارسات "البائدة" التي مازالت تميز الادارة، خاصة على المستوى المحلي، فضلا عن مشاكل العقار وثقل التحويلات البنكية والنظام المصرفي البعيد عن المعايير المعمول بها دوليا. إضافة إلى كل هذه العوامل "السلبية" و«المحبطة" لعزيمة متعاملينا الاقتصاديين والكابحة لارادة حكومية في إعطاء دفع للصادرات خارج المحروقات، فإن المطلوب كذلك هو مساعدة الباحثين الفعليين عن أسواق خارجية من طرف الدولة – كما هو معمول به في عدة بلدان متقدمة- في مرحلة الاستكشاف. وهو مايطالب به السيد نباش الذي اعتبر أنه من الضروري إعانة المتعاملين الذين يملكون قدرات حقيقية في التصدير من خلال تخفيضات في تذاكر الطائرات وحجز الفنادق بنسب معينة، مشيرا إلى أن مثل هذه الإعانة لايجب النظر إليها من منظور مادي وإنما من زاوية "معنوية" تجنبا لأي إحساس بالفشل، وحتى يكون استكشاف الأسواق ليس مجرد عمل مناسباتي، وإنما عمل دائم متكرر.
صندوق دعم الصادرات يعود للتسعينات
كما طالب محدثنا بفتح خط أخضر للمصدرين على مستوى الجمارك وعدم "جعل وقت المصدر في خدمة الادارة"، بل العكس تسخير الادارة لخدمة المصدر وتشجيعه على كافة المستويات في تعاملاته سواء مع الجمارك أو الضرائب أو الخطوط الجوية أو شحن البضائع. تحدث أيضا عن ضرورة إعادة النظر في بعض الإجراءات الميدانية وكذا دور صندوق دعم الصادرات "فهو حاليا يسير بمرسوم يعود لسنوات التسعينات ويدعم فقط المشاركة في كراء أجنحة معارض في الخارج... وهذا غير كاف". ومايحدث حاليا هو أن "المصدر يمكنه أن يجلب عقد بيع وييبع سلعته في الخارج ويجلب العملة الصعبة، وفي الأخير يأخذها المستورد ليجلب بها سلعا غير ضرورية". بمناسبة الحديث عن المستوردين، فان ماجلب انتباهنا في هذه الرحلة الاستكشافية لموسكو، هو حديث بعض المستوردين لاسيما العاملين في مجال الصناعات الغذائية، عن إمكانية جمع العمليتين من خلال توجيه بعض المواد الغذائية المستوردة من أسواق أخرى لتصديرها إلى السوق الروسية، نظرا لفرق الأسعار الذي بامكانه جلب قيمة مضافة للمتعامل وللبلد. وبين الارادة الحكومية وعزم المتعاملين الاقتصاديين الذي بدا جد واضح لاقتحام أسواق خارجية، فإن تغييرات جذرية يجب أن تحدث ولم لا ثورة في الإدارات الاقتصادية لمرافقة كل الجهود التي تبذلها الدولة، لاسيما في الوضع الراهن من أجل تحقيق كل النوايا وتحويلها إلى حقيقة ميدانية تساهم في نهضة اقتصادية فعلية.