في مشروع لائحة قدمت لأعضاء مجلس الأمن حول الصحراء الغربية:
واشنطن تمهل الرباط 60 يوما لعودة "المينورسو"
- 1857
منح مشروع لائحة تقدمت بها الولايات المتحدة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية مهلة 60 يوما للمغرب للسماح لأعضاء بعثة "مينورسو" بالعودة إلى مدينة العيون المحتلة لمواصلة مهمتهم بكامل الصلاحيات المخولة لهم. كما طالبت الولايات المتحدة في مشروع قرارها بمباشرة طرفي النزاع لجولة مفاوضات خامسة بينهما وفق توصياتها السابقة التي أكدت على أن "الواقعية وروح التسوية بين الأطراف ضروريتان لتحقيق تقدم في المفاوضات. وحث مشروع اللائحة، المغرب وجبهة البوليزاريو على مواصلة المفاوضات برعاية الأمين العام الأممي دون شروط مسبقة وبنية صادقة مع الأخذ في الاعتبار الجهود المبذولة منذ عام 2006 والتطورات المتعلقة بها، مع رؤية لتحقيق حل سياسي مقبول في شكل متبادل وعادل ودائم، يؤمن تقرير المصير للشعب الصحراوي وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
كما يؤكد مشروع القرار دعمه الكامل "لالتزام الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون ومبعوثه الشخصي، كريستوفر روس بحل مسألة الصحراء الغربية في هذا الإطار ويدعو إلى تجديد اللقاءات وتكثيف الاتصالات بين طرفي النزاع. وناقش مجلس الأمن مشروع هذه اللائحة في ضربة غير مسبوقة للدبلوماسية المغربية بعد أن طالب واشنطن باتخاذ "خطوات فورية" في حال أصر المغرب على عدم السماح بعودة أعضاء بعثة الأمم المتحدة لتقرير المصير في الصحراء الغربية "مينورسو" الذين قررت الرباط طردهم بداية شهر مارس في تحد لكل المجموعة الدولية. وأكد مشروع اللائحة التي ينتظر أن يصادق عليها مجلس الأمن الدولي نهاية هذا الأسبوع، ضمان وصول موظفي البعثة إلى منطقة عملهم دون عراقيل. وشدد مشروع القرار الذي أعدته الولايات المتحدة على تنفيذ "عودة مينورسو إلى قدرتها العملياتية بشكل فوري" مع تمديد عهدتها إلى غاية نهاية أفريل من العام القادم في نفس الوقت الذي منحت فيه للأمين العام الأممي، بان كي مون مدة شهرين يقدم خلالها تقريراً مفصلا أمام أعضاء مجلس الأمن بعد صدور القرار وخاصة ما تعلق بعودة "مينورسو" لممارسة مهمتها.
وفي حال عدم إذعان المغرب لبنود هذه اللائحة، فإن مجلس الأمن سيجتمع بهدف اتخاذ ما أسماه مشروع القرار الأمريكي بـ«خطوات فورية لتسهيل تحقيق هذا الهدف"، مشددا التأكيد على "الاحترام الكامل للاتفاقية العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة تقرير المصير في الصحراء الغربية لوقف النار" وحث كل الأطراف على تعاون كامل مع "مينورسو" بما فيهم كل المفاوضين المكلفين بالتحدث باسمها واتخاذ الخطوات الضرورية لضمان أمنها وتسهيل عودة موظفيها لأداء عملهم تنفيذا للاتفاقيات الموقعة في هذا الشأن. والمؤكد أن الولايات المتحدة بهذا القرار تكون قد وجهت ضربة قوية للمغرب الذي حاول تحدي الأمم المتحدة عندما قام بطرد التركيبة المدنية لبعثة "مينورسو" بمبرر أن الأمين العام الأممي لم يكن حياديا في تعاطيه مع النزاع عندما وصف خلال زيارته إلى مخيمات اللاجئين ما يتعرض له الشعب الصحراوي بأنه "احتلال".
وتعاملت الرباط مع جولة بان كي مون بداية شهر ماس بتصرف "الدولة الاستعمارية الغبية التي لا تحفظ الدرس"، عندما رفضت استقبال كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي إلى الصحراء الغربية، صيف سنة 2014 بدعوى انحيازه لمواقف جبهة البوليزاريو ورفضه خيار "الحكم الذاتي" الذي تمسك به المغرب ورفض التفاوض خارج إطاره. والضربة قوية أيضا لدول مجلس التعاون الخليجي التي تبنت هذا الطرح وراحت تؤيد الاحتلال المغربي، متجاهلة أن النزاع مازال بين أيدي الأمم المتحدة وما كان عليها أن تنحاز بتلك الصفة التي أفقدتها مصداقيتها من أجل مشاريع اقتصادية في إقليم مرشح لانفجار وشيك. وهو ما يطرح السؤال حول رد فعلها على اعتبار أن الموقف جاء من الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر حلفائها في العالم. وهو ما يجعل الصدمة مزدوجة في الرباط وفي مختلف العواصم الخليجية التي تبنت الطرح الاستعماري المغربي والذي كانت تعتقد أنه سيكون ذا تأثير إذا أخذنا بسياقه الزمني الذي جاء أسبوعا فقط قبل اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد ألقت بثقلها الدبلوماسي هذه المرة لصالح الشرعية الدولية وضمن خطة لتفادي تكرار التصرف المغربي مع بعثات الأمم المتحدة في مناطق النزاع الأخرى في العالم، فإن المسعى الأمريكي قد يصطدم بورقة النقض الفرنسية التي تلجأ إليها باريس في كل مرة من أجل عرقلة كل خطوة لتجسيد الشرعية الدولية كلما تعلق الأمر بالنزاع في الصحراء الغربية خدمة لمصالحها الإستراتيجية في المملكة المغربية. والمؤكد أن الجرأة الأمريكية لوضع حد للغطرسة المغربية ستواجه بتحركات فرنسية لإفشالها أو على الأقل إفراغ مشروع اللائحة من جوهر محتواها تماما كما فعلت عندما طالبت الخارجية الأمريكية قبل ثلاث سنوات بتوسيع صلاحيات بعثة "مينورسو" لتشمل حماية ومراقبة وضعية حقوق الإنسان في المدن الصحراوية المحتلة قبل أن تتراجع عنها عشية انعقاد اجتماع مجلس الأمن الدولي. وهو احتمال وارد جدا في حال غلبت فرنسا مصالحها الضيقة وتناست أن تكريس موقف المغرب بطرد موظفي البعثة الأمم المتحدة من الصحراء الغربية يبقى ضربة لمصداقية فرنسا نفسها كونها عضو دائم في مجلس الأمن وقوة عظمى يهمها الاستقرار العالمي.
وهي القناعة التي ما انفكت تطالب بها الجزائر وعكسها تصريح وزير الخارجية، رمطان لعمامرة أمام نظيره الفرنسي، جون مارك إيرو في ختام زيارة قام بها إلى الجزائر مارس الماضي. وقال لعمامرة إن الجزائر لم تعد تحتمل أن تبقى باريس طيلة أربعة عقود متمسكة بموقف واحد تجاه قضية الصحراء الغربية. وأضاف أن أمل الجزائر في أن تقدم فرنسا مساعدة فعلية في المنطقة من أجل تسوية القضية الصحراوية في إطار الشرعية الدولية واحترام لوائح الأمم المتحدة الخاصة بتصفية الاستعمار. ولم يخف رئيس الدبلوماسية الجزائري الخلاف بين الجزائر وباريس وقال إن النزاع في الصحراء الغربية من أبرز نقاط الاختلاف بين البلدين. وقال إن نزاع الصحراء متواصل منذ أربعة عقود ويطفو من حين إلى آخر على السطح في حوارنا السياسي ولكن باريس آثرت الوقوف إلى جانب الرباط في احتلاله للصحراء الغربية رغم مصالحها الاقتصادية والأمنية القوية مع الجزائر.