اعتمدت أسلوب الاستعلائية

تعثر الدبلوماسية الأمريكية في مواجهة الأزمات العالمية

تعثر الدبلوماسية الأمريكية في مواجهة الأزمات العالمية
  • 1070
م. مرشدي م. مرشدي

عندما تعهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بضمان عودة قوية للولايات المتحدة إلى الساحة الدولية عبر دبلوماسية أكثر براغماتية، اعتقد عامة الأمريكيين أن رئيسهم الجديد سيعيد لبلادهم مكانتها كقوة أولى في العالم تعود لها كلمة الفصل في كل قضايا الراهن الدولي، لكنهم استفاقوا بعد انقضاء نصف عهدته أنه سوّق لحلم لن يتحقق، بل أنه كلما أراد أن يتقدم خطوة إلى الأمام عاد بخطوتين إلى الوراء في كل الأزمات الدولية التي افتعلها وخسر رهانها.

ويكون رصيده الدبلوماسي المحدود قد لعب دورا في هذه النتيجة أمام قادة دول منافسة محنكين، ممن عملوا وفق خطط إستراتيجية مدروسة للجم جماحه والحد من درجة اندفاعه في عالم متغيراته غير ساكنة بعد أن رفع شعار "أمريكا أولا" اعتقادا منه أنه سيجعل من بلاده القوة المهيمنة والقوى الأخرى مجرد قوى ثانوية تابعة وخاضعة.

ولكن الرئيس ترامب، وبمجرد أن بدأ في تطبيق هذا الشعار الذي شكل أكبر تحد للمجموعة الدولية في مواجهة قضايا الراهن الدولي، اكتشف أن تصريحات التحدي والجبروت لوحدها لا يمكن أن تصنع سياسة خارجية لدولة بحجم وقوة الولايات المتحدة. وجاءت هذه الاستفاقة متأخرة لمراجعة نفسه وتكييف أسلوب تعامله مع قضايا وأزمات العالم، ما جعله يسجل رقما قياسيا في انتكاساته الدبلوماسية التي توالت الواحدة تلو الأخرى في مشهد لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن وقع فيه.

فهو عندما حاول إعادة النظر في تعاملات بلاده التقليدية مع دول الاتحاد الأوروبي سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري، وجد نفسه عاجزا في مواصلة التحدي ولم يجد بدا عن التراجع عن لغته التي أدهشتهم وخاصة عندما حاول فكّ الارتباط العسكري مع الضفة الأخرى للأطلسي عبر حلف "الناتو"، وراح يراجع مواقفه بعد أن اقتنع أن السياسة "الحمائية" التي أراد تطبيقها تنفيذا لشعار "أمريكا أولا" محدودة في إطارها الزمني والعمل ولا يمكن التعامل وفقها مع قوى منافسة يهمها هي الأخرى المحافظة على مصالح شعوبها.

وكرر الرئيس، ترامب نفس هذه السياسة مع روسيا من خلال تبني عقيدة احتواء عسكرية جديدة ضدها بهدف تضييق نطاق تحركاتها في حدود أوروـ  آسيا، من خلال نشر أنظمة صاروخية دفاعية في دول كانت حليفة لها إلى غاية سقوط جدار برلين، قبل أن يتفطن إلى أن روسيا تبقى رغم كل شيء شريكا دوليا لا يمكن تجاهله في إعادة رسم السياسة الدولية وعبر مرغما على استعداده فتح صفحة جديدة معها تأخذ بعين الاعتبار المصالح المتبادلة لكل دولة.

وهي نفس السياسة التي حاول انتهاجها ضد الصين من خلال سياسة حصار اقتصادي خانق وعقوبات وضرائب مشدّدة لكبح نمو اقتصادها ووقف سياسة الإغراق التي تنتهجها في العالم، قبل أن يضطر مرة أخرى  للتفاوض معها بعد أن أدرك أن قوة بحجم الصين لا يمكن معاداتها بقدر ما يجب التعامل معها بندية والاعتراف لها بقوتها التي جعلتها تتحول خلال فترة قياسية من اقتصاد ريعي متخلف إلى اقتصاد عالمي مهيمن.

ولا يمكن إخراج فشله في التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية عن طريقة تعاملاته الاستعلائية مع الرئيس الكوري الشمالي، كيم جون أون عندما تصرّف معه على طريقة رعاة البقر وراح يملي عليه شروطه المسبقة بنزع أسلحته النووية قبل أي حديث عن تطبيع العلاقات أو حتى الاستفادة من مساعدات. ولكنه وجد رئيسا كوريا، رغم صغر سنه، صلبا في مواقفه لم يتردد لحظة بسببها في إخراج ترسانة صواريخه الباليستية للتأكيد لـ«صديقه" الأمريكي أنه لا يهمه نزع السلاح النووي بقدر ما يهمه تحقيق مكاسب لشعبه مقابل هذا التنازل الاستراتيجي.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي لم يحفظ الدرس الكوري وراح يطبقه هذه الأيام مع إيران وراح يحاول تحقيق شروطه لتركيع هذا البلد باستعمال ورقة التهديد العسكري المباشر عندما أرسل ترسانة حربية إلى قبالة السواحل الإيرانية دون أن يجعل طهران ترضخ لحتمية تطبيق شروطه، بل  السلطات الإيرانية ذهبت، أول أمس، إلى حد رفض مقترحه بالدخول في مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي رغم العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضها عليها لمنعها من بيع نفطها إلى الخارج ضمن خطة هدفها إسقاط النظام الإيراني.

وعندما يتم الحديث عن أسلوب تعاطي أمريكا مع كوريا الشمالية وإيران والوجه المخيب الذي ظهرت به يمكن إسقاط ذلك على الأزمة الداخلية التي تمر بها فنزويلا عندما وقف الرئيس ترامب إلى جانب المعارض خوان غوايدو وراح، يهدد بتدخل عسكري للإطاحة بنظام الرئيس نيكولاس مادورو، ولكنه بعد قرابة ثلاثة أشهر من قبضة حديدية، اقتنع أن كل مغامرة عسكرية قد تفتح أبواب الجحيم على قوات المارينز في المستنقع الفنزويلي.