رئيس الجمهورية في رسالة بمناسبة إحياء ستينية الثورة التحريرية:

نوفمبر.. تقاطع الممكن والمستحيل

نوفمبر.. تقاطع الممكن والمستحيل
  • القراءات: 586 مرات
حنان/ح حنان/ح
اعتبر رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أن اندلاع الثورة التحريرية يعد حدثا تقاطع فيه "الممكن والمستحيل"، وأنه فتح عهدا جديدا نحو التحرير. كما شدد في رسالة وجهها إلى الشعب الجزائري بمناسبة إحياء الذكرى الستين لثورة نوفمبر، على ضرورة أن تكون هذه المناسبة فرصة لوعي أكبر بالمخاطر التي تحدق اليوم بالجزائر، والتأكيد على مجابهة كل محاولات زعزعة استقرار ووحدة الجزائر.
قال رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إن اندلاع ثورة نوفمبر 1954، كان بمثابة "الحدث الذي تقاطع على طرفيه الممكن بالمستحيل، والذي فصل بين عهدين لا يجمع بينهما جامع إلا تلك الإرادة وذلك التصميم، من قبل فئة تولدت من رحم شعب آمن بالله معينا، والتحرير نهجا، وبالتضحية سبيلا إلى انتزاع حريته واستعادة سيادته".
وذكر الرئيس في رسالته بمعاناة الشعب الجزائري خلال الاحتلال الفرنسي، واصفا السنوات التي عاشها تحت هذا الاحتلال بـ"عقود من ظلام دامس خيّم على سماء الوطن"، سببها "احتلال مقيت استأثر بكل أسباب الحياة الكريمة لهذا الشعب، حتى أنه لم يبق شبر من أرضه إلا احتلّه بالحديد والنار، ولم يدع علامة أو مظهرا من مظاهر المقومات الوطنية الروحية والمادية، إلا أعمل فيها سيف الطمس والإبادة".
بل ذهب بعيدا حين اعتبر أن هذا الاحتلال لم يكن مجرد عملية غزو، وإنما "منظومة كاملة من الاستيطان والاستعباد قلّ مثيلها في التاريخ"، جعلت الفرنسيين يظنون أنهم استخلصوا الجزائر لنفسهم واستأثروا بخيراتها إلى "أبد الآبدين".
لكن الذي خفي عن قادة هذا الاحتلال من العسكريين والسياسيين وبعض رجال الدين -يضيف رئيس الجمهورية- أن "ثمة جذورا لحضارة هذا الشعب ضاربة في الأرض وفي النفوس لم يدركها الفناء، وإن جفّت بعض أغصانها وتساقطت أوراقها، بقيت تقاوم كل أنواع الوهن والفساد، وتتحين اللحظة الفارقة لتنشئ من أسباب الضعف قوة، وتولد من رحم العبودية تحديا وحرية".
ومن رحم كل ذلك ولد نوفمبر 1954، كما قال الرئيس "حين تخيّر الله من هذه الأمة ثلة من الرجال استعصموا بالحق فجاءهم اليقين بضرورة تغيير التاريخ".
وتم ذلك ـ كما أشار إليه ـ "بعد أن استنفذت الحركات السياسية على اختلاف توجهاتها، كل ما أتيح لها من وسائل النضال في ذلك الوقت".
وأشاد الرئيس بوتفليقة، بخصال رجال نوفمبر حين ذكر قائلا "كانوا على قلّتهم وتواضع مستوياتهم العلمية، وحداثة سنّهم يحملون رؤية واضحة المعالم، وحدسا صحيحا لما كان يختمر في عالم السياسة والتحالفات الاستراتيجية من آراء وأفكار، فتمكنوا بتخطيط محكم في ظروف استثنائية، وفي إطار قيم إنسانية عالية ووعي سياسي متقدم من فرض إرادة شعبهم على مجريات حركة التاريخ، وأدرك العالم أن حدثا جللا انبثق من الجزائر إيذانا بثورة شعبية تطمح إلى إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة لشعب استبد به الظلم والاستعباد عقودا من الزمن".
وتحدث الرئيس، في رسالته عن بشاعة وشراسة رد فعل الفرنسيين تجاه هذه "الإرادة الشعبية والحق المشروع"، حين قال إنه تم "بالنار والحديد"، حيث أطلق العنان لعصابة المستوطنين ومئات الآلاف من الجنود وللآلة الحربية الفتّاكة التي تعمل عملها خارج الأعراف الإنسانية وقوانين الحرب". وأضاف بأن الاحتلال استغل في ذلك "دعما غير مشروط من حلفائه، ليعيث في الأرض فسادا، مقتنعا بأن القوة هي الحل الوحيد لاستئصال ثورة شعب تمسك بحقه وآثر الموت على الحياة، واسترخص نفسه في سبيل عزّته وكرامته".
ومقابل دعم حلفاء فرنسا، فإن دعم الجزائر وثورتها جاء من لدن ملايين الشعوب المستضعفة في القارات الأربع ـ كما قال الرئيس ـ، مشيرا إلى مساندتها من كل أحرار العالم ومن الأشقاء والأصدقاء.
وربط رئيس الجمهورية، بين الماضي والحاضر، حين قال إنه ليس ثمة "درسا أبلغ من هذا ولا عبرة أعمق من هذه نقرأها ليس بعيون الماضي، إنما بروح الأمل والاندفاع نحو مستقبل زاهر، تزدهر فيه التنمية، وتتأصل فيه المآثر والمكاسب، ويقوى الدفاع عنها بالاستزادة في رص الصفوف وتأصيل مفهوم التضحية من أجل جزائر آمنة موحدة، مهيبة الجانب سيدة القرار قوية الإرادة، لاسيما في هذه الظروف التي طغت فيها القلاقل واهتزت القيم، وضربت فيها الفتنة أقطارا وشعوبا هي اليوم تواجه مصير التشتت والتمزّق".
وأكد الرئيس على وعي الشعب الجزائري بالمخاطر المحدقة به وبالمنطقة، وأشار إلى أنه "لن يتهاون في مجابهة من يروم المساس بوحدته وثوابته، أو تهديد أمنه واستقراره، وسيظل ماضيا بقوة وثبات على درب التطور والتقدم، عاملا على إرساء قواعد ديمقراطية حقّة، وحرية مسؤولة، وعدالة شاملة، وتنمية دائمة تمكّنه من أسباب المناعة والقوة".