لطي صفحة انتكاسة وحدات المارينز في الصومال سنة 1993

كيري في زيارة سرية إلى موقاديشو

كيري في زيارة سرية إلى موقاديشو  �
  • القراءات: 652 مرات
م. مرشدي� م. مرشدي

وصل وزير الخارجية الامريكي، جون كيري، أمس، الى العاصمة الصومالية في سرية تامة وضمن زيارة مفاجئة هي الأولى لمسؤول أمريكي إلى هذا البلد منذ مغامرة وحدات المارينز الفاشلة في الصومال قبل أكثر من عشرين عاما.

وحتى إن لم تستغرق الزيارة أكثر من ثلاث ساعات بالعاصمة الصومالية ولم تتعد حدود مطارها الدولي، إلا أنها حملت دلالات سياسية قوية من الولايات المتحدة تجاه السلطات الصومالية وتجاه هذا البلد الممزق بحرب أهلية منذ سنة 1991، تاريخ الانقلاب على الرئيس محمد زياد بري.

ولم يجد جون كيري لتأكيد الدعم الامريكي للرئيس حسن شيخ محمود سوى توجيه عبارات إطراء باتجاه الشعب الصومالي بعد أن حيا صبره والانجازات المحققة من طرف قوات بلاده في محاربة الإرهاب.

وراح رئيس الدبلوماسية الامريكي يغدق في تصريحاته الممجدة لهذا البلد وهو يعلم قبل غيره أن الأوضاع في هذا البلد لم تبلغ المرجو بدليل الهجمات التي ينفذها عناصر حركة الشباب المجاهدين حتى وإن تراجعت وتيرتها إلا أنها مازالت تعكر صفو الأجواء في قلب العاصمة موقاديشو وحتى في محيط القصر الرئاسي ومقر الحكومة.

وبدليل أن الحكومة الصومالية لم تتمكن من فرض سلطاتها إلا على العاصمة موقاديشو الى درجة أن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود لم يكن بمقدوره أن يستقبل ضيفه بالقصر الرئاسي وفضل أن يكون اللقاء داخل المطار الدولي للعاصمة موقاديشو وسط إجراءات عسكرية غير مسبوقة، تفاديا لأي طارئ رغم أن الزيارة أحيطت بتكتم تام.

وعمدت كتابة الخارجية الأمريكية لتفادي هذا الطارئ إلى التمويه والتكتم حول هذه الزيارة، حيث أكدت أن كيري سيغادر كينيا التي يزورها لأول مرة باتجاه دولة جيبوتي المجاورة قبل أن يفاجئ الجميع بتوقفه بمطار العاصمة الصومالية.

ولكن الزيارة جاءت لتؤكد الاهتمام الذي توليه الادارة الأمريكية لهذا البلد وهي لم تنس بعد تبعات أول إنزال عسكري أمريكي فاشل في الصومال بالنظر الى موقعه الجغرافي والأهمية الإستراتيجية التي يكتسيها في حسابات القوى الكبرى مما جعله محل صراع القوى  الكبرى وتجاذبات المعسكرين الشيوعي والرأسمالي خلال عقود الحرب الباردة. 

واعتقد حينها الجميع أن الولايات المتحدة فازت بولاء هذا البلد وزعماء الحرب على حساب الاتحاد السوفياتي الذي كان يريد هو الآخر أن يضع موطأ قدم له في منطقة القرن الإفريقي ومراقبة أكبر شريان بحري في العالم على المحيط الهادي.

ولكن المغامرة الأمريكية ما لبثت أن انتهت بنفس السرعة التي نزلت بها وحدات المارينز المدججة بأعتى الأسلحة بعد أن تكبدت أولى خسائرها البشرية في أبشع مشاهد لجنود أمريكيين نكل بجثثهم في شوارع موقاديشو وكان ذلك كافيا لتحرك الرأي العام الأمريكي الذي أصيب بصدمة جراء إسقاط عدة طائرات حربية أمريكية سنة 1993 ومقتل 18 جنديا من وحدات المارينز التي تشكل قوة النخبة في الجيش الامريكي.

وكان ذلك كافيا لإقناع الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الأب بحتمية الانسحاب لتفادي انتكاسة عسكرية أشد وقعا على رأي عام أمريكي كان يعتقد أن قواته لن تهزم من طرف مسلحين في بلد يبقى من أفقر بلدان العالم.   

وجاءت زيارة كيري أمس لطي تلك الصفحة وحملت رسالتين قويتين الاولى الهدف منها طمأنة السلطات الصومالية على وقوف واشنطن إلى جانبها، بينما حملت الثانية إصرار الولايات المتحدة على محاربة حركة شباب المجاهدين المتمردة في الصومال وكل منطقة القرن الإفريقي.

يذكر أن الادارة الأمريكية لم تقرر العودة إلى الصومال إلا في سنة 2012 عندما أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع موقاديشو وتعيين أول سفير لها في الصومال شهر فيفري من العام الماضي لأول مرة منذ 25 عاما.