من ثقب الأوزون إلى الانبعاثات الغازية
كوكب الأرض رهين مصالح القوى الكبرى
- 739
التقى أمس رؤساء دول وحكومات 150 دولة بالعاصمة الفرنسية باريس، في محاولة لإنقاذ كوكب الأرض من كارثة بيئية أصبحت تهدد مئات الملايين من سكانها بموت بطيء بعد أن شح ماؤها وتدهورت تربتها وذاب جليدها وجفت منابعها. والتقى هؤلاء في موقع "لو بورجي"، حيث عكفوا ضمن ندوة "كوب ـ 21" على تشريح وضع الأرض ضمن عملية جراحية لاستئصال ورم خبيث اسمه الانبعاثات الغازية التي جعلت هذا الكوكب يترهل بأمراض وضحاياه في ازدياد أيضا. ورغم دخول الجميع إلى قاعة العمليات ورغم تمكنهم من تحديد الداء وسبل علاجه، إلا أنهم بقوا في حيرة من أمرهم حول من يتخذ قرار بقاء كوكبنا حيا، هل القوى الكبرى سبب متاعبه الصحية أم جميع دول العالم، ما دامت تشكل جزء منه؟
وبقي الأمر رهين حسابات هؤلاء في وقت يدفع ضحايا الورم الخبيث من شعوب العالم المغلوبين على أمرهم، الذين يدفعون ثمن جشع الأقوياء الذين شكلوا مسببات أمراض كوكب ضاق ذرعا بساكنته الملوثين لجوه وأرضه وبحاره وحتى محيطاته. وحتى إن كانت القناعة لدى المتسببين فيما تعاني منه الأرض يملكون وصفة العلاج من خلال اتفاق عالمي بينهم لوقف استمرار انهيار وضعها الصحي، إلا أنهم لا يريدون فعل ذلك حفاظا على مصالحهم الآنية رغم قناعتهم أن العلاج الشافي في مصلحتهم قبل غيرهم ولكنهم لا يفعلون.
وقد تداول كل الرؤساء على منبر قاعة المحاضرات التي أعدها الرئيس الفرنسي لهم وراح كل واحد منهم يتعهد طيلة ثلاث دقائق الممنوحة لهم بتقديم وصفته العلاجية التي يعتقد أنها تنقذ الأرض ومن عليها ولكن لا أحد التزم بتعهداته لاحقا لاحترام ميثاق أخلاقي لكوكب زادت درجة حرارته وفاضت أوديته ومحيطاته وزالت رئاتها في الأمازون وأدغال آسيا وإفريقيا لصالح شركات عالمية همها الربح ليس إلا، وفي مقابل ذلك لم يعد الملايين يجدون قوت يومهم من أرض كانت تضمنه لهم رغم المشقة والعناء. وهو ما يجعل هذه الندوات مجرد لقاءات بروتوكولية في الأجندة العالمية بدليل أن جدول أعمال ندوة باريس تم تحويره من مجرد حماية كوكب الأرض المتفق عليه سلفا لتضاف إليه فكرة محاربة الإرهاب لندرك أن مسعى المحافظة على الأرض سيضيع في متاهة الحسابات السياسية، وأن القوى الكبرى همها الوحيد ضمان قوتها وأما الأرض فتأتي في الدرجة الرابعة من حيث الاهتمام.
وأضيفت هذه النقطة بالذات رغم أنها لا علاقة لها بالأرض وبيئتها ونقاوة هوائها إرضاء لفرنسا التي ضربت في مقتل يوم 13 نوفمبر الماضي وتريد أن تمحي آثار تلك الضربات الموجعة بتنظيم هذا المنتدى العالمي لطمأنة الفرنسيين قبل غيرهم أنهم في مأمن وأن تنظيم ملتقى بهذا الحضور النوعي المكثف يعكس قدرة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وحكومته على منع تكرار مثل هذه العمليات بعد أن تم تسخير أكثر من 6 آلاف رجل أمن وعسكري لحماية ضيوف فرنسا من أي مكروه. ووقف الرئيسان الصيني، كسي جين بنغ والأمريكي، باراك أوباما، أكد ملوثي المعمورة على طرفي نقيض لا أحد أبدى استعداده لتقليص الانبعاثات الحرارية التي تكاد تخنق العالم مما لم يقم الآخر بذلك.
وهي شحناء جعلت صغار العالم يتابعون الصراع البيئي بين أكبر قوتين اقتصاديتين في موقع المتفرج غير القادر على فعل أي شيء. وإذا كانت القمة ستتواصل إلى غاية الحادي عشر من الشهر الجاري، بحضور 40 ألف مشارك والاستماع إلى 10 آلاف مندوب والاطلاع على أبحاث 14 ألف خبير بيئي وممثلي المجتمع المدني وتعاليق 3 آلاف صحفي قدموا من كل بقاع الأرض، فإن القمة ستنتهي ويعود الكل من حيث جاؤوا وتطوى صفحة ندوة "كوب ـ 21" وحال الأرض على حاله إن لم نقل أن هؤلاء أنفسهم سيحضرون العام القادم أشغال ندوة "كوب ـ 22" ليقفوا على حقائق أكثر كارثية ويتأكدوا أن ما قيل من تعهدات هذا العام لم تكن سوى تصريحات فرضتها الإجراءات البروتوكولية في ندوة عالمية.
ويتذكر العالم قمة ريو البرازيلية قبل 23 عاما التي دق فيها العالم أجمع أغنياؤه وفقراؤه ناقوس خطر ثقب الأوزون والحرارة الزائدة على كوكب الأرض وتعهد الجميع بتضييق هذا الثقب إلا أن توالي القمم لم يغير من الطرح شيئا بعد أن تغلبت أنانية الأقوياء على واقع أرض ما انفك يتدهور حالها من يوم لآخر. وهو ما يفسر تدفق الآلاف من حماة الطبيعة والأرض إلى محيط قصر المعارض الذي أقيمت فيه الندوة لفضح نفاق هؤلاء وزيف وعودهم التي بقيت إلى حد الآن رهينة مصالح قوى ترفض الامتثال لتوصيات 20 ندوة بقيت حبرا على ورق.