رغم المبادرات السياسية لإنهاء الأزمة الليبية
الصراعات الخفية بين القوى الدولية تعمق الشرخ

- 894

كلما تعددت المبادرات الدولية لإنهاء الأزمة الليبية، طرحت التساؤلات حول سر فشلها جميعها، منذ سنة 2011 رغم الالتزام العلني لكل الدول المعنية بهذه المعضلة، بالعمل على تجسيد مخرجات الندوات والمؤتمرات التي عقدت من اجل تسويتها؟
وهي نتيجة جعلت الوضع الليبي يتحول مع مر الأعوام إلى مأزق دولي استعصى إيجاد مخرج له وحال دون إنهاء مأساة شعب راح ضحية حسابات ومصالح أنانية لقوى داخلية مدعومة بأطراف خارجية؟ وجاءت المبادرة المصرية الأخيرة في سياق هذه الحقيقة القائمة بعد أن تباينت المواقف بشأنها بين مؤيد ومحتفظ ورافض لها مما يجعل فرصة نجاحها هي الأخرى ضئيلة إذا أخذنا بحقيقة التجاذبات التي يعرفها الوضعان العسكري والسياسي خلال الأسابيع الأخيرة والذي زاد بشكل لافت من درجة الاهتمام الدولي بما يجري في هذا البلد وكان التحرك المصري محصلة لهذه التطورات.
فمن جولات الحوار في جنيف السويسرية وصولا إلى ندوة برلين الألمانية مرورا بمؤتمري باريس الفرنسية وروما الإيطالية، تعددت المساعي لإنهاء الأزمة الليبية ولكنها آلت إلى نتيجة صفرية إن لم نقل أنها عمقت الشرخ بين ”سلطتي” بنغازي وطرابلس وباعدت كل فرصة لتسوية الخلافات بينهما رغم الاتفاقات المتوالية لوقف إطلاق النار التي كانت تنهار حتى قبل أن يجف الحبر الذي وقعت به.
وعكست مثل هذه الحقيقة درجة انعدام الثقة بين طرفي المعادلة الليبية وتوجسهم من نوايا بعضهما البعض وكانت تؤدي في كل مرة إلى استئناف المعارك الضارية بين قواتهما لتعيد الأزمة إلى نقطة البداية.
وعكس ذلك أيضا، حقيقة عدم قدرة كل الدول المعنية بالأزمة الليبية في تجسيد مخرجات الندوات والمؤتمرات والحوارات التي عقدت على مدار السنوات العشر الأخيرة بسبب افتقاد هذه القوى لإرادة حقيقية لوضع حد لهذه المأساة كرسته حقيقة الصراع المعلن والخفي بينها على خلفية جيو ـ استراتيجية فرضها الثقل الجغرافي والاقتصادي الذي تمثله ليبيا في حسابات هذه الدول.
فلا يعقل أن يتم الاتفاق بين قوى دولية مثل الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وحتى بين قوى إقليمية على إقرار اتفاق لوقف إطلاق النار بين فرقاء الحرب ولكنها تعمل على إفشاله من خلال إقامه جسور جوية لإغراق ساحة المعركة بالأسلحة والمعدات الحربية، وحتى بالمرتزقة بنية تمرير مخططاتها لإحكام قبضتها على الوضع أو على الأقل فرض موقفها تحسبا لأية مفاوضات نهائية وبما يضمن لها مصالحها في ”الكعكة” الليبية.
ولولا هذه الحسابات الضيقة التي سعرت حربا بالوكالة، لما عمرت الأزمة الليبية كل هذه المدة وخاصة وأن الجميع مدرك تمام الإدراك أن استمرارها من شأنه أن يحول هذا البلد إلى أفغانستان جديدة في ظل تنامي الخطر الإرهابي المتسعة دائرته في كل دول الساحل التي عجزت في احتواء مده وخطره على أمنها القومي.
ورغم أن القوى الدولية المتورطة في المستنقع الليبي، تدرك جيدا حقيقة الخطر الذي أصبحت تشكله مختلف التنظيمات الإرهابية على كل المنطقة بالنظر إلى تشابك علاقاتها مع شبكات تهريب السلاح والبشر والمخدرات، إلا أنها تتعمد بطريقة أو بأخرى تعفين الأوضاع في ليبيا بنية الضغط على القوى غير الحليفة معها، ضمن عملية لي ذراع متواصلة منذ سنة 2011 دون أن تتمكن أيا منها من تمرير مقاربتها لتسوية هذا المأزق الدولي.
وهو واقع قائم جعل متتبعين للشأن الليبي يؤكدون أن إنهاء الأزمة الليبية يمر حتما عبر اتفاق مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا وأما المبادرات الأخرى فسيكون مآلها الفشل تماما كما حصل لكل المبادرات والمساعي التي بذلت إلى حد الآن والتي انتهت إلى ما انتهت إليه لأنها لم تنطلق بنية تسوية الأزمة الليبية بقدر ما سعت إلى تغليب كفة جهة في الصراع على حساب أخرى. وهو ما أبقى الشعب الليبي في متاهة هذه التجاذبات، يدفع ثمن ذلك بمزيد من أرواح مواطنيه الذين أصبحوا رهائن معادلة صراع دولي لم يسمح بانفراج فجر عهد جديد وانزياح كابوس عمر لأكثر من عشر سنوات.