الانتخابات العامة التركية

حزب كردي صغير يخلط حسابات الرئيس أردوغان

حزب كردي صغير يخلط حسابات الرئيس أردوغان
  • 646
على عكس كل التوقعات لم يتمكن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، من الاحتفاظ بالأغلبية النيابية المطلقة التي كان يأمل في  تحقيقها في ضربة قوية لرئيسه ورئيس الدولة التركية طيب رجب أردوغان، أخلطت عليه كل حساباته في تكريس هيمنة حزبه على المشهد السياسي التركي خلال السنوات الأربع القادمة. وجعلت نتائج الانتخابات العامة أول أمس، الرئيس أردوغان، أمام خيارين لا ثالث لهما وهما البحث من الآن عن تحالفات مع الأحزاب الأقرب إليه سياسيا  لتشكيل حكومة جديدة أو قيادة السفينة التركية بحكومة أقلية مع كل المخاطر التي قد تعترضها في منتصف الطريق.
وقد استشعر الرئيس التركي حجم تراجع حزبه في بورصة الناخبين الأتراك مما جعله يهدئ من لهجة خطابه مقارنة بتلك التي استعملها خلال الحملة الانتخابية إلى الحد الذي حتم عليه التودد للأحزاب التركية من خلال دعوتها إلى التصرف بحكمة  للمحافظة على استقرار البلاد. وهي المخاوف التي جعلته يدعو إلى ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية بقناعة أن نتائج انتخابات الأحد لم تعط لأي حزب النسبة التي تؤهله لتشكيل حكومة دون الاستعانة بأحزاب أخرى. واللااستقرار الذي حذّر منه الرئيس أردوغان، حصل فعلا بمجرد الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات عندما انهارت البورصة التركية بنسبة 8 بالمائة، بينما تراجعت قيمة العملة الوطنية الليرة بنسبة 3,7 مقارنة بالدولار الامريكي.
ورغم أن حزب العدالة والتنمية حصل على نسبة 40,8 بالمائة بتراجع قدر بـ10 بالمائة مقارنة بالانتخابات الماضية، ضمن نسبة أهلته للفوز بـ258 مقعدا برلمانيا فقط بدلا من 276 اللازمة لتحقيق الأغلبية المطلقة، بينما كان هو يطمح في الفوز بـ330 مقعدا من مجموع 550 مقعدا التي تجعله يشكل حكومة بأغلبية مطلقة دون الحاجة إلى أحزاب أخرى. يذكر أن صدق التكهنات التي سبقت هذا الموعد الانتخابي والتي أكدت أن نتائج حزب العدالة والتنمية مرهونة بنتيجة الحزب الديمقراطي للشعب الكردي، عندما أشارت إلى أنه في حال تجاوز عتبة 10 بالمائة التي تؤهله لدخول قبة البرلمان فإن ذلك سيكون على حساب الحزب الحاكم من منطلق أنه سينهل من الوعاء الانتخابي لهذا الأخير الذي صوتت له الكثير من الشرائح الكردية بعد الوعود التي قطعها الرئيس أردوغان، على نفسه من أجل التكفّل بانشغالات هذه الأقلية المنتشر سكانها بالمناطق الشرقية على الحدود السورية والعراقية.
وشكل حصول هذا الحزب الكردي الفتي مفاجأة حقيقية بحصوله على نسبة 13,1 بالمائة من إجمالي أصوات حوالي 54 مليون ناخب تركي أهلته للفوز بثمانين مقعدا نيابيا بدلا من خمسين مقعدا التي توقعتها عمليات السبر التي سبقت الانتخابات. ونافس هذا الحزب بفضل هذه النتيجة أهم حزبين معارضين في تركيا وهما الحزب الجمهوري للشعب  الذي حصل على 133 مقعدا بينما لم يحصل حزب العمل القومي سوى على 80 مقعدا. وقد أخلطت نتيجة الحزب الكردي حسابات الرئيس أردوغان، الذي كان يطمح في تكريس هيمنة حزبه على المشهد السياسي التركي للأربع سنوات القادمة، وبما يعطيه الضوء الأخضر للقيام بالتعديلات الدستورية التي تمكنه من تعزيز صلاحيات رئيس البلاد، ولكنه حلم تبخر بمجرد نطق اللجنة العليا الانتخابية بالنتائج النهائية لهذه الانتخابات.
وهو ما جعل قيادات أحزاب المعارضة تبتهج لمثل هذه النتيجة التي شكلت أول هزيمة للحزب الحاكم منذ 13 عاما وأرجعوا أسبابها إلى رفض الناخبين الأتراك لما أسموه بـ«ديكتاتورية" طيب رجب أردوغان، في التعاطي مع قضايا الأمة التركية. وهي القناعة التي عبّر عنها صلاح الدين دميرتاس، رئيس الحزب الديمقراطي الكردي الذي أكد أن "الذين يريدون فرض الأحادية ويعتقدون أنهم هم من يحكم تركيا قد خسروا وهي بداية النهاية". ومهما يكن فإن قيادات مختلف الأحزاب التركية بدأت مشاوراتها بهدف تشكيل حكومة ائتلافية ففي الوقت الذي بدأت فيه أحزاب المعارضة البحث عن صيغة لتحقيق توافق سياسي بينها لتشكيل حكومة دون الحزب الحاكم، رفض الوزير الأول احمد داود اوغلو، مثل هذا الخيار الذي أكد أن حزبه سيبقى قائدا للسفينة التركية للأربع سنوات القادمة، بينما قال الرئيس أردوغان، إن الانتخابات أكدت أن حزب العدالة والتنمية مازال العمود الفقري لتركيا.
والمهم أن الأيام القادمة ستكون حاسمة لتحديد معالم الخارطة السياسية التركية  وسيجد فيه حزب العدالة والتنمية نفسه في سباق ضد الساعة لإيجاد صيغة لتشكيل حكومة جديدة في أقل من 45 يوما المدة المحددة قانونا لذلك وإلا فإن الرئيس أردوغان، سيجد نفسه ملزما بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة جديدة وهو احتمال مستبعد ولا يمكن اللجوء إليه على اعتبار أنه لا يوجد تشكيل سياسي واحد يريد تنظيم انتخابات جديدة.