عادت الحيوية من جديد إلى مركز "سيرايدي" للتحضير الرياضي، في أعالي عنابة، بعد فترة ركود طويلة ،شلت الحركة الرياضية بهذا المكان، الذي كان وجهة كل الرياضيين بمختلف اختصاصاتهم خلال السبعينات والثمانينات. المركز فتح أبوابه منذ سنتين، ويحاول مسيروه الجدد إعادة بريقه، الذي أنطفأ في نهاية الثمانينات، نتيجة سوء التسيير وضعف الموارد المادية، وتلا ذلك دخوله في مرحلة أخرى أكثر سوءا من الأولى، ،بسبب آثار العشرية السوداء التي لم تشل فحسب نشاط هذا المركز، بل أدت إلى إتلاف نسبة كبيرة من مرافقه الرياضية والإدارية، وغيرها من الملحقات الأخرى، التي لها علاقة بالفندقة والترفيه، حتى أصبح خاليا من الوجود البشري في ذلك الزمن المرعب، وقد عاد إلى التشغيل بعد استتباب الأمن في هذه المنطقة، واليوم أصبح هذا المركز يتمتع بحلة جديدة من جميع النواحي، بعد إعادة تهيئة مرافقه الرياضية والفندقية والإدارية، التي استرجعت بريقها. زيارتنا الأخيرة لهذا المركز ، جعلتنا نقف على المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة، من أجل إعادة الاعتبار لمنشآت رياضية عديدة، لعبت في السابق دورا كبيرا في بعث الرياضة الجزائرية على المستويين الوطني والدولي.

...عندما يعانق البحر الغابات وقمم الجبال

أُنشئ مركز سيرايدي في 1975، وكانت كل المنشآت الرياضية من هذا النوع، تحمل تسمية مركز الموارد والخبرة والأداء الرياضي (CREPS)، التي تم استكمال بنائها في تلك الفترة، وكان هدفها الأساسي تطوير وتوسيع النشاط الرياضي، مع التخصص في تكوين الإطارات الرياضية في شتى الفروع الرياضية، وشكلت هذه المراكز بالفعل، نقطة تحول إيجابي في الرياضة الجزائرية، بعدما تخرج منها عدد كبير من الإطارات الرياضية، ساهمت بشكل فعال في النهوض بهذا القطاع، بل ولعبت دورا حاسما في بروز الجزائر رياضيا على المستوى الدولي، إذ أن النتائج الرائعة، التي تحصل عليها بلدنا في ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1975، والألعاب الإفريقية سنة 1978، كانت ثمرة تلك المجهودات.  يتربع مركز "سيرايدي" للتحضير الرياضي، على أربع هكتارات ، ويقع في منطقة غابية بأعالي جبل الإيدوغ، على ارتفاع 850 م فوق سطح البحر، مما يتيح لزواره فرصة استنشاق الهواء النقي، وهو مكان مفضل للرياضيين الذين يبحثون عن الاستفادة من الأكسجين النقي، وتعد منطقة "سيرايدي" من أجمل الأماكن في ولاية عنابة، يتعانق فيها البحر مع الغابات والجبال والوديان، مما يزيدها روعة كبيرة، تستهوي الزوار القادمين إليها للتمتع أيضا بجمال منتزه "سيرايدي"، والشاطئ الجميل عين بربر، الذي تم تعبيد الطريق المؤدي إليه، انطلاقا من قرية "سيرايدي"، عبر الغابات الكثيرة على مسافة 13 كلم.

منشآت ومعدات رياضية جديدة

استرجع مركز "سيرايدي" للتحضير الرياضي، بفضل العملية المالية الباهظة لإعادة تشغيله، دوره السابق المتمثل في استقبال المنتخبات والنوادي الرياضية التي أصبحت تقصده اليوم، من أجل إنجاز تربصاتها الموسمية، على غرار فروع كرة القدم، الملاكمة، السباحة، والجيدو، وكان نادي بارادو المنتمي للرابطة الاحترافية الأولى، آخر فريق تربص بعين المكان في نهاية هذه الصائفة. المركز أصبح يقدم خدمات مميزة لزبائنه بفضل امتلاكه قاعتين للرياضات الجماعية حديثة الصنع، شأنها شأن المسبحين، الأول نصف أولمبي، والثاني مخصص للتدريبات، وقاعة للتدليك، وأخرى في شكل حمام معدني تستعمل في الاسترجاع البدني، بالإضافة إلى ملعبين، واحد مغطى بالعشب الاصطناعي، وآخر بالعشب الطبيعي، حيث تتدرب عليهما التشكيلات المتربصة بعين المكان، التي بوسعها استضافة منافسين لتدعيم تحضيراتها.

الجانب الآخر والمهم أيضا في هذا المركز، يتمثل في الخدمات التي لها علاقة بالإيواء والإطعام، ويتوفر المركز على وحدتين للإقامة بطابقين، لكل واحدة منهما، حيث أن الغرف مجهزة بكل لوازم المبيت المريح، فضلا عن النظافة التي تميز المكان، ويحتوي مركز “سيرايدي” أيضا على مطعم يوفر تسعين وجبة غذائية مرة واحدة ، فيما يظل الطعام المقدم للرياضيين ومرافقيهم دائما، تحت مراقبة أطباء أختصاصيين في التغذية، من أجل الاحتراز من وقوع حالات التسمم.

اسماعيل مزياني: المركز يوفر كل متطلبات التحضير

في غياب مدير هذه الوحدة الرياضية، التقينا بالسيد اسماعيل مزياني، وهو المدير العام لمركز "تيكجدة "للرياضة والتسلية ، والمشرف العام على مركز "سيرايدي"، حيث أكد لنا أن إعادة بعث النشاط الرياضي بهذا المركز، له أهمية كبيرة من حيث أنه أصبح يستقطب اهتمام المنتخبات والنوادي الرياضية، للقيام بالتربصات، عوض أن تتنقل إلى الخارج لإجراء استعداداتها الرياضية الموسمية، ويكلفها ذلك صرف ميزانية ضخمة بالعملة الصعبة؛ "مركز "سيرايدي" أصبح اليوم يوفر كل متطلبات التحضير الجيد، سواء فيما يتعلق بالإمكانيات الرياضية، التي يتوفر عليها، أو بسبب موقعه الجغرافي المناسب لتحقيق أحسن التربصات والتدريبات، فضلا عن أنه يقدم تسهيلات مالية، نعتبرها في متناول المنتخبات والنوادي الرياضية الجزائرية، حيث حددنا سعر الأكل والمبيت اليومي بأربعة آلاف وخمس مائة دينار جزائري للفرد الواحد، وهو سعر معقول وافقت عليه كل النوادي والمنتخبات الرياضية، التي مرت على هذا المركز منذ أن فتح أبوابه من جديد، نحاول بقدر الإمكان وضع الرياضيين ومرافقيهم في ظروف جيدة، فبالإضافة إلى التجهيزات الرياضية المتوفرة، نخصص لهم الجناح البيداغوجي للمركز، الذي يضم مدرجا لإلقاء المحاضرات ومكتبة، مع جناح آخر للاستراحة". 

 قال اسماعيل مزياني، الذي كشف عن وجود مشروع في الأفق، يرمي إلى توسيع وتحديث بعض أجنحة المركز، وأشار بشكل خاص، إلى رغبة مسيري مركز "سيرايدي" في إنجاز فندق، سيعزز قدرات الإيواء للزبائن في المستقبل، بالإضافة إلى توسيع المطعم، الذي سيلحق إلى جناحه بهو المقهى، وتوسيع بذلك، سعته في استقبال عدد كبير من الوافدين لتناول وجباتهم"، قال محدثنا الذي أقر من جهة أخرى، بوجود نقائص في الموارد البشرية داخل المركز، وأشار بالأخص، إلى افتقار هذا الأخير لليد العاملة المتخصصة، مثل الطهاة وأسياد الفندقية، حيث أوضح بخصوص هذا الموضوع؛ "مركز سيرايدي لا يتوفر على ميزانية كبيرة لدفع رواتب معتبرة لمتخصصين في هذه المهن، لكن سنستعين بالوكالة الوطنية للتشغيل، من أجل التوظيف الذي يناسب احتياجاتنا في هذا الجانب".

ونوه محدثنا بالتنسيق الموجود بين مسيري مركزي "سيرايدي" و"تيكجدة"، للتغلب على النقائص التي يعاني منها كلا المركزين، من خلال الاستعانة من حين لآخر، بالعمال المتخصصين في شتى المهن،  حيث تسمح مثل هذه الإجراءات، بالتسيير الحسن لمصالح المركزين في مجال تلبية حاجيات الزبائن. كما نوه السيد اسماعيل مزياني، بالمجهودات التي بذلتها مديرية الشباب والرياضة لولاية عنابة، لبعث النشاط الرياضي في مركز"سيرايدي"، من خلال تقديم العون المادي والبشري في شتى المجالات، وتحسين أداء المركز. سواء مركز “سيرايدي” أو مركز “تيكجدة”، فإن كلاهما مدعوان للاستثمار في مداخيلهما المالية، من خلال توسيع نشاطهما في مجالات أخرى، منها السماح للعائلات باستعمال بعض مرافق مركز “سيرايدي”، بشكل خاص، لإعداد الحفلات العائلية بشتى أنواعها، وجني بذلك أرباح جديدة تسمح بضبط التسيير الحسن، لكل المرافق الموجودة في هذه المنشأة الرياضية.