المصالحة الفلسطينية

اتفاق غزة بين سخط إسرائيل وانحياز أوباما

اتفاق غزة بين سخط إسرائيل وانحياز أوباما
  • 834

قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي تعليق كل تفاوض مع السلطة الفلسطينية؛ "عقاباً" لها على اتفاق المصالحة الذي وقّعته نهاية الأسبوع مع حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، وشكّل بارقة أمل على طريق إنهاء قطيعة عمّرت أكثر من سبع سنوات.

وإذا كان الموقف الإسرائيلي منتظَرا بذريعة أن حركة المقاومة الإسلامية تنظيمٌ يعادي إسرائيل، فإن ما لم يكن منتظرا خرجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي انحاز مؤيدا للموقف الإسرائيلي، وأعاب على الرئيس محمود عباس هذا الاتفاق، الذي أكد أنه لا يساعد على استمرار مفاوضات السلام.

والواقع أن قرار إسرائيل لن يغيّر في الأمر شيئا إذا سلّمنا بأن مفاوضات السلام التي استؤنفت شهر جويلية الماضي، لم تحقق أي تقدم في طريق انفراج الموقف واستئنافها أو تجميدها، وحتى وقفها لن يغيّر في المشهد شيئا سوى أن إسرائيل تريد ابتزاز الفلسطينيين حتى عندما يتعلق الأمر بقضايا داخلية تعنيهم دون سواهم.

بل إن هذه المفاوضات "السراب" لم تكن في الواقع سوى غطاء استعملته إسرائيل، من أجل فرض منطق الاستيطان والضم والتهويد لما تبقّى من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، وبلغت خلال الأشهر الأخيرة درجة من التحدي، وصل إلى حد تهديد قدسية المسجد الأقصى الشريف.

وبقدر ما عملت إسرائيل على تقويض العملية السلمية فقد وجدت في اتفاق غزة الأخير، مجرد ذريعة لتحميل السلطة الفلسطينية مسوؤلية إفشال مسار السلام قبل انقضاء المهلة التي حددتها واشنطن للجانبين؛ من أجل التوصل إلى اتفاق حول قضايا الوضع النهائي، مع أن مواقفها العلنية وممارساتها اليومية تبقى السبب المباشر الذي حال دون تحقيق هذا السلام.

وحتى الزعم أن مفاوضات السلام عادت إلى نقطة البداية بسبب اتفاق غزة فذلك الكذب بعينه؛ على اعتبار أن المفاوضات ومنذ تسعة أشهر، لم تنطلق أصلا حتى يمكن القول إنها انهارت.

كما أن قرار حكومة الاحتلال بعد اجتماعها الطارئ بفرض عقوبات أكبر، مجرد تحايل على واقع فلسطيني لم يخرج عن دائرة العقوبات. وقد بلغت معاناة الفلسطينيين الحد الذي لم يعد يطاق سواء في الشق الاقتصادي أو الأمني وحتى المقدسات التي تُعد عقوبة معنوية أكثر وقعا على الفلسطينيين عندما يُحرمون من أداء الصلاة في أولى القبلتين، أو عندما يرون مئات المستوطنين وهم يدنّسون حرمات مقدساتها.

ولذلك فإن التلويح بعقوبات أشد وقعا يبقى مجرد خطة إسرائيلية، الغاية منها إرغام الرئيس محمود عباس على التراجع عن هذا الاتفاق؛ تماما كما حدث في كل الاتفاقات التي تمت بين حركتي فتح وحماس منذ أزمة 14 جوان 2007، التي كرّست الانقسام الفلسطيني شعبا وإقليما.

وتكون إسرائيل والولايات المتحدة قد ألقتا بالكرة في معسكر الرئيس محمود عباس ومعه حركة فتح، ووضعتهما أمام مأزق سياسي حقيقي؛ إما بالتمسك بالاتفاق أو إيجاد مبررات التنصل منه؛ بدعوى التعامل مع الوضع بالواقعية التي تفرضها المصلحة.

ويُنتظر لأجل ذلك أن تعقد حركة فتح اليوم أو غدا اجتماعا طارئا من أجل بحث مستجدات الموقف واتخاذ الموقف المناسب.

فهل سترقى قرارات الرئيس عباس وحركة فتح إلى مستوى التحديات وأن تأخذ بالقرار الصائب حتى وإن كان سيجلب لها متاعب حقيقية على الساحة الدولية؛ على اعتبار أن وحدة الشعب الفلسطيني أولى من أية حسابات أخرى، بل إنها عامل لقوة الموقف الفلسطيني في أية مفاوضات سلام، ودليل ذلك ثورة الغضب التي انتابت بنيامين نتانياهو وحكومته.

أم أن الجانب الفلسطيني سيخضع كما فعل في المرات السابقة، وسيكون ذلك وبالا على صورة السلطة الفلسطينية وموقفها، والأخطر من ذلك، على الشعب الفلسطيني وقضيته، وتلك هي المشكلة.