مراكز جمع المشردين بالبليدة تكثف من خرجاتها الليلية
أشخاص دون مأوى يفضلون الحرية وامتهان التسول
- 277
تكثف مراكز إيواء الأشخاص المشردين ومن دون مأوى، من خرجاتها الميدانية خلال موسم الشتاء، من أجل حمل هذه الفئة على التنقل إلى المراكز، والاستفادة من الخدمات المقدمة فيها، كالفحص الطبي والوجبة الساخنة والفراش الدافئ والنظيف، لكن في المقابل، يواجه الناشطون في المجال صعوبات جمة، إلى جانب خطر الاعتداء الذي يقع عليهم من المشردين المصابين بأمراض واضطرابات عقلية، كما يرفض آخرون التواجد في مبنى مغلق، يحرمهم من الحرية، لأنهم في حقيقة الأمر ليسوا متشردين، وإنما متسولون.
حاولت "المساء"، من خلال التجول في شوارع ولاية البليدة، جس نبض بعض الأشخاص من دون مأوى، لمعرفة الأسباب التي جعلتهم يتواجدون في الشوارع، ويبدو أنه من خلال الملاحظة الأولية، أن العدد القليل منهم يتمركزون في محطات نقل المسافرين وأمام محطات القطار وفي الساحات العمومية، وأمامهم بعض الأغطية والأفرشة وبعض الطعام، والملاحظ أيضا أنه من الصعب الاقتراب منهم، بسبب ما يبدو عليهم من اضطراب، الأمر الذي يجعل احتمال التعرض للاعتداء وارد، وهو ما جعلنا نتواصل مع مسير مركز إيواء المشردين، عز الدين بن عيشة، الذي أوضح في معرض حديثه لـ"المساء"، أن الكثيرين يعتقدون بأن مركز الإيواء ونشاط العاملين فيه مرتبط فقط بموسم الشتاء، ولكن في حقيقية الأمر، المركز يقدم خدماته على مدار السنة، ويفتح أبوابه لاستقبال كل الأشخاص دون مأوى على مدار السنة، غير أن النشاط يجري تكثيفه خلال فصل الشتاء، من خلال برمجة خرجات ليلية، بالنظر إلى البرودة المسجلة في موسم الشتاء. وقال أيضا: "إن احتمال موت المشرد وارد، الأمر الذي يتطلب تكثيف الخرجات لحماية هذه الشريحة من باب الإنساني".
وحسب المتحدث، فإن مركز جمع المشردين والأشخاص بدون مأوى في ولاية البليدة، هو مركز عبور يحق للأشخاص التواجدين فيه لمدة ثلاث أيام، تبعا للقانون الداخلي، بعدها يتم القيام ببحث اجتماعي، لإعادته إلى المنزل أو توجيهه إلى دار "الرحمة" التي تقع ببلدية الشريعة، إن لم تكن لديه عائلة أو رفضته عائلته، بينما البقية من الذين يتم جلبهم للمركز، يقررون المغادرة بأنفسهم، لذا لا يمكن أن نقدم إحصائيات واضحة حول الأعداد التي يستقبلها المركز. وأوضح المتحدث، أنه "يتم كل شهر، استقبال عدد معين، ولكن الأكيد بأن عدد الوافدين على المركز خلال موسم الشتاء كبير، للمبيت والمغادرة في الصباح"، مؤكدا أن مصالحه تنظم، تنفيذا لتعليمات الوزارة الوصية والمصالح الولائية، خرجات ليلية يومية، مرفقين بمصالح الشرطة، يتم خلالها جمع كل الأشخاص المتواجدين في الشارع ونقلهم إلى المركز، حيث تقدم لهم خدمات مختلفة، ومنها الاستفادة من حمام وتغيير الملابس والحصول على وجبة ساخنة وفحص طبي وفراش دافئ ونظيف، لافتا إلى أن الخرجات تتمركز في وسط ولاية البليدة، أما في البلديات المجاورة فيتم إن وجد مشردون فيها، التواصل مع المركز الذي يتنقل لجلبهم.
صعوبات جمة لحمل المشردين على التنقل للمراكز
وحول أهم العراقيل التي يواجهها الفريق العامل، خلال الخرجات ليلة، أشار المتحدث إلى أن من أكبر تحدياتهم، رفض الأشخاص دون مأوى الاستجابة لندائهم، حيث يطلبون فقط الغطاء أو الطعام ويرفضون التنقل للمركز. وقال: "رغم أننا نكشف على الامتيازات الكثيرة التي يقدمها المركز، بما فيها عدم حرمانهم من حريتهم، إلا أنهم في المقابل يرفضون التنقل، بسبب النظرة السيئة إلى المراكز على أنها تحرمهم من حريتهم، من جهة، ومن جهة أخرى، إلى وجود مقاربة بين التشرد والتسول، بالتالي يفضلون التواجد في الشوارع للتسول وتأمين بعض المال".
من بين المشاكل التي يتم مواجهتها في الميدان، احتمال تعرض العامل إلى التعدي عليه من طرف المتشرد، خاصة أن 80 بالمائة منهم مصابون باضطرابات وأمراض عقلية، إذ يصعب التحاور معهم، بسبب عدوانيتها، حتى لا يقترب الناس منهم، معلقا بالقول في مثل هذه الحالات، لا يمكن مطلقا للعامل خلال الخرجات الليلة، أن يخرج رفقة فريقه فقط، بل يكون حضور أعوان الأمن ضروري، مشيرا إلى أنه يجري في هذه الحالة، تزويدهم ببعض الطعام والأغطية وتركهم، لأنه لا يجوز إجبارهم على التنقل إلى المراكز.
أغلب الأشخاص من دون مأوى من المتواجدين على مستوى ولاية البليدة، هم من خارج الولاية، حيث سهل عليهم القطار عملية التنقل، حسب المتحدث، وعادة، يقول "الأغلبية هم رجال وعدد قليل فقط من النساء، تختلف قصصهم، بعضهم خرج من المنزل هروبا من مشاكل اجتماعية، وآخرون بحثا عن عمل، وآخرون مصابون بأمراض واضطرابات عقلية، يتم دراسة حالتهم والبحث عن حلول، إما بإعادتهم إلى منازلهم، لا سيما وأن الأغلبية لديهم روابط اجتماعية، أو يتم توجيههم إلى دار الرحمة، إن لم يكن لهم أهل، مشيرا إلى أنه خلال شهر نوفمبر فقط، تم استقبال 28 شخصا قدموا للمبيت، وغادروا صباحا.
ويختم المتحدث، بالتأكيد على أن مركز جمع المشردين بولاية البليدة، يسعى من خلال الطاقم العامل فيه، إلى تغيير النظرة السيئة إليه، لجعله يؤدي الخدمة المطلوبة منه على أكمل وجه.