أثرها باق بعد الوباء

أطفال كورونا والحجر الصحي.. تداعيات نفسية وأخرى تعليمية

أطفال كورونا والحجر الصحي.. تداعيات نفسية وأخرى تعليمية
  • 164
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

لاتزال تداعيات جائحة كورونا التي اجتاحت العالم رغم مرور أكثر من خمس سنوات، تنكشف تباعا، لا سيما على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدّمتها الأطفال. وفي الجزائر كما في بقية الدول، لم يكن تأثير الجائحة لحظيا فقط، بل امتدّ ليرسم تغيّرات دائمة في نفسية الطفل، ومسيرته التعليمية، وهو ما بدأ يتجلى بوضوح في السلوكات المدرسية، والعلاقات الاجتماعية، ومستوى التحصيل الدراسي. ففي ربيع 2020 تغيّر كلّ شيء. توقّفت المدارس، وفرغت الساحات، وتحوّلت البيوت إلى مساحات مغلقة تمتلئ بالقلق والصمت. لم يكن الأطفال في الجزائر بمنأى عن هذا التحوّل المفاجئ؛ بل كانوا، دون أن يدرك الكثيرون، في قلب عاصفة نفسية وتربوية، ستحتاج سنوات لفهم تبعاتها.

رغم أنّ العالم تجاوز المرحلة الحرجة من الجائحة وعادت الحياة إلى إيقاعها الطبيعي ظاهريا، إلاّ أنّ الآثار العميقة لما حدث لاتزال حاضرة، خصوصا لدى الصغار. فالطفل الذي يعتمد في نموّه النفسي والمعرفي على الاستقرار، واللعب، والتفاعل الاجتماعي، وجد نفسه فجأة محاطا بالخوف، والغموض، والعزلة.

وبالفعل، تشير كثير من ملاحظات الممارسين التربويين اليوم، إلى صعوبات واضحة لدى الأطفال، وفي سلوكاتهم الطبيعية، وحتى في بناء الصداقات، والتعبير عن المشاعر، أو حتى تقبّل النقد أو الفشل، كلّها مهارات تُكتسب عادة في التفاعل الجماعي والاحتكاك بالغير؛ الأمر الذي فُقد لفترة طالت بالنسبة للأكثر وعيا. وخلّفت، بعدها، آثارا يترصّدها اليوم خبراء، ويلتمسّون حدّة شوكتها بعد سنوات من رفع قيود مرتبطة بالوباء.

العزلة وتكوين الذات.. فجوة في عمر التفاعل

بلغت تلك الآثار الصحة النفسية للأطفال حتى وإن كانت دون ألم واضح أو حسي، إلاّ أنّها لا تقلّ خطرا على سلامة الطفل. عن هذا الموضوع اقتربت "المساء" من المختص في سيكولوجية وسلوكيات الطفل الطبيب أحمد عزبان، الذي أكّد أنّ "الفترة الممتدة من 2020 إلى 2022 مثّلت بالنسبة للأطفال، مساحة من الفراغ العاطفي والاجتماعي؛ حيث توقّفت المدرسة، وأُغلقت الحدائق، وتقلّص التفاعل الاجتماعي إلى الحدّ الأدنى"، مضيفا: "في مراحل عمرية حاسمة لا سيما بين 3 و10 سنوات، يُبنى الوعي الاجتماعي والقدرة على التعامل مع الآخر. قد حُرم آلاف الأطفال من هذه الخبرات المبكرة؛ ما يجعلهم، اليوم، يعانون آثارا جانبية مقلقة".

المدرسة التي غابت، ثم عادت مختلفة

على الصعيد التعليمي، قال الخبير إنّ الجائحة تركت أثرا مزدوجا؛ فمن جهة، خلق الانقطاع المفاجئ عن الدراسة فجوة معرفية. ومن جهة أخرى، شكّلت تجربة "التعليم عن بعد" في الجزائر، تجربة محدودة النجاح بسبب ضعف البنية الرقمية، وصعوبة تعميمها في المناطق النائية؛ ما أدى إلى تراجع عميق في التحصيل التعليمي والبيداغوجي للطفل. ورغم استدراك نسبة من ذلك التراجع، إلاّ أنّ نسبة أخرى لاتزال تعاني ضعف التحصيل، وتسجّل طفلا قليل الذكاء.

وحسب إحصائيات وزارة التربية الوطنية في السنوات التي تلت الجائحة، لوحظ تراجع في معدّلات التحصيل في السنوات الابتدائية، وارتفاع في نسب التسرّب المدرسي لدى الفئات الهشّة. يقول المختص: " كثير من الأطفال، خاصة في الأرياف، لم يتمكّنوا من مواصلة تعليمهم بنفس الوتيرة، فيما عانى آخرون من قلق الامتحانات، وفقدان الثقة بالنفس نتيجة ضعف التكوين خلال تلك الفترة ".

ويؤكد عزبان أنّ "القلق أصبح مكوّنا ثابتا في نفسية كثير من الأطفال، ليس بالضرورة خوفا من المرض، بل بسبب الإحساس بعدم الأمان، وفقدان قريب دون وداع، ورؤية الوالدين مرهقين ومضغوطين، أو سماع أخبار الموت والعدوى باستمرار". هذه التجارب تركت بصمة ما بعد الصدمة لدى بعض الأطفال، تظهر أحيانا في شكل نوبات غضب، أو صعوبات في النوم، أو انسحاب اجتماعي.

وفي الأخير، شدّد النفساني على أنّ الجزائر تحتاج اليوم إلى سياسة نفسية وتربوية شاملة، تعيد دمج الطفل في محيطه، ليس فقط من خلال البرامج الدراسية، بل عبر أنشطة دعم نفسي، ومساحات تعبير فني، وتكوين المدرسين في التعامل مع الأطفال الذين يعانون صدمة، أو تبنّي ما يسمى برنامج الدعم العاطفي المدرسي، خاصة في الأطوار الأولى؛ لتقوية مناعة الطفل النفسية مستقبلا.