الناشطان الحقوقيان من مدينة الداخلة المحتلة يؤكدان لـ"المساء":
حياة النشطاء مهدّدة والاحتلال المغربي يصعّد من القمع

- 265

بملامح صحراوية واضحة وبشرة سمراء غامقة ونظرة عميقة تحمل من ورائها آمالا وٱلاما وابتسامة هادئة تعبّر عن صمود وتمسّك بالأرض والحقّ، روى الناشط الحقوقي الصحراوي، حسن زروالي، القادم من مدينة الداخلة المحتلة تجربة الاعتقال المريرة التي تعرّض لها رفقة زميله المناضل، صالح محمود دليمي، في 15 جانفي الماضي عندما تم اختطافهما من الشارع العام وفي وضح النهار باستعمال سيارة لأجهزة القمع المغربية، حيث تمّ تعذيبهما مما أدى إلى إصابته على مستوى العين وصودرت هواتفهما، قبل أن يقتادا إلى مركز للشرطة وقد تفاجأا بكوكبة كبيرة من قوات الاحتلال تضم ما لا يقل عن 40 عنصرا بالزي الرسمي والمدني ليتعرضا بعدها لجلسة مساءلة وتعذيب استمرت لنحو خمس ساعات كاملة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تمّ تهديدهما بعد الإفراج عنهما باعتقالهما مجدّدا إذا قاما بأي نشاط حقوقي أو سياسي. والمثير أن القمع تمارسه قوات الاحتلال حتى على الأجانب الذين يتواصلون مع المناضلين الصحراويين وعائلات المعتقلين السياسيين. وهو الواقع الصادم الذي عاشته مجموعة من المتضامنين الإسبان مع القضية الصحراوية، تمكّنوا بطريقة أو بأخرى من الدخول إلى مدينة الداخلة المحتلة وزاروا البيت العائلي للمناضل الزروالي.
هذا الأخير الذي قال "تم يوم 20 جانفي الماضي محاصرة منزلي العائلي بمجرد استقبالي لمجموعة من المناضلين الإسبان، من قبل نحو 70 شرطيا هاجموا المنزل ونقلوا بالقوة هؤلاء المتضامنين الذين أرسلوهم في سيارة أجرة مباشرة إلى المطار لإعادتهم لبلدهم" دون تقديم أي مبرر، مشيرا إلى تعرض والده للتعنيف في الحادثة.
ولأنه على قناعة تامة بأنه صاحب قضية وحق، فإن كل هذه الممارسات الترهيبية والقمعية لم تثن هذا الحقوقي الشاب، وهو أيضا إعلامي وعضو في تجمع المدافعين الصحراويين في الأراضي المحتلة "كوديسا"، من تحمّل مشقة السفر إلى جانب زميلته فاطمة محمد الحافظي في رحلة برية دامت خمسة أيام كاملة من الداخلة المحتلة مرورا بموريتانيا وصولا إلى مخيمات اللاجئين للمشاركة في أشغال المؤتمر العاشر لاتحاد العمال الصحراويين، وكلاهما على دراية تامة بما ينتظرهما من مضايقات وقمع وتعنيف قد يهدّد حتى حياتهما لدى عودتهما إلى الأراضي المحتلة ويطال حتى عائلاتهما بدليل أن قوات الاحتلال المغربية شرعت في محاصرة منزل عائلة زروالي منذ اليوم الثاني من انطلاق أشغال المؤتمر ولا يزال بتواصل حتى كتابة هذه الأسطر.
عمليات الاختطاف والاعتقال تهدد حياة النشطاء الحقوقيين
ورغم ذلك نقل زروالي بكل أمانة رسالة أبناء جلدته إلى المجتمع الدولي من أجل الإسراع في خلق آلية لمرافقة حقوق الإنسان الصحراوي ومتابعتها وحمايتها في الجزء المحتل من الصحراء الغربية في مطلب تصر عليه منذ فترة طويلة كل أطياف المجتمع الصحراوي بشقيه الرسمي والشعبي.
ولا يزال هذا المطلب حبيس الإدراج دون أن يلقى أذانا صاغية رغم أخبار ومشاهد الانتهاكات الفظيعة، حيث لا تتوانى أجهزة الأمن القمعية في ممارساتها ضد كل صوت صحراوي يجهر بحقه في تقرير المصير.
وهي الصورة المروعة التي نقلها زروالي الذي تحدث عن معاناة الصحراويين من المناطق المحتلة وخاصة النشطاء منهم من اعتقالات تعسفية وعمليات اختطاف في وضح النهار واغتيالات وكل أنواع وأصناف القمع من ضرب وتعد وهجوم على منازل المناضلين وتهديد، والتي شهدت في الفترة الأخيرة تصعيدا ممنهجا لسلب الأراضي من السكان الصحراويين ومنحها للشركات الأجنبية.
وكل ذلك يحدث كما أكد الحقوقي الصحراوي في ظل حصار وتعتيم إعلامي وبوليسي مطبق على المدن المحتلة، يمنع على إثره الاحتلال المغربي الإعلاميين والمراقبين والحقوقيين والمتضامنين الأجانب من دخولها.
وأوضح أن الشعب الصحراوي محتجز جراء هذه المعاناة التي يعيشها وهذا الحصار المفروض عليه منذ سنوات طوال، لافتا في الوقت نفسه إلى تصاعد حملة القمع المغربية بحدة بعد إطلاق الحملة الدولية للإفراج عن المعتقلين السياسيين في السجون المغربية في مقدمتهم معتقلي مجموعة "اكديم ايزيك".
وأكد أن مشاركته رفقة زميلته فاطمة محمد الحافظي في المؤتمر العمالي الصحراوي، الذي شهد زخما كبيرا وسط حضور حركة نقابية تضامنية مكثفة من دول عدة، يمثل فرصة لرفع الصوت عاليا لشعب تنتهك حقوقه وتغتصب جهارا نهارا.
وهي معاناة شعب لخصتها أيضا دموع الحقوقية الصحراوية القامة من مدينة بوجدور المحتلة، فاطمة محمد الخافظي، التي سرعان ما اغرورقت عيناها وهي تحكي بصوت خافت غلبت عليه اللهجة الحسانية مآسي عائلات بأكملها أنهكها القمع وحرمت من فلذات كبدها، وهي أخت معتقل صحراوي لم ير سماء الحرية ولم يشم نسميها منذ عقد كامل من الزمن لا لسبب، وسوى أنه جهر بحق شعبه المشروع في الحرية والاستقلال.
الاحتلال المغربي يمارس كل اشكال القمع ضد الصحراويين
وبكلمات متقطعة وأخرى تعجز حتى عن الوصف، تحدثت الحافظي عن المعاملة التي تمس بكرامة الإنسان ناهيك عن التحرش الدنيء والشتم والسب والسحل والضرب والإهانة.. وغيرها من الممارسات التي يندى لها جبين الانسانية التي تتعرض لها النساء الصحراويات وخاصة المناضلات على يد آلة القمع المغربية.
وتؤكد الحافظي أنها تركت صغيرها واستجمعت قواها وأبت إلا أن تشارك في اشغال المؤتمر لنقل رسالة النشطاء في المدن المحتلة وإسماع صوتهم خارج أسوار التعتيم والحصار والقمع التي بنتها أجهزة القمع المغربية على أمل ترهيب وثني صحراويي الداخل عن مواصلة كفاح ليس وليد الأمس وإنما بعمر نصف قرن ولازال يستمر حتى نيل الحرية والاستقلال.
موقف مدريد بشأن المخطّط التوسّعي المغربي في الصحراء الغربية
الطبقة السياسية الإسبانية تحتج بشدة
تواصل الطبقة السياسية الإسبانية احتجاجها بشدة على تأكيد مدريد دعمها لخطة "الحكم الذاتي" المزعومة التي قدّمها المغرب بشأن الصحراء الغربية، داعية إلى احترام الشرعية الدولية.
أثارت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإسباني، الخميس الماضي، حيث أكد من جديد دعم بلاده للمخطط التوسعي المغربي في الصحراء الغربية، موجة انتقادات من حزب "سومار" اليساري الراديكالي، العضو في الائتلاف الحاكم، ومن حزب بوديموس وكذلك من مناضلين من الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.
وقد تعالت، منذ الخميس الماضي، أصوات داخل ائتلاف يولاندا دياز، مؤسّسة حزب سومار، للتنديد بخروج إسبانيا عن حيادها التاريخي الذي اعتمدته منذ نهاية الاستعمار من خلال دعمها لموقف الأمم المتحدة الداعي إلى تنظيم استفتاء حول تقرير المصير لفائدة الشعب الصحراوي. وحسب هذه التشكيلة، فإن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني قد خرج عن "الإجماع الصريح" حول دعم حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وفي تصريح للصحافة الإسبانية، أكدت لارا هيرنانديز، المنسقة العامة لحزب سومار، قائلة: "نحن نؤمن بحقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، مذكرة بأن حزبها "مدافع قوي" عن ميثاق الأمم المتحدة الذي يضمن للشعوب المحتلة حقّها في تقرير المصير.
وتابعت قائلة: "بالنسبة لنا، يعتبر القانون الدولي وحقوق الإنسان خطا أحمر"، مؤكدة أن "الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني هو الذي لا يحترم الالتزامات التي تعهّدت بها الحكومة التقدّمية عندما توّلت السلطة"، وأضافت المتدخلة أن "الموقف الوحيد الصحيح في هذه القضية هو حقّ تقرير المصير".
وبالنسبة للنائب البرلماني عن حزب "ماس مدريد" (يسار)، تيش سيدي، فإن خضوع الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني للمغرب " ليس مجرد نفاق أو سياسة واقعية"، بل يعكس "قلّة الشجاعة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الإنسان بطريقة شاملة ومنسجمة".
وانتقد حزب اليسار الراديكالي "بوديموس" هو الآخر تعليقات وزير الخارجية الإسباني وموقف الحكومة. وخلال ندوة صحفية، أول أمس، أكد الناطق باسم الحزب، بابلو فرنانديز، أن "الشعب الإسباني مدين للشعب الصحراوي ويجب على إسبانيا أن تعمل من أجل تقرير مصيره".
وفي بيان صدر نفس اليوم، أعرب نشطاء عن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني عن "قلقهم" إزاء دعم الدبلوماسية الإسبانية لما يسمى بـ"خطة الحكم الذاتي" التي قدّمها المغرب، داعين حزبهم إلى "الحفاظ على التزامه بإطار معايير الأمم المتحدة والحق في تقرير المصير".
وذكروا بأن قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة تؤكد أن أي تسوية للنزاع يجب أن تكون مقبولة من الطرفين وأن تضمن ممارسة حقّ الشعب الصحراوي الثابت في تقرير المصير. وعليه، يضيف النشطاء، فإن "المصادقة على مقترح أحادي الجانب مثل مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب دون موافقة الشعب الصحراوي يعني تجاهل إيجاد حلّ مقبول من الطرفين وانحراف عن القانون الدولي".
كما ذكروا في هذا الصدد بأنه "من وجهة نظر الشرعية الدولية فإن الصحراء الغربية هي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي ينتظر تصفية الاستعمار" وأنه وفقا لميثاق الأمم المتحدة فإن "مبدأ تقرير مصير الشعوب هو جزء هيكلي من الشرعية الدولية التي تعترف بها الدول الموقّعة" على الوثيقة المذكورة.