نص رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة يوم الطالب
يحق للجزائر المستقلة أن تعتز بالنقلة التي شهدها تعليمها العالي
- 992
بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أمس الثلاثاء، برسالة بمناسبة الذكرى الـ59 ليوم الطالب، قرأها نيابة عنه المستشار لدى رئاسة الجمهورية محمد بن عمر زرهوني. فيما يلي النص الكامل للرسالة:
"بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إننا نحيي في هذا اليوم الأغر ذكرى تلك الحركة العارمة التي قام بها في يوم 19 مايو من عام 1956، طلبة الجامعات والثانويات للالتحاق بصفوف الثورة التحريرية المباركة.
والغاية من احتفالنا بهذا اليوم الخالد هي أن نستحضر بروح الوفاء والعرفان، وفي جو مفعم بالخشوع والاعتبار صفحات سنية مشرقة من تاريخ ثورتنا المظفّرة. وإنها والله لصفحات نعتز بها غاية الاعتزاز لأنها تنطوي على أمجاد وبطولات صنعها شباب ثائر من الطلبة البواسل، ونعني بهم أولئك الذين ناداهم واجب تحرير الوطن فلبّوه دون أدنى تردد وجوانحهم ملآنة بالعزم الذي لا تلين له قناة، وبالإرادة الصلبة التي لا تعرف معنى الاستكانة. وبالفعل فقد كان وراء أولئك الفتيان من أبناء هذه الجزائر الأبيّة إيمان راسخ ووعي عميق بأن الشهادة العلمية لا تعلو على الشهادة في سبيل الله. ولذلك تطلعت هممهم جميعا إلى خوض غمار الحرب التحريرية من أجل انعتاق شعبهم الذي أثقلت كاهله سطوة المحتل الأجنبي البغيض على مدى مائة واثنين وثلاثين عاما.
لقد رأى ذلك الشباب المتوثب الغيور أن لا مندوحة له من مغادرة مقاعد الدراسة والانطلاق صوب معاقل الثورة حيثما كانت في المدن والأرياف والجبال والصحاري، وفي أرض المغترب لتعزيز صفوف إخوانهم وإمداد الثورة بأسباب القوة وطول النفس بفضل ما اكتسبوه بعد جهد جهيد من علم ومعرفة، وبما انطوت عليه نفوسهم الأبيّة الثائرة من نخوة وتوثب إلى منازلة المحتل ومقارعته أنى حل.
وما أسرع ما تحول أولئك الطلبة الأشاوس إلى مجاهدين بين إخوانهم الثوار وكانوا السند والإسناد لقضية التحرر الوطني في سائر أبعادها. أجل لقد تحولوا في ظرف وجيز وفي وقت واحد لا إلى بيارق وأسلحة للذود عن حمى الوطن في الميدان فحسب، بل وإلى مدافعين عنه أيضا في المحافل الدولية عن طريق الدبلوماسية البليغة طرحا وحجّة والسياسة السديدة الأريبة التي قوامها الحكمة والصبر والثبات على الموقف.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
من نافلة القول أن نذكر اليوم بأن المهمة النبيلة الملقاة على عاتق طالباتنا وطلابنا تتمثل في استلام المشعل المقدس الذي أوقد جذوته أولئك الشهداء وذلك بالوفاء الدائم للقيم الوطنية، وبالإيمان بأنه لا ازدهار ولا نجاح إلا بالجد والكد والمثابرة في سائر المجالات التربوية والتحصيل العلمي المستمر، والبحث والاستقصاء في مختلف فروع الثقافة العلمية والمعرفة.
إن استلهام صفحات التاريخ في مثل هذا اليوم لأمر من الأهمية بمكان، ثم إنه لواجب وطني يمليه الوفاء لتضحيات الطلبة الشهداء تخليدا لذكراهم وترحما على أرواحهم الطاهرة. ولعل أنبل الغايات في هذا الشأن أيضا هي تلك التي تتمثل في جعل شباب جامعاتنا يقتدي بأسلافه من الطلبة الشهداء ويجعل منهم نبع إلهام لا ينضب، وعبرة دائمة تحدوه في مضمار التضحية ونكران الذات من أجل مغالبة مختلف التحديات التي تواجهنا جميعا.
ومن الأكيد أن لا شيء من ذلك يمكن أن يتحقق في أرض الواقع إلا بأداء فروض المواطنة الصالحة المستقيمة، والتحلّي بروح الإخلاص في العمل وإتقانه وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية الضيّقة، والانخراط بجدية وفاعلية في مسار التنمية الشاملة تلك الفروض التي ما فتئت الإصلاحات الجارية تقتضيها يوما بعد يوم. ذلك لأن الغاية المنشودة إنما هي الارتقاء ببلادنا إلى أعلى مراتب النماء والتقدم في جميع القطاعات والمجالات.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إننا نحتفل بهذه الصفحة المجيدة من تاريخ وطننا المفدى ونتمعن فيها في كل آن ونقلّب فيها النظر في رحاب جامعاتنا وبين جنبات مدرجاتها ومكتباتها، ونشعر بالزهو والانتشاء حيالها في كل ذكرى ونحن نحيا في كنف العزّة والكرامة. ولا يتأتى لنا ذلك ما لم تكن الجامعة هي المؤتمن الحصين للذاكرة الوطنية ولأمجاد الأمة بأسرها.
إن هذه الذكرى بكل ما تحمله من رموز سامية لهي المناسبة المواتية للتدليل على أن المعرفة أضحت أكثر من أي وقت مضى عاملا أساسيا وجوهريا لا مناص منه للمضي قدما في سبيل إنجاز التقدم والتطور الاقتصادي والنماء المعرفي الدائم الذي يفيض بالخير على الإنسان الجزائري في المقام الأول ثم على أبناء البشرية جمعاء. وعليه يمكن القول إن العهد الذي كنا نربط فيه التنمية بالموارد الطبيعية قد ولى، إذ أن الأمر أصبح يقتضي اليوم أن نتمسك بإيماننا بالإنسان وبما له من قيمة ومقدرة ونعني به الإيمان بأهمية وبدور الموارد البشرية وطاقاتها الإبداعية والإنتاجية التي تعد الوسيلة الحقيقية لكل تقدم أكيد.
ومن الواضح أن تطور الأمم والشعوب بات في الوقت الحالي مرهونا حسا ومعنى بما تنتجه وما تنشره وما تستخدمه من علم ومعرفة قبل كل شيء.
وعليه فإن السبيل إلى وضع قدم راسخة في مجتمعات المعرفة يضع الجامعة تلقائيا في صلب هذا التحول، ويخول لها أن تكون الفضاء الملائم للقيام بالدور الهام المنوط بها في هذا الشأن.
لقد أولت الدولة الجزائرية منذ الاستقلال اهتماما بالغا للتربية والتعليم العالي، وكذلك للاستثمار في مجالات العلوم الدقيقة. وأبرز دليل على ذلك هو تزايد عدد الطلبة وعدد الأساتذة والباحثين وتوسع شبكة المؤسسات التعليمية والبحثية عبر أرجاء الوطن كلّه.
أجل يحق للشعب الجزائري أن يفتخر بكونه يرسل يوميا ربع تعداده لتلقي العلم والمعرفة في المدارس والثانويات والجامعات وكذا مراكز التكوين. ويحق للدولة الجزائرية أن تفتخر بكون حوالي ربع نفقات التسيير السنوية الإجمالية يرصد لتكوين أبنائها وبناتها في جميع الأطوار.
ونحن نخلّد اليوم ذكرى تضحيات الطلبة الجزائريين من أجل إجلاء حنادس الليل الاستعماري يحق للجزائر المستقلّة أن تعتز بالنقلة التي شهدها تعليمها العالي، حيث انتقل من بضع مئات غداة الاستقلال إلى قرابة مليون ونصف مليون طالب وطالبة.
في خضم هذا التطور حققت الفتاة الجزائرية قفزة هائلة ومكاسب نوعية تشكّل مصدر اعتزاز للأمة بأسرها. وما ارتفاع نسبة الطالبات في الجامعات الجزائرية التي فاقت خلال الأعوام الفارطة، 60 % إلا دليل على هذا التطور. ولا شك أن نهضة هذا العنصر الجوهري ورقيه المستمر عن طريق التربية والتعليم والبحث والتأهيل العلمي والمهني سيفسح له المجال أكثر فأكثر للمشاركة الإيجابية الملموسة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية.
ومن الطبيعي أن تزايد عدد الطلاب يؤدي إلى ظهور بعض الصعوبات من حيث الاستقبال والهياكل والتجهيزات والتأطير وتكوين المكونين. وليس حتى لجاحد أن ينكر حجم الاستثمارات الضخمة التي خصصت من أجل احتواء الحشود الحاشدة من الطالبات والطلبة في جميع الجامعات الجزائرية.
ولا بد من التنويه بأن هذا التدفق الطلابي الهائل على الجامعات يمثل عاملا هاما لتوفير الفرص السانحة لبلادنا لكي تقيم اقتصادها على أساس المعرفة الحقّة، وتجد الكفاءات المؤهلة التي تضطلع بمتطلبات التنمية الشاملة، وتحرص على نشر القيم الثقافية السامية المبنية على التسامح واحترام الغير.
لنقلها صراحة وأمام الملأ جميعا: إن الجامعيين الجزائريين لقادرون على نشر ثقافة التسامح والاحترام المتبادل على أرفع المستويات. وفي مستطاعهم أن يترجموا في مضمار الواقع فضائل الحوار والتفاهم ويذيعوها في الوسط الطلابي وفي نطاق المجتمع الجزائري كلّه.
ومن هذا الباب يحق للشعب الجزائري أن يرى أبناءه في الجامعات يساهمون في شرح ما يجري من تطورات في عالم اليوم وما ينجر عنها من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية على بلادنا.
بالفعل لئن شكّل بالأمس شباب الثانويات والجامعات بعلمه وخبراته مددا عتيدا أضاف إضافة هامة إلى فاعلية الكفاح المسلّح من أجل انتزاع الحرية والاستقلال يجب على طلبتنا اليوم أن يكونوا لدى أهاليهم ومع شباب جيلهم في المدن والأرياف طليعة مجتمعنا في مسعى تجنيد طاقاته حفاظا على الوطن وخدمة لبنائه وازدهاره وذلك كله بعيدا عن أي تفرقة إيديولوجية أو حزبية أو من أي نوع آخر كانت.
لقد تم استغراق قدر كبير من الوقت والجهد لإصلاح التعليم العالي وتمثلت الغاية منه في الارتقاء بمستوى نوعية التعليم وضمان جودته وإضفاء قيمة أرفع وأفضل على الشهادات الجامعية الوطنية، وتحسين مستوى حضور الجامعة الجزائرية في مصاف جامعات العالم.
ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن تشغيل الخريجين الجامعيين هو أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية. إن تنوع عروض التكوين ومساقاته وإصلاح محتويات البرامج وإدراج شعب علمية مبتكرة، والشراكة مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ ثقافة المبادرة المقاولاتية لهي من العناصر المحركة لهذا الإصلاح. ينبغي الاعتراف بأن هذا الإصلاح بالذات يحقق رقيا مستمرا من عام إلى آخر رغم ما يعتريه أحيانا من نقائص واختلالات يتعين العمل على تفاديها دون هوادة.
إن الجامعة كيان حي ونشيط ومن ثم يحتاج دوما إلى أن يتأصل ويتكيّف ويتطور حسب الآفاق والطموحات التي يرتضيها لنفسه. وأنتم تدركون إدراكا جيدا أن المجتمع كله يرصد حركة الجامعة وسيرها عن كثب ولذلك بات لزاما على الجامعة الجزائرية أن تعزز حرصها على النوعية والجودة لأنهما الرهان الحقيقي الذي يضمن نجاح مسار الإصلاح.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إن الجزائر بعد أن حققت فضيلتي الاستقرار والأمن تسعى لتحقيق تنمية نموذجية تتوافر فيها الاحتياجات الأساسية للمواطن الجزائري من منصب عمل ومسكن ورعاية صحية وتعليم وعدالة وترقية للحقوق والحريات الفردية والجماعية مع دعم مختلف الجوانب المعنوية التي تتلخص في إبداء الرأي بكل حرية، وفي الشعور بالكرامة والاعتزاز بممارسة المواطنة.
إن رهان اليوم إنما يتمثل في إرساء منظومة اقتصادية وفق أسس معرفية ومنهجية سليمة واضحة المعالم. وهذه المنظومة ينبغي أن تقوم على رؤية استشرافية تضمن لها الاستقرار والاستمرار والتواصل.
ويحق لنا أن نجزم بأن دور الجامعة والجامعيين يندرج في صلب هذا الرهان بفضل ما يمتلكونه من قدرات معرفية ومهارات كفيلة بأن تنتقل بالمجتمع وباقتصاده إلى مرحلة جديدة من التطور والتقدم.
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أحيي أسرة التعليم الجامعي ومؤطري فضاء المعرفة هذا وكذا جميع عماله وعاملاته على ما يبذلونه من سهر وتفان خدمة لمستقبل الجزائر بتكوين أبنائها وبناتها.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إن إحياء هذه المناسبة وخاصة ونحن في المدية، هذه الولاية المجاهدة المشهود لها بجليل ما قدمته من نفس ونفيس، وفي هذه السنة التي كرسناها كلية لتخليد ثورة نوفمبر المظفّرة ينبغي أن يكون بمثابة حافز لكم على الوفاء التلقائي بدين الأمة عليكم. فلتسجلوا جلائل أعمال جيلكم هذا في ثبات أمجاد الأمة على غرار جيل 19 مايو 1956 جيل الخالدين الأبرار".(واج)
"بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إننا نحيي في هذا اليوم الأغر ذكرى تلك الحركة العارمة التي قام بها في يوم 19 مايو من عام 1956، طلبة الجامعات والثانويات للالتحاق بصفوف الثورة التحريرية المباركة.
والغاية من احتفالنا بهذا اليوم الخالد هي أن نستحضر بروح الوفاء والعرفان، وفي جو مفعم بالخشوع والاعتبار صفحات سنية مشرقة من تاريخ ثورتنا المظفّرة. وإنها والله لصفحات نعتز بها غاية الاعتزاز لأنها تنطوي على أمجاد وبطولات صنعها شباب ثائر من الطلبة البواسل، ونعني بهم أولئك الذين ناداهم واجب تحرير الوطن فلبّوه دون أدنى تردد وجوانحهم ملآنة بالعزم الذي لا تلين له قناة، وبالإرادة الصلبة التي لا تعرف معنى الاستكانة. وبالفعل فقد كان وراء أولئك الفتيان من أبناء هذه الجزائر الأبيّة إيمان راسخ ووعي عميق بأن الشهادة العلمية لا تعلو على الشهادة في سبيل الله. ولذلك تطلعت هممهم جميعا إلى خوض غمار الحرب التحريرية من أجل انعتاق شعبهم الذي أثقلت كاهله سطوة المحتل الأجنبي البغيض على مدى مائة واثنين وثلاثين عاما.
لقد رأى ذلك الشباب المتوثب الغيور أن لا مندوحة له من مغادرة مقاعد الدراسة والانطلاق صوب معاقل الثورة حيثما كانت في المدن والأرياف والجبال والصحاري، وفي أرض المغترب لتعزيز صفوف إخوانهم وإمداد الثورة بأسباب القوة وطول النفس بفضل ما اكتسبوه بعد جهد جهيد من علم ومعرفة، وبما انطوت عليه نفوسهم الأبيّة الثائرة من نخوة وتوثب إلى منازلة المحتل ومقارعته أنى حل.
وما أسرع ما تحول أولئك الطلبة الأشاوس إلى مجاهدين بين إخوانهم الثوار وكانوا السند والإسناد لقضية التحرر الوطني في سائر أبعادها. أجل لقد تحولوا في ظرف وجيز وفي وقت واحد لا إلى بيارق وأسلحة للذود عن حمى الوطن في الميدان فحسب، بل وإلى مدافعين عنه أيضا في المحافل الدولية عن طريق الدبلوماسية البليغة طرحا وحجّة والسياسة السديدة الأريبة التي قوامها الحكمة والصبر والثبات على الموقف.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
من نافلة القول أن نذكر اليوم بأن المهمة النبيلة الملقاة على عاتق طالباتنا وطلابنا تتمثل في استلام المشعل المقدس الذي أوقد جذوته أولئك الشهداء وذلك بالوفاء الدائم للقيم الوطنية، وبالإيمان بأنه لا ازدهار ولا نجاح إلا بالجد والكد والمثابرة في سائر المجالات التربوية والتحصيل العلمي المستمر، والبحث والاستقصاء في مختلف فروع الثقافة العلمية والمعرفة.
إن استلهام صفحات التاريخ في مثل هذا اليوم لأمر من الأهمية بمكان، ثم إنه لواجب وطني يمليه الوفاء لتضحيات الطلبة الشهداء تخليدا لذكراهم وترحما على أرواحهم الطاهرة. ولعل أنبل الغايات في هذا الشأن أيضا هي تلك التي تتمثل في جعل شباب جامعاتنا يقتدي بأسلافه من الطلبة الشهداء ويجعل منهم نبع إلهام لا ينضب، وعبرة دائمة تحدوه في مضمار التضحية ونكران الذات من أجل مغالبة مختلف التحديات التي تواجهنا جميعا.
ومن الأكيد أن لا شيء من ذلك يمكن أن يتحقق في أرض الواقع إلا بأداء فروض المواطنة الصالحة المستقيمة، والتحلّي بروح الإخلاص في العمل وإتقانه وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية الضيّقة، والانخراط بجدية وفاعلية في مسار التنمية الشاملة تلك الفروض التي ما فتئت الإصلاحات الجارية تقتضيها يوما بعد يوم. ذلك لأن الغاية المنشودة إنما هي الارتقاء ببلادنا إلى أعلى مراتب النماء والتقدم في جميع القطاعات والمجالات.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إننا نحتفل بهذه الصفحة المجيدة من تاريخ وطننا المفدى ونتمعن فيها في كل آن ونقلّب فيها النظر في رحاب جامعاتنا وبين جنبات مدرجاتها ومكتباتها، ونشعر بالزهو والانتشاء حيالها في كل ذكرى ونحن نحيا في كنف العزّة والكرامة. ولا يتأتى لنا ذلك ما لم تكن الجامعة هي المؤتمن الحصين للذاكرة الوطنية ولأمجاد الأمة بأسرها.
إن هذه الذكرى بكل ما تحمله من رموز سامية لهي المناسبة المواتية للتدليل على أن المعرفة أضحت أكثر من أي وقت مضى عاملا أساسيا وجوهريا لا مناص منه للمضي قدما في سبيل إنجاز التقدم والتطور الاقتصادي والنماء المعرفي الدائم الذي يفيض بالخير على الإنسان الجزائري في المقام الأول ثم على أبناء البشرية جمعاء. وعليه يمكن القول إن العهد الذي كنا نربط فيه التنمية بالموارد الطبيعية قد ولى، إذ أن الأمر أصبح يقتضي اليوم أن نتمسك بإيماننا بالإنسان وبما له من قيمة ومقدرة ونعني به الإيمان بأهمية وبدور الموارد البشرية وطاقاتها الإبداعية والإنتاجية التي تعد الوسيلة الحقيقية لكل تقدم أكيد.
ومن الواضح أن تطور الأمم والشعوب بات في الوقت الحالي مرهونا حسا ومعنى بما تنتجه وما تنشره وما تستخدمه من علم ومعرفة قبل كل شيء.
وعليه فإن السبيل إلى وضع قدم راسخة في مجتمعات المعرفة يضع الجامعة تلقائيا في صلب هذا التحول، ويخول لها أن تكون الفضاء الملائم للقيام بالدور الهام المنوط بها في هذا الشأن.
لقد أولت الدولة الجزائرية منذ الاستقلال اهتماما بالغا للتربية والتعليم العالي، وكذلك للاستثمار في مجالات العلوم الدقيقة. وأبرز دليل على ذلك هو تزايد عدد الطلبة وعدد الأساتذة والباحثين وتوسع شبكة المؤسسات التعليمية والبحثية عبر أرجاء الوطن كلّه.
أجل يحق للشعب الجزائري أن يفتخر بكونه يرسل يوميا ربع تعداده لتلقي العلم والمعرفة في المدارس والثانويات والجامعات وكذا مراكز التكوين. ويحق للدولة الجزائرية أن تفتخر بكون حوالي ربع نفقات التسيير السنوية الإجمالية يرصد لتكوين أبنائها وبناتها في جميع الأطوار.
ونحن نخلّد اليوم ذكرى تضحيات الطلبة الجزائريين من أجل إجلاء حنادس الليل الاستعماري يحق للجزائر المستقلّة أن تعتز بالنقلة التي شهدها تعليمها العالي، حيث انتقل من بضع مئات غداة الاستقلال إلى قرابة مليون ونصف مليون طالب وطالبة.
في خضم هذا التطور حققت الفتاة الجزائرية قفزة هائلة ومكاسب نوعية تشكّل مصدر اعتزاز للأمة بأسرها. وما ارتفاع نسبة الطالبات في الجامعات الجزائرية التي فاقت خلال الأعوام الفارطة، 60 % إلا دليل على هذا التطور. ولا شك أن نهضة هذا العنصر الجوهري ورقيه المستمر عن طريق التربية والتعليم والبحث والتأهيل العلمي والمهني سيفسح له المجال أكثر فأكثر للمشاركة الإيجابية الملموسة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية.
ومن الطبيعي أن تزايد عدد الطلاب يؤدي إلى ظهور بعض الصعوبات من حيث الاستقبال والهياكل والتجهيزات والتأطير وتكوين المكونين. وليس حتى لجاحد أن ينكر حجم الاستثمارات الضخمة التي خصصت من أجل احتواء الحشود الحاشدة من الطالبات والطلبة في جميع الجامعات الجزائرية.
ولا بد من التنويه بأن هذا التدفق الطلابي الهائل على الجامعات يمثل عاملا هاما لتوفير الفرص السانحة لبلادنا لكي تقيم اقتصادها على أساس المعرفة الحقّة، وتجد الكفاءات المؤهلة التي تضطلع بمتطلبات التنمية الشاملة، وتحرص على نشر القيم الثقافية السامية المبنية على التسامح واحترام الغير.
لنقلها صراحة وأمام الملأ جميعا: إن الجامعيين الجزائريين لقادرون على نشر ثقافة التسامح والاحترام المتبادل على أرفع المستويات. وفي مستطاعهم أن يترجموا في مضمار الواقع فضائل الحوار والتفاهم ويذيعوها في الوسط الطلابي وفي نطاق المجتمع الجزائري كلّه.
ومن هذا الباب يحق للشعب الجزائري أن يرى أبناءه في الجامعات يساهمون في شرح ما يجري من تطورات في عالم اليوم وما ينجر عنها من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية على بلادنا.
بالفعل لئن شكّل بالأمس شباب الثانويات والجامعات بعلمه وخبراته مددا عتيدا أضاف إضافة هامة إلى فاعلية الكفاح المسلّح من أجل انتزاع الحرية والاستقلال يجب على طلبتنا اليوم أن يكونوا لدى أهاليهم ومع شباب جيلهم في المدن والأرياف طليعة مجتمعنا في مسعى تجنيد طاقاته حفاظا على الوطن وخدمة لبنائه وازدهاره وذلك كله بعيدا عن أي تفرقة إيديولوجية أو حزبية أو من أي نوع آخر كانت.
لقد تم استغراق قدر كبير من الوقت والجهد لإصلاح التعليم العالي وتمثلت الغاية منه في الارتقاء بمستوى نوعية التعليم وضمان جودته وإضفاء قيمة أرفع وأفضل على الشهادات الجامعية الوطنية، وتحسين مستوى حضور الجامعة الجزائرية في مصاف جامعات العالم.
ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن تشغيل الخريجين الجامعيين هو أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية. إن تنوع عروض التكوين ومساقاته وإصلاح محتويات البرامج وإدراج شعب علمية مبتكرة، والشراكة مع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ ثقافة المبادرة المقاولاتية لهي من العناصر المحركة لهذا الإصلاح. ينبغي الاعتراف بأن هذا الإصلاح بالذات يحقق رقيا مستمرا من عام إلى آخر رغم ما يعتريه أحيانا من نقائص واختلالات يتعين العمل على تفاديها دون هوادة.
إن الجامعة كيان حي ونشيط ومن ثم يحتاج دوما إلى أن يتأصل ويتكيّف ويتطور حسب الآفاق والطموحات التي يرتضيها لنفسه. وأنتم تدركون إدراكا جيدا أن المجتمع كله يرصد حركة الجامعة وسيرها عن كثب ولذلك بات لزاما على الجامعة الجزائرية أن تعزز حرصها على النوعية والجودة لأنهما الرهان الحقيقي الذي يضمن نجاح مسار الإصلاح.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إن الجزائر بعد أن حققت فضيلتي الاستقرار والأمن تسعى لتحقيق تنمية نموذجية تتوافر فيها الاحتياجات الأساسية للمواطن الجزائري من منصب عمل ومسكن ورعاية صحية وتعليم وعدالة وترقية للحقوق والحريات الفردية والجماعية مع دعم مختلف الجوانب المعنوية التي تتلخص في إبداء الرأي بكل حرية، وفي الشعور بالكرامة والاعتزاز بممارسة المواطنة.
إن رهان اليوم إنما يتمثل في إرساء منظومة اقتصادية وفق أسس معرفية ومنهجية سليمة واضحة المعالم. وهذه المنظومة ينبغي أن تقوم على رؤية استشرافية تضمن لها الاستقرار والاستمرار والتواصل.
ويحق لنا أن نجزم بأن دور الجامعة والجامعيين يندرج في صلب هذا الرهان بفضل ما يمتلكونه من قدرات معرفية ومهارات كفيلة بأن تنتقل بالمجتمع وباقتصاده إلى مرحلة جديدة من التطور والتقدم.
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أحيي أسرة التعليم الجامعي ومؤطري فضاء المعرفة هذا وكذا جميع عماله وعاملاته على ما يبذلونه من سهر وتفان خدمة لمستقبل الجزائر بتكوين أبنائها وبناتها.
بناتي الطالبات أبنائي الطلبة
إن إحياء هذه المناسبة وخاصة ونحن في المدية، هذه الولاية المجاهدة المشهود لها بجليل ما قدمته من نفس ونفيس، وفي هذه السنة التي كرسناها كلية لتخليد ثورة نوفمبر المظفّرة ينبغي أن يكون بمثابة حافز لكم على الوفاء التلقائي بدين الأمة عليكم. فلتسجلوا جلائل أعمال جيلكم هذا في ثبات أمجاد الأمة على غرار جيل 19 مايو 1956 جيل الخالدين الأبرار".(واج)