المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة..

نواة الثورة وقلبها النابض في الخارج

نواة الثورة وقلبها النابض في الخارج
  • 641
ت. ت ت. ت

برزت المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة، بمثابة نواة لثورة التحرير الوطني وواجهة لها في الخارج، بعدما نجحت في إسماع صدى الثورة وصوت الشعب الجزائري المضطهد، بشتى أساليب القمع والتعذيب المسلط عليه من إدارة استعمارية حاقدة. وكان قرار إنشاء منطقة مستقلة بالجزائر العاصمة نهاية سبتمبر 1956، تنفيذا لتوصيات مؤتمر الصومام، نابعا من خصوصية العاصمة التي كانت تضم أهم الهيئات الرسمية الفرنسية إلى جانب قنصليات مختلف دول العالم ومكاتب وسائل إعلام دولية مؤثرة.

كما أن تركيبة سكان أحيائها الراقية من كبار المعمرين ومسؤولي الإدارة الاستعمارية، فرض على قادة الثورة آنذاك التفكير في وضع تصور لكفاح مختلف عن حرب العصابات في الجبال والقرى النائية، بالاعتماد على العمليات الفدائية من طرف عناصر خلايا سرية لا يفوق عدد عناصرها أصابع اليد الواحدة. وقال المجاهد الطاهر حسين، إن فكرة المنطقة المستقلة كانت نتاج تفكير بين الشهيدين العربي بن مهيدي وعبان رمضان والمجاهد الراحل بن يوسف بن خدة، الذين قسموا أحياء العاصمة ضمن نواح، وكان حي القصبة العتيق  مركز قيادتها الرئيسي والذي كانت تعقد فيه الاجتماعات السرية لاتخاذ القرارات والتخطيط للعمليات الفدائية لضرب الأهداف الاستعمارية وجعلها ايضا ملاذا للفدائيين بعد كل عملية. وأضاف الطاهر حسين، الذي شارك في تلك العمليات بقيادة المجاهد الراحل ياسف سعدي، أن أول خطوة قام بها المجاهدون آنذاك كانت ما يسمى بـ التطهير أي إعادة الجزائريين إلى النظام والامتثال لأوامر جبهة التحرير الوطني، خصوصا أصحاب المقاهي والنوادي من الجزائريين الذي تعمدت فرنسا الاستعمارية إلهاءهم عن قضيتهم الأساسية لتحرير بلدهم وطرد المستعر منها.

وبالفعل فقد نجحت الجبهة في إقناعهم بمبادئ الثورة وأهدافها، حيث تحول الكثير منهم إلى فدائيين وتحولت محلاتهم التجارية إلى مخابئ للمجاهدين والأسلحة، في نفس الوقت الذي تحولت فيه المساجد إلى مراكز لنشر الوعي الثوري وتداول رسائل الفدائيين وتوزيع مناشير الثورة في صناديق البريد الخاصة بالقنصليات لإعلام الرأي العام الدولي بوجود ثورة في الجزائر وأن شعبها تواق للحرية والاستقلال. ولم تلبث العاصمة بعد تنظيم الكفاح في المدينة أن تحولت إلى جحيم بالنسبة لعتاة المعمرين بتنفيذ أولى العمليات الفدائية بوضع قنابل ناسفة في أهداف محددة وذات وقع نفسي كبير على المعمرين وعلى الرأي العام الدولي. ونجحت أغلب تلك العمليات في زرع الرعب في صفوف المستعمر الذي رد عليها بعمليات مطاردة واسعة لأشباح الفدائيين الذين كانوا يتنقلون بين أحياء المدينة متنكرين مواصلين حربهم ضد القوات الفرنسية وأهدافها لأكثر من سنتين، حيث تمكنت تعزيزات القوات الخاصة الفرنسية من تفكيك بعض الخلايا الفدائية واعتقال عناصرها والزج بهم في سجونها وإعدام آخرين.

وقال المجاهد محمود عرباجي، إن فرنسا اعتقدت مخطئة أن القضاء على الفدائيين بالعاصمة يعني القضاء على الثورة، ما جعل جلاديها يلجؤون إلى أبشع أنواع التعذيب في حق كل من يشتبه فيه من الجزائريين، ضمن ممارسات نقلتها الصحف الأوربية والأمريكية وجعل الجزائر تتصدر عناوين الجرائد الدولية. وعن أهمية المنطقة المستقلة في ثورة التحرير الوطني، أكد الأستاذ عامر رخيلة، أنها كانت محط أنظار العالم من خلال التقارير الدورية التي كانت تعدها وسائل الإعلام الفرنسية الثقيلة التي كانت موجودة في الجزائر وكذا الصحفيين الأوروبيين والأمريكيين المعتمدين، حيث أن أحداث العاصمة لم تغب يوما عن أخبار الجرائد. وهو ما كان له انعكاس على الرأي العام الأوروبي والأمريكي وحتى على الموقف الرسمي لتلك الدول، حيث توقفت الولايات المتحدة عن التصويت لصالح فرنسا في الجمعية العامة للأمم المتحدة مثلما كانت تفعل من قبل واكتفت بالامتناع عن التصويت. وحذت حذوها دول أوروبية قامت بعضها لاحقا بفتح ممثليات لها في الجزائر بعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.