في اختتام القمة العربية بتونس
تنديد واستنكار لأوضاع لا تحتمل الانتظار
- 1192
لم يخرج بيان القمة العربية الثلاثين المنتهية أشغالها بالعاصمة التونسية في ساعة متأخرة من نهار الأحد عن سياق اللغة التي صيغت بها بيانات القمم العربية السابقة وبنفس المواضيع والمواقف التي لم تخرج عن إطار التنديد والاستنكار والتمني.
وأكد مضمون البيان الختامي أن القمم العربية لم تعد سوى مواعيد بروتوكولية لإعادة طرح ملفات القضايا العربية دون التمكن من إيجاد حلول فورية لقضايا مصيرية أو على الأقل التأثير عليها خدمة للمصلحة العربية المشتركة.
وهي حقيقة تكرست على مدى السنين، أصبحت معها القمم العربية مجرد مواعيد سنوية لإصدار بيانات لا قمة عملية لها على صيرورة الأوضاع الطاغية على المشهد العربي.
فمن القضية الفلسطينية وصولا إلى هضبة الجولان ومرورا بالأوضاع الكارثية في اليمن وليبيا وسوريا والصومال، لم يخرج الموقف العربي ”الموحد” عن نفس اللهجة التي افتقدت إلى لغة العمل الفوري والقرارات العملية الملزمة.
فلم يخرج الموقف العربي بخصوص القضية الفلسطينية عن دائرة المطالبة بـ«التسوية العادلة والشاملة”، ضمن وقف فقد جدواه في وقت أعلنت فيه الإدارة الأمريكية أنها ستغير طريقة التعامل مع هذه القضية مباشرة ضمن ما أسمته بـ«صفقة القرن” بعد إجراء الانتخابات العامة الإسرائيلية المسبقة في التاسع من الشهر الجاري والتي أكدت كل التسريبات أنها أخذت بكل ما يدعم الموقف الإسرائيلي لضم القدس الشريف وتعزيز المستوطنات ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين في نفس الوقت الذي رهنت فيه كل حظ لإقامة دولة فلسطينية إلا بما يتماشى مع المقاربة الإسرائيلية في هذا الشأن.
وأعاد القادة العرب الذين لبوا دعوة السلطات التونسية لحضور هذه القمة تكرار مواقفهم الفردية بخصوص موقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب من مستقبل هضبة الجولان، حيث أعادوا صياغتها في بيانهم المشترك، مؤكدين رفضهم لسياسة الأمر الواقع وتكريس سيادة إسرائيل على هذا الجزء من الأراضي السورية كونه يشكل انتهاكا خطيرا للقرارات الدولية”. وهو موقف باهت أيضا إذا سلمنا بخطورة الخطوة الأمريكية على السيادة الترابية لدولة عربية تم إقصاؤها من الجامعة العربية بسبب الحرب الأهلية التي تعصف بها منذ أكثر من ثماني سنوات.
والمفارقة أن الدول العربية التي أكد قادتها، حرصهم على ”ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية لتحقيق تطلعات الشعب السوري للعيش في أمن وسلام ويحافظ على استقلال سوريا وأمنها” هي في الأصل أطراف في هذه الأزمة ولولا مواقفها المؤيدة لهذا الطرف أو ذلك لما اندلعت هذه الحرب ولما وصلت سوريا إلى ما وصلت إليه الآن.
وهو الموقف ذاته بالنسبة للوضع في اليمن، حيث أعادت القمة التأكيد على مساندتها ”للجهود الإقليمية والدولية لإعادة الشرعية إلى هذا البلد الممزق هو الآخر بحرب مدمرة ووضع حد لمعاناة شعبه”، رغم أن بلدانا عربية وخاصة الخليجية ممن وقعت على ”بيان تونس” هي في الأساس طرف فاعل في هذه الحرب، بما يؤكد أن انتهاء هذه المأساة يمر حتما عبر قرارات شجاعة تتخذها هذه الدول من أجل إنهاء مأساة بلد كان إلى وقت قرب يسمي باليمن السعيد.
وهو إسقاط يمكن إنزاله أيضا على الموقف العربي من الأوضاع في ليبيا، حيث تم التأكيد على دعم جهود الأمم المتحدة ومساعي مبعوثها الخاص من أجل عقد ندوة المصالحة الوطنية بين فرقاء الحرب الليبية رغم علمهم أن التسوية في هذا البلد تأتي أيضا من دول عربية ساهمت بطريقة أو بأخرى في تأجيج الصراع الدامي فيها خدمة لمصالح ضيقة عمقت الشرخ الليبي وزادت في معاناة دول الجوار التي تدفع ثمن حرب إستراتيجية تقودها دول إقليمية خدمة لمصالح قوى دولية.