بعد عامين من حرب إبادة مروعة في غزة

سريان وقف إطلاق النار وعودة مئات آلاف النازحين

سريان وقف إطلاق النار وعودة مئات آلاف النازحين
  • 138
ص. محمديوة ص. محمديوة

دخل اتفاق وقف إطلاق النار، منتصف نهار أمس بتوقيت قطاع غزة، حيز التنفيذ بعد عامين كاملين من حرب إبادة شرسة ومروعة اقترف خلالها الكيان الصهيوني أبشع وأفضع المجازر والمذابح في حق شعب اعزل ذنبه الوحيد انه فلسطيني بقي متمسك بارضه وارض أباءه وأجداده ورفض كل خطط التهجير رغم التطهير العرقي الذي تعرض له بأبشع صوره.

ووقع الإعلان بوقف إطلاق النار مثل الماء البارد ليثلج صدور سكان غزة الذين عانوا وحدهم ويلات الحرب والإبادة والتجويع والتهجير والتشريد وتنفسوا الصعداء في أول جمعة بعد وقف حرب الإبادة وقد أشرقت شمس جديدة على غزة غاب معها صوت ازيز الطائرات الحربية ومتفجرات المدافع الصهيونية وانطفأ لهيب نار حامية أحرقت كل شيء ولم تترك لا حجر ولا شجر في أرض ارتوى ترابها حد الثمالة بدماء أبنائها العزل، وقد ارتقى منهم أكثر من 67 ألف شهيد وقرابة 170 ألف مصاب في حصيلة مروعة تترجم عمق المآسي والكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي خلفتها حرب الإبادة الصهيونية في القطاع المنكوب.

ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، توجهت الأنظار نحو المرحلة الأولى منه والتي تنص على الشروع خلال الـ72 ساعة الموالية في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى من خلال إفراج المقاومة عن 20 أسيرا إسرائيليا على قيد الحياة دفعة واحدة، مقابل إطلاق إسرائيل سراح أكثر من ألفي فلسطيني من بينهم 250 يقضون أحكاما بالسجن مدى الحياة و1700 اعتقلوا منذ بدء الحرب قبل عامين.

كما سيتم خلال هذه المرحلة إدخال 400 شاحنة مساعدات كحد أدنى يوميا إلى القطاع "خلال الأيام الخمسة الأولى بعد وقف إطلاق النار" مع زيادتها في الأيام المقبلة، اضافة الى عودة النازحين من جنوب القطاع إلى مدينة غزة بوسط وشمال القطاع فور بدء تنفيذ الاتفاق.

أما المفاوضات بشأن تطبيق المرحلة الثانية من خطة الرئيس الامريكي، دونالد ترامب فستبدأ "فور" بدء تنفيذ المرحلة الأولى في وقت ينص فيه الاتفاق على بدء الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من القطاع.  وهو ما بدء في تنفيذه جيش الاحتلال الذي أعلن، أمس، أنه يواصل انسحابه التدريجي إلى شرق القطاع وسيستكمل انسحابه من مدينة غزة خلال 24 ساعة، فيما أوصت وزارة الداخلية بغزة المواطنين بالحذر حفاظا على سلامتهم. واشارت إلى أن أجهزتها ستبدأ الانتشار واستعادة النظام في المناطق التي ينسحب منها الاحتلال.  وبحسب الخطة التي أعلن عنها سابقا البيت الأبيض ووثقها بخريطة تظهر خطوط انسحاب القوات الإسرائيلية، سيبدأ مسار الانسحاب من بيت حانون في شمال غزة، ليمر عبر بيت لاهيا ومدينة غزة والبريج ودير البلح وخان يونس وخزاعة على أن ينتهي عند رفح في جنوب القطاع في مراحل لاحقة. وسيتم التنفيذ بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، مرورا بالمراكز السكانية الرئيسية في القطاع.

وشهد قطاع غزة، أمس، طوفانا بشريا من الفلسطينيين العائدين إلى مناطقهم في مدينة غزة والشمال عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين بالتزامن مع انسحاب قوات الاحتلال إلى خطوط الانتشار الجديدة نحو ما يعرف بـ "الخط الأصفر" وفق اتفاق وقف إطلاق النار المعلن عنه، الخميس، بمنتجع شرم الشيخ المصري بين حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" والكيان الصهيوني برعاية امريكية.

وتناقلت وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي مشاهد مؤثرة لعودة آلاف العائلات النازحة إلى شمال القطاع عقب بدء اتفاق وقف النار حيز التنفيذ رغم بعض المخاوف والشكوك التي بقيت تلوح في الافق بشان امكانية تنصل حكومة الاحتلال لالتزاماتها كما تفعل في كل مرة.

ويرى محللون سياسيون أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لم يكن ممكنا لولا صمود المقاومة الفلسطينية ميدانيا وفشل حكومة الاحتلال في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، بما دفعها إلى القبول باتفاق كانت ترفضه سابقًا، في ظل تغيرات إقليمية ودولية واضحة في مقدمتها الدعم العالمي الذي حظيت به القضية الفلسطينية في مختلف العواصم الدولية.

وليس ذلك فقط، فحتى تصريحات الرئيس الامريكي نفسه الذي قال انه أخبر نتنياهو بان "اسرائيل غير قادرة على محاربة العالم" دليل قاطع على ادارك ترامب لحالة العزلة الدولية التي وقعت فيها الكيان الصهيوني بسبب حربه المجنونة على غزة والتي كشفت ووجه الدموي واسقطت سرديته المزيفة وورطت الولايات المتحدة في هذه الابادة. 


قال ان الحركة تسلمت ضمانات من الوسطاء والادارة الامريكية .. خليل الحية:

العالم وقف مذهولا أمام تضحيات أهل غزة 

قال رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة خليل الحية، إن "العالم وقف مذهولا أمام ما قدمه أهالي قطاع غزة من تضحيات وثبات وصبر" وهم الذين "خاضوا حربا لم يشهد لها العالم مثيلا وتصدوا لطغيان العدو وبطش جيشه ومجازره".

وأكد الحية في كلمة له، أول أمس، أن "أهالي غزة وقفوا كالجبال لم تفتر لهم عزيمة في وجه القتل والنزوح والجوع وفقدان الأهل وخسارة البيوت"، مشيرا إلى أنه "وفي ذكرى معركة 7 أكتوبر المجيدة نحيي شهداءنا من القادة مفجري الطوفان هنية والعاروري والسنوار والضيف".

وتابع بالقول "نقف أمام بطولات رجال المقاومة الذين قاتلوا من نقطة صفر وكانوا كالطود العظيم أمام دبابات الاحتلال، أبطال المقاومة أفشلوا كل ما خطط له العدو من تهجير وتجويع وصناعة للفوضى". وأضاف "نقول لأبطال المقاومة كما كنتم رجالا في القتال كنا رجالا على طاولة المفاوضات"، مؤكدًا أن "العدو ماطل وارتكب المجازر تلو المجازر وأجهض جهود الوسطاء مرارا، ورغم ما دأب عليه العدو من خرق للعهود والاتفاقات واصلنا التفاوض وبذل كل جهد لوقف العدوان". ونوه الحية، الذي فقد نجله في القصف الصهيوني الذي استهدف وفد الحركة المفاوض في الدوحة القطرية، إلى أن "حماس" تعاملت "بمسؤولية عالية مع خطة الرئيس الأمريكي وقدمنا ردا يحقق مصلحة شعبنا وحقن دمائه".

وذكر بأن "الاتفاق الذي جرى التوصل إليه يشمل دخول المساعدات وفتح معبر رفح وتبادل الأسرى، وأنه سيتم بموجبه إطلاق سراح 250 من الأسرى ممن حكم عليهم بالمؤبد و1700 من أسرى قطاع غزة"،  كما لفت الى ان الحركة تسلمت ضمانات من  الوسطاء ومن الإدارة الأمريكية مؤكدين جميعا أن الحرب انتهت بشكل تام. وتوالت أمس ردود الفعل الدولية المرحبة بوقف اطلاق النار في غزة بعد معاناة دامت عامين كاملين، حيث أكدت إيران دعمها أي إجراء ومبادرة تسهم في وقف الحرب والإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وذكرت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها أن "إيران دعمت دائما أي إجراء أو مبادرة تسهم في وقف حرب الإبادة الجماعية وانسحاب جيش الاحتلال ودخول المساعدات الإنسانية وتحرير الأسرى الفلسطينيين وإقرار الحقوق الأساسية للفلسطينيين"، مشددة على ضرورة التحلي بالوعي إزاء نكث إسرائيل لعهودها. وأضافت أنها استخدمت على مدى هذين العامين جميع طاقاتها الدبلوماسية للضغط على الكيان الصهيوني من أجل وقف الإبادة الجماعية وانسحاب المحتل من غزة.

وجددت الخارجية الايرانية التأكيد على أن وقف الجرائم في غزة لا يعفي الحكومات والمنظمات الدولية من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية بمحاسبة قادة ومنفذي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية في قطاع غزة وذلك بهدف وضع نهاية لإفلات الكيان الصهيوني من العقاب. من جانبه، أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن موسكو تدعم اتفاق وقف إطلاق النار بصفته مرحلة أولى للتوصل إلى تسوية في قطاع غزة، مشددا على ضرورة إدخال المساعدات بشكل فوري إلى القطاع.

وقال بيسكوف خلال مؤتمر صحفي "لا يسعنا إلا أن نرحب بالجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة, وجميع هذه الجهود موضع ترحيب.. وروسيا تؤكد ضرورة أن يتم إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل فوري وأن تتلو ذلك إجراءات لتنفيذ الاتفاقيات". اما وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، فقد أكد أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في قطاع غزة يمثل "لحظة تاريخية حاسمة"، مضيفا بأنه "أول خطوة رئيسية في عملية طويلة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".

وأكد تاياني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انه "سيستمر التزامنا في هذا الاتجاه لتحقيق الاستقرار النهائي في المنطقة ووقف قتل المدنيين وضمان المساعدات الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية والضرورية في غزة ". وأضاف "إنه جهد مشترك من جانب المجتمع الدولي بأسره"، مشددا على دعم الحكومة الإيطالية لهذا الجهد. 


 بما ينهي الحصار ويضمن المساءلة ويكفل حياة كريمة وآمنة للفلسطينيين

إعلان وقف الإبادة الجماعية يجب أن يكون حقيقا وشاملا 

أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة ، أمس، أن أي إعلان عن وقف الإبادة الجماعية يجب أن يكون وقفا حقيقيا وشاملا لا صوريا، يُنهي الحصار ويضمن المساءلة ويكفل حياة كريمة وآمنة للشعب الفلسطيني الذي صمد عامين كاملين تحت القصف والتجويع والدمار والتهجير القسري.

وطالب المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة، في بيان له أمس، تزامنا مع دخول اتفاق وقف إطلاق النّار في غزّة حيز التنفيذ، بضمان وقف فوري وشامل للإبادة بكل أشكالها بما يشمل القتل والقصف والتجويع والحصار والتهجير القسري ورفع الحصار الكامل عن قطاع غزّة، وفتح جميع المعابر فورا لإدخال المساعدات دون قيود سياسية. وطلب أيضا المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية والقانونية والمحكمة الجنائية الدولية، بمحاسبة قادة الاحتلال وعدم منحهم أي حصانة سياسية أو قانونية وتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جرائم الحرب والإبادة وضمان عودة جميع النازحين وتعويضهم.

كما طالب بخطة عاجلة لإعادة إعمار قطاع غزّة بشكل شامل بتمويل عربي ودولي وفق آلية شفّافة تضمن وصول الموارد إلى المدنيين وبحماية الطواقم الطبية والإعلامية والإنسانية وفق اتفاقيات جنيف، وإعادة جثامين الشهداء الذين سرقهم الاحتلال والإفراج الفوري عن جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال دون تأخير، وإجلاء عاجل للمرضى والجرحى وخاصة الأطفال ومرضى السرطان لتلقي العلاج في الخارج.

وجاء في البيان "نقف اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة بعد مرور عامين كاملين "735 يوم" من أفظع الجرائم التي ارتُكبت في التاريخ المعاصر ضد 2.4 مليون مدني فلسطيني في قطاع غزّة، تعرضوا لإبادة جماعية ممنهجة شملت كل مظاهر الحياة: البشر والشجر والحجر والمؤسسات". وذكر بما ارتكبه الاحتلال الصهيوني خلال هذه الفترة من جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفق تعريفات القانون الدولي، استخدم فيها الغذاء والماء والدواء كسلاح حرب، وهدم البنية التحتية المدنية بنسبة 90 بالمئة وسيطر على أكثر من 80 بالمئة من مساحة القطاع بالاجتياح والنار والتهجير القسري الذي يعد جريمة ضد الإنسانية وضد القانون الدولي.

وذكر بأن الاحتلال ألقى أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزّة، وقصف منطقة المواصي أكثر من 150 مرة رغم زعمه أنها كانت "منطقة إنسانية آمنة"، ليؤكد أن استهداف المدنيين كان سياسة ممنهجة لا خطأً عارضا. وخلال عامين فقط، بلغ عدد الشهداء والمفقودين حوالي 77 ألف شهيد ومفقود وصل منهم إلى المستشفيات أكثر من 67 ألف شهيد، بينما لا يزال 9500  فلسطيني في عداد المفقودين.

ومن بين الشهداء أكثر من 20 ألف طفل و12 ألفا و500 امرأة من بينهم 9 آلاف أم، إضافة إلى أكثر من ألف طفل لم يتجاوزوا العام الأول من عمرهم و450 رضيع ولدوا واستُشهدوا خلال الإبادة الجماعية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما ارتكب الاحتلال مجازر بشعة بحق أكثر من 39 ألف أسرة من بينها آلاف الأسر أُبيدت بالكامل أو لم ينج منها سوى فرد واحد، ليصبح أكثر من 55 بالمئة من الشهداء هم من الأطفال والنّساء والمسنّين. وواصل البيان تعداد حجم المجازر المروّعة التي استهدفت الإطارات الطبية والإنسانية وطواقم الإغاثة والإسعاف والدفاع المدني والصحفيين ومختلف القطاعات من تعليم ورياضة وتراث، وكل ما له علاقة بالهوية والتاريخ الفلسطيني كان محل استهداف وحشي من آلة دمار صهيونية تلذذت بقتل أبناء الشعب الفلسطيني على المباشر أمام أنظار كل العالم.

وفي المجمل بلغت الخسائر الأولية المباشرة لكافة القطاعات الحيوية أكثر من 70 مليار دولار، بما يعكس حجم الدمار الشامل والممنهج الذي تعرض له قطاع غزّة على مدار عامين كاملين من الإبادة الجماعية. وفي ضوء توقيع اتفاق وقف إطلاق النّار، ومع بدء مرحلة جديدة من العمل الوطني والإنساني، وجه المكتب الإعلامي نداء وطنيا إلى أبناء الشعب الفلسطيني للتعاون الكامل مع الأجهزة الحكومية والإنسانية في أداء التكليفات الميدانية والمهنية المطلوبة في جميع القطاعات، كل في موقعه بما يعزّز صموده ويسهم في إعادة الحياة تدريجيا إلى القطاع الصامد.