نسب الفوائد المغرية أوقعت بعض مسؤوليها في المحظور

ملايير دواوين الترقية والمؤسسات العمومية التهمها بنك الخليفة

ملايير دواوين الترقية والمؤسسات العمومية التهمها بنك الخليفة
  • القراءات: 541 مرات
البليدة: محمد / ب البليدة: محمد / ب

أبانت جلسة الاستماع لعدد من الضحايا في قضية بنك الخليفة بعد النقض، أمس بمحكمة الجنايات بالبليدة، عن مدى ضخامة الفضيحة وحدّة الصدمة التي أحدثتها هذه القضية في البلاد. كما أبانت في الوقت نفسه عن تساهل بعض الضحايا في التعامل مع مسألة إيداع أموال ضخمة تراوحت بين 10 و75 مليار سنتيم في بنك خاص، إلى درجة الوقوع في مخالفات للتشريع المعمول به، واتخاذ قرارات تنظيمية بطريقة ارتجالية، فيها خرق للتنظيم وللآليات القانونية المتعارف عليها.
وبدأ رئيس هيئة المحمكة القاضي منور عنتر جلسة الاستماع للأطراف المدنية التي تعتبر الجلسة الـ26 من عمر المحاكمة، بالسماع للضحية "ب. عبد القادر"، الذي فقد مبلغ 162 مليون سنيتم كان قد استفاد منه في إطار قرض صبته له مؤسسته في حساب بنكي بوكالة "فندق الجزائر" لبنك الخليفة، حيث أوضح أمام هيئة المحكمة بأنه كان يعتزم بناء مسكن بالعاصمة بالاستعانة بذلك القرض، غير أنه لم يتمكن من تسديد تكاليف البناء، "حيث اتضح أن الصكوك التي كنت أدفع بها للعمال كانت بدون رصيد.."، مضيفا أنه حاول في أفريل 2003 سحب أمواله، ولكنه لم يتمكن، حيث تم إبلاغه بأن البنك لا يتوفر على السيولة، فيما استفاد من التعويض القانوني عن طريق المصفي، والذي بلغ حسبه 70 مليون سنتيم.

أموال بالملايير ضاعت من هيئات عمومية


وإذا كانت الوقائع التي سردها الضحية الأول في جلسة أمس تخص حالة شخصية التهم منها بنك الخليفة 1,6 مليون دينار، فإن التصريحات التي أدلى بها الممثلون القانونيون للأطراف المدنية، كشفت عن صورة أخطر عن هذه القضية المرتبطة بجرائم التزوير والاحتيال والسرقة وخيانة الثقة، حيث ارتبطت هذه التصريحات بحالات الهيئات والمؤسسات العمومية التي أودعت لدى بنك الخليفة مبالغ مالية معتبرة تُعد بالملايير ولم تتمكن في الأخير من استرجاعها..
ففي هذا الإطار، أشار الممثل القانوني لديوان الترقية والتسيير العقاري لأم البواقي، إلى أن مسؤولي هذا الأخير قاموا خلال سنتي 2001 و2002 بإيداع ما قيمته 26 مليار سنتيم بوكالتي بنك الخليفة بأم البواقي والبليدة، ولم يتمكنوا في آخر المطاف من استرجاع أي سنتيم، حيث ضاعت تلك الأموال التي تم وضعها لدى البنك الخاص بدافع الرغبة في تحصيل أرباح سريعة وعالية النسبة، تراوحت بين 9 و12 بالمائة. أما ديوان الترقية والتسيير العقاري لسطيف، فقد كان أكبر الدواوين خسارة، حيث فقد حسب ممثله القانوني 74,2 مليار سنتيم تم إيداعها بين سنتي 2000 و2002 بوكالة سطيف، بنسبة فائدة بلغت 12 بالمائة، ولم يتمكن الديوان من استعادتها.
وكذلك كانت حال مؤسسة "مطاحن البيبان" التابعة  لمجمع الرياض سطيف، والتي قامت، حسب ممثلها القانوني، بإيداع 10 ملايير سنتيم في ديسمبر 2002 على مستوى وكالة بنك الخليفة لتاجنانت، لترى هذه المؤسسة في آخر المطاف، أموالها تضيع مع ضياع مصداقية البنك وانهياره السريع. أما الممثل القانوني لديوان الترقية والتسيير العقاري للجلفة، فأشار إلى أن هذه الهيئة العمومية التي كانت قد أودعت ما مجموعه 23 مليار سنتيم على مستوى وكالتي البليدة والأغواط لبنك الخليفة، قامت بسحب 10 ملايير سنتيم من وكالة البليدة، لكنها لم تتمكن من استرجاع الـ13 مليار سنتيم التي تم إيداعها بوكالة الأغواط.
ونفس المصير عرفته أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري لكل من عين تموشنت، ورقلة، البويرة ومستغانم، حيث التهم بنك الخليفة 15 مليار سنتيم من المؤسسة الأولى، التي كانت قد أودعت أموالها بوكالة وهران لبنك الخليفة، بينما لم يتمكن ديوان الترقية والتسيير العقاري لورقلة من استعادة أمواله التي أودعها ببنك الخليفة في سنة 2002، والتي بلغت في مجملها 4,5 ملايير سنتيم رغم المراسلات المتعددة التي كان وجّهها لمسؤولي البنك من أجل استرجاعها، في حين انتهت مغامرة ديوان الترقية والتسيير العقاري للبويرة مع بنك الخليفة، بخسارة كبيرة قُدرت بـ15 مليار سنتيم، كان مسؤولو الهيئة قد أودعوها على مستوى وكالة البويرة لبنك الخليفة في 2002، مقابل نسبة فوائد مغرية بلغت 11 بالمائة. وخسر ديوان الترقية والتسيير العقاري لولاية مستغانم أيضا، كل الأموال التي أودعها بوكالة مستغانم لبنك الخليفة، والتي بلغت 20 مليار سنتيم.
من جهته، خسر مجمع المشروبات الغازية والكحولية الموجود حاليا قيد التصفية، قرابة 17 مليار سنتيم، بعد أن كانت فروعه قد أودعت ما مقداره 62 مليار سنتيم، فيما بلغت خسائر المؤسسة الوطنية للحفر والآبار، وهي فرع لسوناطراك متواجد بمنطقة حاسي مسعود، 50 مليار سنتيم تم إيداعها في 2002 مقابل نسبة فائدة مقدَّرة بـ10 بالمائة، وكانت قد مكنت المؤسسة، حسبها، ممثلها القانوني من سحب 2 مليار سنتيم من الفوائد..

بنك الخليفة أغرى بالفوائد وامتنع عن رد الودائع لأصحابها

من جانب آخر، كشفت تصريحات الأطراف المدنية بأنه فضلا عن اعتمادها لنسب فوائد عالية تراوحت بين 9 و12 بالمائة لإغراء الزبائن واستدراجهم لفتح حسابات بنكية لديها، فإن وكالات بنك الخليفة لم تمتنع عن دفع حصائل الفائدة المترتبة عن الودائع، في حين لم يتمكن أغلب المودعين الذين أرادوا سحب أموالهم وخاصة في نهاية سنة 2002 وبداية 2003، من استرجاعها، حيث لم تلق مراسلات العديد منهم الموجهة إلى البنك، أي صدى، فيما أشار بعضهم إلى أن البنك كان في كل مرة يرد عليهم بعبارة بـ "لا نتوفر حاليا على السيولة".
وأثار ممثل الحق العام محمد لزرق الرأس في أسئلته التي طرحها على الأطراف المدنية، قضية استمرار إيداعات الهيئات والمؤسسات العمومية لدى بنك الخليفة بالرغم من بداية الحديث عن مشاكل بنك الخليفة في الجرائد، حيث قال في هذا الصدد مخاطبا ممثلي الأطراف المدنية: "لا نفهم لماذا تأخرت هذه الهيئات العمومية في سحب أموالها رغم ما أثير في الجرائد حول المخالفات التي سُجلت بالبنك!"، مضيفا: "أكثر من ذلك، فإن بعض هذه الهيئات العمومية قامت بإيداع أموالها في 2003 رغم كل ما قيل حينها حول مشاكل بنك الخليفة".
كما أبرزت مداخلات النائب العام أخطاء فظيعة وقع فيها بعض مسؤولي المؤسسات العمومية، ومنها دواوين الترقية والتسيير العقاري، الذين لم يحترموا القانون في اتخاذ قرار إيداع أموال عمومية ضخمة لدى بنك خاص، وذلك بطريقة ارتجالية، تم فيها خرق القانون الذي يفرض عقد اجتماع لمجلس الإدارة لاتخاذ مثل هذه القرارات. كما أشار لزرق الرأس في نفس السياق، إلى إهمال مسؤولي المؤسسات التابعة لمجمع الرياض سطيف، للتعليمة التي وجّهها لهم، ليدعوهم فيها إلى ضرورة إيداع أموال المؤسسات استثناء في بنك الفلاحة والتنمية الريفية، "لكن يبدو أن 12 بالمائة من نسبة الفائدة التي كان يقترحها بنك الخليفة، دفعتهم إلى تجاهل تلك التعليمات.."، على حد تعبيره.

ضحايا يحمّلون "بنك الجزائر" المسؤولية

ومن ضمن الضحايا الذين تم الاستماع إليهم في جلسة أمس، أصحاب الودائع الشخصية، الذين حمّلوا بنك الجزائر مسؤولية ضياع ودائعهم التي وُضعت ببنك الخليفة، مبررين طرحهم بكون البنك المفلس كان قد تحصّل على اعتماد رسمي من بنك الجزائر، كان عليه، حسب بعضهم، التدخل في الوقت المناسب لوقف الممارسات غير القانونية لبنك الخليفة.
ومن ضمن المتدخلين في هذا الإطار التاجر عابد اعمر، الذي تَقدم أمام هيئة المحكمة مرفقا بوكالات لمجموعة من الضحايا، الذين كلّفوه بالتأسس في حقهم. فأمام أنظار عبد المومن خليفة وباقي المسؤولين عن البنك المفلس المتواجدين في منصة المتهمين، لم يتوان هذا الضحية في "الإشادة" بنوعية الخدمات التي كان يقدمها بنك الخليفة للزبائن، مشيرا إلى أن تلك الخدمات "التي قابلها الاستقبال السيئ من قبل المؤسسات المصرفية العمومية"، دفعته إلى فتح حساب شخصي وحسابين لكل من زوجته ووالدته.
وقال المتحدث الذي طلب منه القاضي منور عنتر سرد الوقائع المرتبطة بفتحه حسابا بنكيا ببنك الخليفة: "ذهبت إلى بنك الخليفة لأنه زيادة على كونه كان بنكا معتمدا من قبل الدولة، كان يوفر خدمات نوعية في مجال استقبال الزبائن وخدمتهم"، مضيفا أنه لا يحمّل مسؤولية ضياع أمواله بنك الخليفة بقدر ما يحمّلها بنك الجزائر، الذي كان عليه، حسبه، أن "يتدخل في وقت مناسب لتوقيف البنك وإنقاذ أموال المودعين".

القاضي منور يؤكد أن الدولة لن تفرّط في حقوق مواطنيها

وأمام تحامل الضحية على مؤسسات الدولة وانفعاله أمام هيئة المحكمة، اضطر القاضي منور للتدخل لتهدئته وتذكيره بأنه ليس في منبر سياسي "وإنما داخل هيئة قضائية لا تجيد غير الكلام بالقانون"، ودعا الضحية إلى اتباع سلوك حضاري في الدفاع عن حقه وحق الضحايا الذين يمثلهم، مؤكدا أن الدولة لن تفرّط في حقوق مواطنيها، وأنها تستعمل كل الأطر والآليات القانونية لاسترجاع هذه الحقوق. وجاء رد الضحية بأن انفعاله ناتج عن فشل المعركة التي خاضها الضحايا منذ سنة 2003، قائلا: "لقد استعملنا كل الوسائل بما فيها الإضراب عن الطعام لمدة 15 يوما، ولم نجن سوى الوعود التي لم تنفَّذ". وأشار إلى أنه والضحايا الذين يمثلهم، حاولوا تأسيس جمعية، "لكننا لم نحصل على الاعتماد في الجزائر، وحصلنا عليه، في وقت قياسي، في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا".
واتضح من خلال استجواب الضحية، أنه استعاد أمواله الشخصية من المصفي، غير أنه لازال يطالب بأموال زوجته وأموال باقي الضحايا الذين وكّلوه للدفاع عنهم. ونفس الموقف عبّر عنه الضحية معوش جمال، الذي فقد أمواله التي أودعها ببنك الخليفة، والتي قدّرها بـ5 ملايين دينار. وتجدر الإشارة إلى أن ضحايا بنك الخليفة المقدر عددهم بأزيد من 11 ألف ضحية، منهم 132 تأسسوا كأطراف مدنية في المحاكمة، حسب القاضي منور عنتر، استفادوا في إطار عملية التصفية التي يشرف عليها المصفي منصف باتسي، من تعويض قانوني مقدَّر بـ5 بالمائة من قيمة الودائع بالنسبة للمودعين الكبار، و60 مليون سنتيم للمودعين الصغار، ويُنتظر أن يسرد اليوم المصفي الذي ستستمع هيئة المحكمة لأقواله، مختلف أطوار عملية تصفية بنك الخليفة، والتي لم تنته إلى يومنا هذا.