أجواء افتتاح مؤتمر جنيف الثانية أكد صعوبة إنهاء المأساة السورية

الأمل معقود على إرادة الفرقاء

الأمل معقود على إرادة الفرقاء
  • 1288

يرحل الرئيس الأسد أو لا يرحل.. تلك هي المشكلة المستعصية التي ستدور حولها فعاليات مؤتمر جنيف الثاني وسيتصارع حولها الفرقاء في جلسات مغلقة ومتى تمت الإجابة عنها يمكن القول أن الأزمة السورية سائرة لا محالة باتجاه انفراجها بعد ثلاث سنوات من اقتتال أخوي لم يعد يطاق فقد انطلق، أمس، بمدينة مونترو السويسرية، على ضفاف بحيرة لومان مؤتمر جنيف الثانية في وقته المحدد وبحضور كل أطراف الأزمة السورية في جلسة تناقلتها كل تلفزيونات العالم كونها الحدث الأبرز في كل العالم.

ولأن الأزمة تحولت من شقاق داخلي بين نظام ومعارضين له إلى أزمة دولية استحال إيجاد مخرج لها، فإن أجواء الجلسة الافتتاحية عرفت نفس شحناء التصريحات التي عرفتها مواقف الأطراف المتضادة قبل أسابيع ضمن الحرب النفسية التي عادة ما تسبق مثل هذه المواعيد الحاسمة والمصيرية.

وبهدوء الآسيوي المتزن أدار، بان كي مون، الجلسة التي قسم فترات التدخل فيها لكل الفرقاء المباشرين أو الإقليميين والدوليين بخمس دقائق يمكن غض الطرف عن دقيقة إضافية فقط ليدق الجرس معلنا انتهاء المداخلة.

ولأن أزمة بلاده عمرت لمدة ثلاث سنوات ودمرت بناها التحتية وشردت ملايين أبنائها وقتلت 130 ألفا منهم ورملت آلاف النساء ويتمت مئات آلاف الأطفال، فقد اعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي قاد وفد بلاده أن المدة لا تعنيه دون أن يفصح عن احتجاجه للكوري الجنوبي بان كي مون، وراح يتلو كلمته بترويه وهدوئه المعهود الذي اكتسبه طوال سنوات قيادته للدبلوماسية السورية غير عابئ برنين الناقوس ولا بتنبيهات الأمين العام الأممي.

 ولما أعاد بان كي مون ملاحظته وأنه تجاوز المدة المحددة بعشرين دقيقة، قال المعلم أن كلمته تستدعي عشرين دقيقة إضافية وأن الأمر يتعلق بسوريا ولا يمكن حسمه في دقائق معدودة وقال مذكرا إياه ”أنا أعيش داخل سوريا وأنت في نيويورك”، والرسالة واضحة وقد فهمها الجميع وأن ”الجمرة لا يحس بحرارتها إلا من داسها”، كما يقول المثل الشعبي.

وإذا كانت جلسة الافتتاح بروتوكولية إلا أن الاتهامات التي كالها هذا الطرف للآخر عكست جوهر المواقف وحجم البغضاء والرفض الذي يكنه الفرقاء لبعضهم البعض وكانت الرسائل المشفرة والعلنية بمثابة سهام سياسية؛ فهم الكل القصد والمقصود منها على مسامع ممثلي أربعين دولة ممن وجهت لها الدعوة لحضور هذه الجلسة.

وهي كلها مؤشرات على أن المؤتمر لن يكون سهلا وأن مهمة من يشرف على إدارتها لن تكون فسحة دبلوماسية وأن متاعب السنتين الأخيرتين منذ مؤتمر جنيف الأول نهاية جوان 2012 لا ترقى لصعوبة المتاعب التي سيواجهها خلال إدارة هذه الأزمة بما يستدعي إرادة وتضحية وتفاني أكبر من منطلق أن المهمة تهدف إلى إخراج شعب من متاهة حرب مدمرة الرابح فها سيكون خاسرا لا محالة.

وسيتأكد الأخضر الإبراهيمي، بداية من يوم غد عندما يجلس المعلم وجربا وجها لوجه من صعوبة مهمته كوسيط بينهما ولكن أيضا بنبلها لأنها ستضع إن كتب لها النجاح حدا لأعنف وأقسى مأساة يعرفها العالم والوطن العربي.

وهو الاعتقاد الذي ترسخ لدى بان كي مون الذي قال باتجاه الفرقاء أمس، أن رهان مؤتمر جنيف التعلق بـ ”الأمل” في رسالة باتجاه السلطات السورية والمعارضين لها بأن مفتاح وقف سيول إراقة الدماء بين أيديهم وليس بيد أطراف أخرى، محملا إياهم المسؤولية التاريخية أمام ملايين السوريين الذين وجهوا أنظارهم إلى سويسرا لعل الفرج يأتي منها.

والمؤكد أن وليد المعلم وأحمد جربا ومن رافقهما من أعضاء وفديهما فهموا الرسالة والمؤكد أيضا أن كل سوري حريص على عودة السلم إلى بلاده ولا يريد إلا عودة ذلك الأمل في غد أفضل.

ولكن ترسبات السنوات الثلاث ورائحة الدماء والجثث يجعل من بلوغ هذا الهدف الأسمى صعب المنال بسبب درجة الشحناء والضغينة التي ملأت قلوب الجانبين إلى درجة جعلت التكهنات تعطي الاعتقاد أن الأمل سيصدم حتما بعراقيل وعقبات قد ترهن كل شيء إذا أخذنا بتصريح وزير الخارجية الألماني فرانك والتر ستانماير الذي مثل بلاده في الاجتماع وقال لا تنتظروا المعجزة بينما قال الرئيس الإيراني الذي حرمته ضغوط أمريكية من التوجه إلى جنيف أن المؤتمر سائر إلى فشل محتوم.

قد تكون هذه التكهنات واقعية في طرحها بالنظر إلى معطيات الواقع الميداني ولكن إرادة السوريين حكومة ومعارضة قادرة أن تلقب التوقعات من جانبها الأسود إلى وجهها الأبيض الناصع وذلك ليس بالأمر المستحيل وما على الفرقاء إلا أن يكونوا في مستوى المسؤولية. وتلك هي الإشكالية...