فرصة حل الأزمة
مع انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالرئاسيات المزمع إجراؤها يوم 12 ديسمبر الداخل، تكون الجزائر قد قطعت أهم الأشواط نحو الخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها رسميا منذ 22 فيفري الماضي.
ولا يختلف اثنان في أن الشعب الجزائري عبر الحراك الذي أطلقه في شهر فيفري قد ضبط عقارب الساعة على المطالب التي يعرفها القاصي والداني وعلى رأسها رحيل "العصابة" وأذيالها وبناء جزائر جديدة على مبادئ الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية وتكافؤ الفرص، مرورا بمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة.
وما يسجل للشعب الجزائري طيلة ما يقارب الأربعين جمعة من التظاهر، هو سلمية الحراك، هذه السلمية التي أغلقت كل أبواب التدخلات الخارجية والمناورات الداخلية التي عادة ما تتربص بهذه المظاهرات لتحريفها عن أهدافها لحسابات سياسية ضيقة أو لخدمة مصالح إقليمية ودولية باتت ظاهرة للعيان في أكثر من مكان شهد مثل هذه الهبّة الشعبية والوطنية بامتياز.
هذا الحس المدني والوعي السياسي الذي أبداه الشارع الجزائري والمسؤولية التي تحرك بها لوقف انحراف البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أذهل العالم بعد أن صار مضرب المثل في التظاهر المتحضر للمطالبة بحقوق جماعية مشروعة سرعان ما وجدت الآذان الصاغية لدى المؤسسة العسكرية التي سارعت إلى الانحياز إلى الشعب وأيّدت مطالبه ووعدت بمرافقته من أجل تحقيقها كاملة غير منقوصة.
اليوم، وقد سمع صوت الشعب وتمت الاستجابة لمطالبه، يبقى إيجاد الوسيلة الدستورية لتجسيدها في ظرف زمني كلما كان قصيرا كلما كانت نتائجه أكبر وأفيد، كما يقول المثل الشائع "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، وليس من وسيلة في الحالة التي تعيشها الجزائر أنجع من انتخاب رئيس للجمهورية يتولى دستوريا تجسيد مطالب الشعب.
وكما كانت مسؤولية الشعب عظيمة في فرض سيادته كما ينص عليها الدستور، فإن مسؤوليته ستكون أعظم وأكمل بانتخاب رئيس للبلاد، وممارسة حق الرقابة الشعبية بعد ذلك حتى لا ينحرف لا قدر الله، بالبلاد إلى غير الوجهة التي ترتضيها مصلحة الوطن والمواطن.
إن انقسام الشارع بين مؤيد للانتخابات الرئاسية بدافع المصلحة العليا للوطن التي تتطلب الخروج من الأزمة السياسية في أقرب وقت وبأقل التكاليف الاقتصادية والاجتماعية، وبين رافض لها في الوقت الحالي بداعي أن الظروف غير مواتية وشروط نزاهتها وشفافيتها تبقى في نظرهم غير كاملة، لا يعني عند هؤلاء أن الانتخابات مرفوضة من حيث المبدأ، ولا عند أولئك أنها هدف في حد ذاتها.
وإذا كان المؤيدون للانتخابات ليسوا كل الشعب وإن كانوا جله، فإن الرافضين لها ليسوا أيضا كل الشعب وإن زعموا أنهم جله، وجب ألا تبقى مصلحة البلد رهينة التجاذبات الرامية إلى تعطيل عجلة الإصلاح السياسي الجذري الذي انطلق منذ الوهلة الأولى بسرعته القصوى، لأن التعطيل ليس في مصلحة الوطن، كما أنه ليس في مصلحة المواطن.
ولقطع الطريق أمام واضعي العصى في الدواليب، المطلوب من أنصار المقاطعة بحسن النية أن يتقدموا خطوة إلى الأمام ليميزوا أنفسهم عن أصحاب النوايا المبيتة الذين كان شعارهم دائما ليذهب الشارع إلى الجحيم مادامت مصالحهم محفوظة.
إن الانتخابات حق دستوري وإجراء ديمقراطي يختار المواطن بموجبه المرشح الذي يقنعه ببرنامجه وأطروحاته، ويرى فيه الأنسب لقيادة البلاد والعباد إلى بر الأمان، وأمام الشعب ابتداء من اليوم خمسة متنافسين على أصواته طيلة فترة الحملة الانتخابية قبل أن يفرز الصندوق، بما أحيط به من ضمانات للشفافية والنزاهة، رئيسا للبلاد يقودها بالسلطة التي يفوضها إياه الشعب.
وكما كانت تظاهرات الحراك الوطني شبه أعراس أسبوعية، فليكن 12 ديسمبر القادم عرس الجزائر الأكبر والأشمل الذي لم نر مثله إلا غداة الاستقلال من الاستعمار الفرنسي ونجاح هذا العرس مسؤولية الجميع.