بعد إعلان اللواء خليفة حفتر نفسه حاكما لليبيا

شعور بقرب نهايته أم بداية مغامرة عسكرية جديدة بإيعاز خارجي؟

شعور بقرب نهايته أم بداية مغامرة عسكرية جديدة بإيعاز خارجي؟
  • 1185
م. مرشدي م. مرشدي

من موسكو إلى واشنطن ومن أنقرة إلى بروكسل ومختلف العواصم الأوروبية، مرورا بنيويورك توالت المواقف الدولية، رافضة للخطوة التي أقدم عليها اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر بإعلان نفسه ومن جانب واحد، حاكما جديدا  لليبيا بدلا عن حكومة الوفاق  الوطني التي تبقى بمثابة السلطة الشرعية الوحيدة في هذا البلد منذ سنة 2015.   

وأكد اللواء، حفتر في تصرف مفاجئ، تحويل كل السلطات في ليبيا إلى الجيش الوطني الليبي الذي يقوده بمدينة بنغازي في أقصى شرق البلاد بمبرر أنه فعل ذلك "تلبية لإرادة الشعب" الذي كلفه بذلك، دون أن يوضح الكيفية التي تم تكليفه بواسطتها لإعلان نفسه الرقم الأول في بلد مهدد بتقسيم أراضيه إلى دويلات محلية.

وفتح قرار خليفة حفتر باعتبار نفسه حاكما لليبيا بدلا عن غريمه رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج الباب الليبي على مصراعيه باتجاه المجهول في ظل حالة الغموض السائدة، من حيث حقيقة الوضع العسكري وأيضا من حيث مواقف الدول الكبرى التي تظهر موقفا وتخفي مواقف أخرى  في تعاملها مع أطراف الأزمة الليبية ضمن حرب مصالح معلنة على خيرات هذا البلد.

وكرست مثل هذه الازدواجية في التعامل درجة تيهان الأمم المتحدة التي ترعى مسارا سياسيا لإنهاء هذه الحرب، بين تجاذبات مختلف القوى الإقليمية والدولية، التي عملت ضمن تصرفات غير مفهومة على رعاية ندوات دولية لإنهاء الأزمة الليبية كان آخرها ندوة برلين الألمانية يوم 19 جانفي الماضي، ولكنها لا تجد حرجا في الدوس على مخرجاتها في اليوم الموالي، بالوقوف إلى جانب هذا الطرف على حساب الآخر ضمن صراع لم يزد الشعب الليبي إلا معاناة ومآسي متلاحقة.

وبقدر ما دفع هذا الإعلان بليبيا باتجاه المجهول فانه فتح الباب أيضا للتساؤل حول  الدوافع التي جعلت خليفة حفتر يتخذ هذا القرار، وهل جاء فعلا للتغطية على فشل خططه المتوالية لفرض منطقه العسكري على سلطات طرابلس أم أن الرجل يدرك ما يريد وأنه تحرك وفق خطة مدروسة لتحقيق حلمه في التربع على كرسي الرئاسة في طرابلس.

وإذا سلمنا بمثل هذه الفرضية فان ذلك يعني أنه حصل على ضمانات من قوى أجنبية متورطة في الشأن الليبي لتمكينه من تحقيق طموحاته السياسية التي طالما راودته منذ عودته بعد ربع قرن من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي شهر أكتوبر 2011.

ولكن عندما نعرف أن روسيا أكبر حليف له أكدت عدم تزكيتها لمثل هذه الخطوة، زادت درجة الغموض حول خلفيات مثل هذا التصرف وخاصة وأن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف كان واضحا في أول رد فعل حول هذه التطورات وقال بأن بلاده تعترض على قرار أحادي الجانب وحول الطريقة التي يريد الشعب الليبي العيش في إطارها.

وهو موقف أيدته دول الاتحاد الأوروبي التي أدانت جميعها مثل هذا الإعلان في وقت تأسفت الولايات المتحدة للقرار وقالت انه قرار أحادي الجانب، ضمن موقف صريح بأنها تعارضه.

وهو نفس الموقف الذي أكدت عليه الأمم المتحدة وقالت أنها لا تعترف في ليبيا  إلا ببنود الاتفاق الليبي والهيئات المنبثقة عنه التي تبقى الاطار الوحيد المعترف به  في هذا البلد" في إشارة إلى اتفاق نهاية شهر ديسمبر 2015.

ولكنها مواقف تبقى مبتورة في ظل الصمت الذي التزمته إيطاليا الدولة الاستعمارية السابقة لليبيا والتي لا تريد لقوى أخرى أن تنافسها في بلد تعتبره عمقها الاستراتيجي أو فرنسا التي سعت منذ عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، سحب البساط من تحت أقدام روما أو ألمانيا التي أقحمت نفسها هي الأخرى على رقعة الشطرنج الليبية من خلال رعايتها لندوة برلين شهر جانفي الماضي.

وهو الأمر كذلك بالنسبة لمواقف دول إقليمية متورطة بطريقة أو بأخرى  إلى جانب هذا الطرف أو ذاك في معادلة الحرب الليبية، باستثناء السلطات التركية التي سارعت إلى تأكيد وقوفها إلى جانب حكومة فايز السراج ومنع سقوطها بينما بقيت قطر الموالية لها تلتزم الصمت تماما كما فعلت الأمارات العربية المتحدة ومصر المواليتين للواء خليفة حفتر.

السراج: إنه انقلاب على الشرعية

وبغض النظر عن مواقف القوى الأجنبية التي عمقت الشرخ الليبي فإن فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني اعتبر تصرف غريمه بأنه انقلاب آخر على الشرعية الدولية التي تحظى بها حكومته منذ الاتفاق الليبي، المتوصل إليه برعاية أممية نهاية سنة 2015، والذي سبق للواء، حفتر أن طعن في شرعيته واعتبره سنة 2017 لاغيا ولم يعد صالحا لتسوية الأزمة الليبية ، وقال حينها إنه لا يعترف بمخرجات الاتفاق  وانه سيعمل بشتى الطرق للاستيلاء على السلطة في طرابلس ضمن حلم بقي مؤجلا إلى حد الآن.

ولكن هل فعلا، أن إعلان حفتر جاء للتغطية على فشل هجومه على العاصمة الليبية في الرابع أفريل من العام الماضي والذي مني بانتكاسة عسكرية  بعد تدخل تركيا وإعلانها الوقوف إلى جانب حكومة الوفاق الوطني؟

ومهما كانت خلفيات تحرك اللواء حفتر، فإن حكومة الوفاق الوطني سوقت  لمثل هذه المقاربة وأكدت أنه قرار اتخذ كذلك للتغطية على سلسلة الهزائم العسكرية التي منيت بها قواته قبل أسبوعين بفقدها سيطرتها على مدينة طرهونة الاستراتيجية في غرب البلاد ومحاصرة قوات حكومة الوفاق بدعم تركي معلن لأكبر قاعدة عسكرية سبق لقوات خليفة حفتر أن استولت عليها على بعد 50 كلم إلى جنوب العاصمة طرابلس والتي كانت تشكل قاعدة خلفية لقواته في الجزء الغربي من البلاد.    

قد يكون لمثل هذه الفرضية جزء من الحقيقة إلا أن متتبعين أرجعوا ذلك إلى مواقف وتصريحات أبداها، عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق الموالي لخليفة حفتر في الأيام الأخيرة والتي دعا من خلالها إلى إعادة ترتيب البيت الليبي عبر حوار شامل لتجديد حتى هرم حكومة الوفاق الوطني عبر انتخابات جديدة.

وهو موقف يكون حفتر قد اعتبره بمثابة بداية انقلاب ضده وخطوة قد تفقده كل شرعية في حال انقلب عليه نواب برلمان شرق ليبيا "طبرق" والذين سبق لهم أن نصبوه قائدا للجيش الوطني الليبي في بنغازي. وهو ما يفسر تركيز خليفة حفتر  لدى إعلانه عن قراره على الشرعية الشعبية التي عينته حاكما للبلاد ضمن طريقة ذكية لسحب البساط من تحت كل الداعين إلى حوار ليبي جامع بما فيهم نواب من برلمان طبرق الذي كان يعتبره ذراعه السياسي في وجه الشرعية الدولية في طرابلس.

ويكون التململ الذي عرفته كواليس برلمان طبرق وظهور فكرة الحوار هي التي جعلت حكومة الوفاق الوطني تسارع إلى استغلال ذلك لتوجه  دعوة باتجاه نواب هذه الهيئة التشريعية للانضمام إلى زملائهم في برلمان طرابلس ونزع كل شرعية شعبية عن اللواء حفتر.