وعيد غربي للفرقاء الليبيين لوقف الاقتتال

هل هو صب للزيت على النار؟

هل هو صب للزيت على النار؟
  • 847
تفطنت الدول الغربية أخيرا إلى الأوضاع الكارثية التي خلفها تدخلها في ليبيا قبل ثلاث سنوات وراحت تطالب الفرقاء بوقف فوري للمعارك الدائرة بينهم بقناعة أن خيار القوة لن يساعد على إيجاد حل سياسي لأزمة مستعصية.
وأكد مثل هذا الإعذار على درجة التخوف الذي أصبحت تبديه الدول الغربية الكبرى من تبعات الانزلاق العسكري الذي يعرفه هذا البلد المتوسطي، والاحتمالات المتزايدة لانتقال عدواه الى دول جنوب أوروبا التي كان لها الدور المحوري للإطاحة بنظام الليبي السابق دون قراءة عواقب ذلك.
وإذا أخذنا سياق التصعيد العسكري الذي جاء فيه هذا الإعذار المبطن في ظل احتدام المواجهات في مختلف مناطق هذا البلد والشحناء العسكرية بين الفرقاء المتحاربين، يتأكد أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي ساندتها في مسعاها للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، أدركت خطورة الانزلاق مما جعلها تتحرك عبر هذا الموقف في محاولة لاحتواء وضع ينذر بحرب أهلية على مشارف القارة الأوروبية، وما له من انعكاسات كارثية على الأمن الإقليمي لمنطقة البحر المتوسط كلها.
ولكن هل باستطاعة هذه الدول أن توقف حمام الدم الذي تعيشه ليبيا منذ قرابة العامين والذي تتحمل فيه مسوؤلية مباشرة في استدامة اقتتال ما انفك يأخذ أبعادا قبلية وإيديولوجية منذ أكثر من عام، الى الحد الذي أصبح يهدد بتفكك وحدة ليبيا الى دويلات على أساس عرقي وقبلي.
وإذا كان بيان الدول الغربية بمثابة تأييد للعملية العسكرية التي بدأها الجيش النظامي ضد المليشيات المحسوبة على التيار الإسلامي في مدينة بنغازي والعاصمة طرابلس، فإن تأثيره يبقى محدودا إذا اعتبرنا أن تسوية الأزمة الليبية يجب أن تأتي في إطار شمولي لا يمكن لأي مسعى من أي جهة كانت حتى وان كانت الولايات المتحدة أن تقف الى جانب طرف ضد طرف آخر.
فالأخذ بمثل هذه المقاربة سينتهي الى حل أعرج لأزمة تستدعي حنكة سياسية ودبلوماسية تتفاعل وفق معطيات الموقف العام الذي فرضته أحداث ما بعد الإطاحة بالنظام الليبي السابق، والتي أفرزت ظهور قوى سياسية وأخرى مسلحة تتصارع الزعامة في بلد يحمل بذور صراع ليس من السهل تسويته وخاصة عبر مواقف مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك.
ثم ماذا ينفع تهديد دول غربية بحجم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وايطاليا بفرض "عقوبات ضد كل من يهدد الأمن والاستقرار في ليبيا"، في وقت لم يعد فيه الحديث عن الأمن الذي فقد والاستقرار الذي أصبح عامة الليبيين يبحثون عنه ويحلمون بعودته بعد أن أرغموا على النزوح فرارا من هول المعارك وضراوتها الى الدرجة التي لم يعودوا يؤمنون على حياتهم.
كما أنها ليست المرة الأولى التي تصدر هذه الدول إعذارات لأطراف المعادلة  الليبية، مهددة إياهم بالعقاب ولكنها لم تجد آذانا صاغية في الجهة المقابلة بدليل التصعيد العسكري الذي تعرفه مختلف المناطق الليبية في الأسابيع الأخيرة. 
وبالإضافة الى ذلك فإن نعت الدول الغربية الموقعة على بيان العاصمة البريطانية لندن، مليشيات ليبية ولدت من رحم ما أصبح يعرف بـ«ثورة 17 فيفري" بصفة "الإرهاب" وتخوفها من احتمال وصولها الى السلطة في ليبيا، والإشارة واضحة الى أنصار الشريعة التي تدرجها الولايات المتحدة في قائمة التنظيمات الإرهابية يعمل على إذكاء نار الحرب المفتوحة أكثر من المساعدة على إخمادها.
وكان يمكن لبيان الدول الغربية أن يحمل مؤشرات مساعدة لانفراج الأزمة الليبية، ولكن لغة الوعيد التي تضمنها لن تزيد إلا في صب الزيت على نار متأججة بين فرقاء احتكموا الى لغة السلاح، وقد كانت فرصة إنهاء مشاكلهم وصراعهم على السلطة ممكنة بالحوار ولكنهم لم يفعلوا بعد أن بلغت الشحناء بينهم حد القطيعة النهائية.