قوة دولية للاستقرار في غزّة
حماية للفلسطينيين أم تغطية على جرائم الاحتلال الصهيوني؟
- 175
ص. محمديوة
يروّج الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، في الفترة الأخيرة لنشر قوة عسكرية دولية قريبا في قطاع غزّة، بزعم الحفاظ على وقف إطلاق نار يبقى هشّا في ظل مواصلة الكيان الصهيوني انتهاكاته الخطيرة على أعين المجموعة الدولية، والتي يدفع ثمنها العزّل من أبناء الشعب الفلسطيني.
فغداة إعلان الولايات المتحدة عن مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي لدعم “الخطة” التي قدمها الرئيس ترامب، لوقف حرب الإبادة الصهيونية في غزّة، راح هذا الأخير يتحدث مجددا على نشر قوة عسكرية دولية في هذا الجزء المنكوب من الأرض الفلسطينية المحتلّة.
ويرى ترامب، أن الأمور في غزّة تسير بشكل جيد متناسيا عن قصد الخروقات الصهيونية الخطيرة التي طالت ولا تزال تطال وقف إطلاق النّار الذي كان هو نفسه مهندسه، إضافة إلى المآسي والكوارث المتعددة التي خلّفتها حرب الإبادة وما صاحبها من تعميق الكارثة الإنسانية، في ظل مواصلة هذا الاحتلال الجائر فرض سياسية التجويع وغلق المعابر ومنع دخول المساعدات بالكميات المطلوبة والمتفق عليها.
وعاد مصطلح “القوة الدولية” إلى الواجهة مع اقتراب دخول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النّار في غزّة، ليفتح الباب أمام طرح علامات استفهام حول ماهية هذه القوة والدول المشاركة فيها وصلاحياتها.
والسؤال الأهم في كل هذا وذاك هل هدف هذه القوة فعلا مراقبة وحماية وقف إطلاق النّار، أم أن مهمتها الخفية وغير المعلنة التغطية على جرائم الإبادة الصهيونية التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 68 ألف فلسطينيي غالبتهم العظمى من النّساء والأطفال.
مثل هذا السؤال يبقى مشروعا خاصة وأن الرئيس الأمريكي، المتحمّس لفكرة ما يسميها “قوة إرساء الاستقرار في غزّة” لا يفوت فرصة ليؤكد أن الأهم في هذه القوة أن تكون مريحة للجانب الاسرائيلي، ثم إنه يجري حاليا تحرك أمريكي في مجلس الأمن الدولي، لاستصدار قرار بتشكيل هذه القوة الدولية بصلاحيات واسعة بموجب خطة ترامب لمرحلة ما بعد الحرب في القطاع.
ووفق تسريبات إعلامية لمسودة القرار الأمريكي، فإن المسودة تمنح للولايات المتحدة والدول المشاركة تفويضا واسعا لحكم غزّة وتوفير “الأمن” فيها، حيث يدعو مشروع القرار إلى بقاء ما يسمى “مجلس السلام” في القطاع حتى نهاية عام 2027 على الأقل.
وورد في الوثيقة، أن القوة الدولية ستكلّف بتأمين حدود غزّة مع إسرائيل ومصر وحماية المدنيين والممرات الإنسانية، وتشمل مهامها تدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية، بالإضافة إلى نزع السلاح وتدريب قوة شرطة فلسطينية ستكون شريكة لها في أداء مهمتها.
ولا يبدو مثل هذا الطرح سيلقى تجاوبا من الفصائل الفلسطينية، بدليل أول رفض لمشروع القرار الأمريكي جاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيان لها أمس، حذّرت فيه من “تحويلها إلى قوة احتلال وتمسّ السيادة الفلسطينية”.
وقالت إن هذا المشروع “يعتبر بمثابة محاولة لتطبيع وجود الاحتلال تحت غطاء دولي”، مشيرة إلى “أن أي قوة دولية يجب أن تُركز مهمتها حصريا على حماية المدنيين الفلسطينيين وضمان سلامتهم بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، أو فرض حل يهدّد حقّ الشّعب في المقاومة الشرعية وتقرير المصير”.
وقد لا يتوقف الرفض على الجبهة الشعبية ويمتد إلى فصائل فلسطينية أخرى قد لا تعارض في المبدأ نشرة قوة عسكرية لحماية وقف إطلاق النّار، ولكن لا تقبل بأن تتحول إلى أداة احتلال جديد يحمي الجلاّد ويدوس على الضحية.