وسط إجماع عالمي على أن غزّة للفلسطينيين
رفض دولي واسع لمقترح ترامب "المجنون"

- 465

توالت أمس، ردود الفعل الدولية الرافضة بشكل قطعي لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرامي لتهجير سكان قطاع غزّة قسريا، والذي ينطبق عليه وصف الخطة بـ«المجنونة" كونه يسعى من خلالها إلى اقتلاع شعب بأكمله من أرضه والسيطرة بالقوة على مقدراته وممتلكاته.
من الأمم المتحدة مرورا بمختلف العواصم الغربية كباريس ولندن وبرلين ودول العالم العربي والإسلامي، كان الموقف واحدا ضد التهجير القسري لسكان غزّة، وضد مقترح ترامب بفرض السيطرة الأمريكية على القطاع المنكوب والذي أثار صدمة لدى الجميع.
جاءت أولى الردود من المملكة العربية السعودية، التي يجهز لها الرئيس الأمريكي مخططاً لضمها لاتفاقيات التطبيع، حيث أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في بيان رسمي أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية "راسخ وثابت لا يتزعزع"، لافتة إلى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "أكد هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال".
من جهته شدد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بعد اقتراح ترامب السيطرة على غزّة، وإخراج سكانها منها على أن أي نقل قسري أو طرد من الأراضي المحتلّة "ممنوع منعا باتا"، مذكّرا ترامب ومعه الكيان الصهيوني أن "الحق في تقرير المصير هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي ويجب أن تحميه جميع الدول".
ووصف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فليب غراندي، خطة احتلال قطاع غزّة وتهجير سكانه بأنها "مفاجئة للغاية". وقال إنه "من الصعب جدا التعبير بخصوص هذه المسألة الجد حسّاسة"، مضيفا أنه "أمر جد مفاجئ ولكن نحن بحاجة لمعرفة بشكل ملموس ماذا يعنيه ذلك".
أما المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، فقد قال إن روسيا، تعتقد أن التسوية في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين، مشددا على موقف موسكو بأن السبيل الوحيد لحل الصراع في الشرق الأوسط هو إنشاء دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. وأضاف بيسكوف، أن فكرة ترامب بشأن إعادة التوطين قوبلت بالرفض من قبل العواصم العربية الكبرى.
وأعلنت الصين أنها تعارض "النّقل القسري" للفلسطينيين من قطاع غزّة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، رداً على سؤال حول خطة ترامب "لقد أكدت الصين دائما أن الحكم الفلسطيني للفلسطينيين هو المبدأ الأساسي للحكم في غزّة بعد الحرب، ونحن نعارض النّقل القسري لسكان غزّة".
وأكدت الحكومة الفرنسية، بأن مقترح ترامب خطير على الاستقرار ومسار السلام، معلنة بوضوح موقفها الرافض لتهجير سكان غزّة. وقالت المتحدثة باسمها، صوفي بريماس "إننا نتمسك بسياستنا المتمثلة في عدم تهجير السكان، والبحث عن وقف مؤقت لإطلاق النّار نحو عملية السلام وحل الدولتين".
كما شدد قصر الإليزيه في بيان له على أن "مستقبل غزّة لا يجب أن يتحدد في إطار سيطرة دولة أخرى، وإنما في إطار دولة فلسطينية مستقلّة تحت إدارة السلطة الفلسطينية"، مضيفا أن "إجراء من هذا النوع كما يقترح ترامب سيشكل اختراقا صارخا للقانون الدولي، وعقبة كبيرة أمام حل الدولتين".
نفس موقف الرفض عبّر عنه رئيس الحكومة البريطاني، كير ستارمار، الذي أكد على ضرورة أن يتمكن الفلسطينيون من العودة إلى منازلهم وإعادة إعمار قطاع غزّة المنكوب بسبب الحرب الصهيونية المدمرة التي جاءت على الأخضر واليابس فيه.
وقال رئيس الحكومة البريطاني، في رده على أسئلة النواب حول مقترح ترامب "يجب أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، وأن يكونوا قادرين على إعادة البناء.. ويجب أن نكون معهم في عملية إعادة الإعمار هذه على الطريق المؤدي إلى حل الدولتين".
وكان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أكد بدوره على ضرورة أن يتمكن الفلسطينيون من العيش والازدهار في قطاع غزّة والضفّة الغربية التي تشهد هي الأخرى عدوانا صهيونيا جائرا.
أما رد وزيرة الخارجية الألماني، انالينا بيربوك، فقد جاء قويا أيضا وهي تؤكد أن قطاع غزّة ملك للفلسطينيين، ويجب أن يندرج مثله مثل الضفّة الغربية والقدس الشرقية في إطار الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقالت في بيان لها إنه "يجب ألا يتم طرد السكان المدنيين في غزّة، ويجب ألا يتم احتلال غزّة بشكل دائم أو إعادة استعمارها".
واعتبر الرئيس البرازيلي، لولا داسيلفا، موقف نظيره الأمريكي بأنه "غير مفهوم"، مشيرا إلى أن الفلسطينيين هم من يجب أن يرعوا أرضهم، فكيف يخضعها ترامب للسيطرة الأمريكية؟. وقال إن "أولئك الذين يجب أن يراقبوا غزّة هم الفلسطينيون، الذين يحتاجون إلى التعويض عن كل ما تم تدميره حتى يتمكنوا من إعادة بناء منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم والعيش بكرامة واحترام".
وعلى صعيد العالم الإسلامي قالت تركيا، على لسان وزير خارجيتها، حقان فيدان، بأن مقترح ترامب غير مقبول، وقال في تصريحات صحفية إن "طرد الفلسطينيين من غزّة هي مسألة لا نقبلها لا نحن ولا دول المنطقة وهي ليست مطروحة للنّقاش".
قالت إنها تصب الزيت على النّار.. حماس:
تصريحات ترامب تعزيز لشريعة الغاب
ردّت مختلف قيادات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ومختلف الجهات الفلسطينية، بالرفض المطلق على مقترح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتعلق بتهجير سكان قطاع غزّة وفرض السيطرة الأمريكية على هذا الجزء المنكوب من الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" في قطاع غزّة، باسم نعيم، أن ما صرح به الرئيس الأمريكي، حول نيّته تهجير سكان قطاع غزّة إلى خارجه وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع بالقوة، هو جريمة ضد الإنسانية وتعزيز لشريعة الغاب على المستوى الدولي.
وقال نعيم، إنه "على مدار 15 شهرا حاول نتنياهو وحكومته الفاشية تهجير سكان قطاع غزّة وفشلوا في تحقيق هذا الهدف أمام صمود شعبنا وتمسكه بأرضه ووطنه"، مشددا على أن ما فشل فيه الاحتلال لن تنجح أي إدارة أمريكية أو قوة في العالم في تنفيذه.
وبينما شدد على أن غزّة بحاجة عاجلة لخطط شاملة لإعادة الإعمار بعد الدمار المنهجي الذي سببه العدوان عليها خلال 15 شهرا، أوضح القيادي في "حماس" أن مشكلة إعادة الإعمار ليست في وجود الشعب الفلسطيني على أرضه، ولكنها بالأساس في استمرار الاحتلال الصهيوني والحصار الخانق لقطاع غزّة منذ أكثر من 17 عاما بدعم أمريكي. وطالب نعيم، بتحرك إقليمي ودولي عاجل لوضع حد لهذه المخططات الخبيثة، لأن أي محاولات لتنفيذ مثل هذه الخطط ستزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة.
وكانت حركة "حماس" أدانت في بيان لها تصريحات ترامب التي وصفتها بأنها عدائية للشعب والقضية الفلسطينية، ولن تخدم الاستقرار في المنطقة وستصب الزيت على النّار. وأكدت بأنها والشعب الفلسطيني وقواه الحيّة لن تسمح لأي دولة في العالم احتلال أرضه، أو فرض الوصاية على هذا الشعب العظيم الذي قدّم أنهارا من الدماء لتحريرها من الاحتلال ولإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
ودعت "حماس" الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب إلى التراجع عن تلك التصريحات غير المسؤولة، والمتناقضة مع القوانين الدولية والحقوق الطبيعية لشعبنا الفلسطيني في أرضه، كما دعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، إلى الانعقاد العاجل لمتابعة تلك التصريحات الخطيرة، واتخاذ موقف حازم وتاريخي يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية، وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
من جانبه وصف المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة، تصريحات ترامب بالعنصرية وقال إنها "مُدانة ومرفوضة وشعبنا العظيم لن يُهجَّر مجددًا والاحتلال هو من يجب أن يرحل من فلسطين". وأضاف "نتفق مع الرئيس ترامب في نقطة واحدة فقط، وهي أن سكان غزّة لا يرغبون في العودة إلى مخيماتهم المدمرة، لأنهم لم يختاروا هذه المخيمات يومًا، بل تم تهجيرهم قسرًا من قراهم ومدنهم الأصلية عام 1948". وعليه فإن "الحل الحقيقي والعادل لا يكون بإعادة تهجيرهم أو فرض مخططات تصفوية، بل بتمكينهم من العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسرًا وفقًا للقرارات الدولية". وإلى حين ذلك طالب المكتب الإعلامي، بإدخال كافة المساعدات ومواد الإعمار إلى قطاع غزّة دون قيود أو شروط.
نفس موقف الإدانة عبّر عنه المجلس الوطني الفلسطيني، الذي أكد أن هذه التصريحات تتنافى مع القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومع المثل والمبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة الأمريكية. وشدد على أن أي محاولات لإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزّة وفلسطين هي أفكار مرفوضة وخارجة عن السياق والتاريخ، لأن غزّة وفلسطين ستبقيان لأهلهما وشعبهما ولن يكون هناك أي حل خارج إطار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
لليوم العاشر على التوالي
قوات الاحتلال تواصل عدوانها على طولكرم ومخيمها
واصلت قوات الاحتلال الصهيوني، أمس، عدوانها المستمر على مدينة طولكرم ومخيمها بالضفة الغربية لليوم العاشر على التوالي وسط تعزيزات عسكرية ونزوح قسري لمئات العائلات من المخيم تحت التهديد.
وتفيد مختلف التقارير الإعلامية بأن مخيم طولكرم يعيش أوقاتا عصيبة مع استمرار الحصار المطبق الذي فرضه الاحتلال عليه وما تخلله منذ اليوم الأول للعدوان من تدمير كامل للبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، والتي تعرّضت للتجريف والتفجير والحرق وما رافقه من مداهمة للمنازل وطرد سكانها تحت تهديد السلاح والاستيلاء عليها وتحويلها لثكنات عسكرية.
ودفعت قوات الاحتلال بمزيد من آلياتها إلى المخيم ونشرت دوريات المشاة داخل كافة حاراته ومحيطه، في الوقت الذي استولت فيه على مزيد من المنازل والمباني التجارية المتاخمة له وتحديدا في الحي الشرقي للمدينة وشارع نابلس المحاذي لمدخله الشمالي وجهة مستشفى "الشهيد ثابت ثابت" الحكومي.
وتواصلت عملية النزوح القسري لعائلات بأكملها من داخل المخيم باتجاه المدينة تحت تهديد السلاح وسط جهود طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي تعمل يوميا على إخلاء كبار السن والمرضى ونقلهم إلى مراكز الإيواء المنتشرة في المدينة وضواحيها وعدد من قرى وبلدات المحافظة.
وقال شهود عيان من داخل المخيم بأن هذا الأخير أصبح فارغا من سكانه ولم يتبق سوى بعض العائلات التي تعد على الأصابع تعيش دون أدنى مقومات الحياة، حيث النقص الحاد في الطعام والمياه والأدوية وحليب الأطفال في ظل انقطاع المياه والكهرباء والاتصالات.
وفي مدينة طولكرم، اعتقلت قوات الاحتلال فجر أمس شابا فلسطينيا بعد مداهمتها لمنزل في الحي الشرقي منها وهو من سكان مخيم نور شمس. والمواطنين منذر اكبارية وأولاده همام وعاصم اكبارية من منازلهم في ضاحية شويكة شمال المدينة. كما داهمت منازل أخرى في ضاحية اكتابا شرق المدينة تعود لعائلات الخولي والهوجي والشيخ مظهر. وحقّقت مع أصحابها واحتجزتهم لبعض الوقت قبل إخلاء سبيلهم.
وتواصل قوات الاحتلال حصارها على مستشفى "الشهيد ثابت ثابت" الحكومي وتنشر المشاة على مداخله وتستولي على مبنى العدوية التجاري المتاخم له منذ اليوم الأول للعدوان وحولته الى ثكنة عسكرية، فيما تنتشر آليات الاحتلال على مدخله القريب من المستشفى وتمنع الاقتراب من المكان.