"تجربة الطب الشعبي في الساقية الحمراء ووادي الذهب" للباحث محمد عالي لمن

إبراز تاريخ العلاج بشمال إفريقيا

إبراز تاريخ العلاج بشمال إفريقيا
الكاتب محمد عالي لمن
  • 252
 نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

عرض الكاتب محمد عالي لمن، مكانة الطب الشعبي، أو ما يعرف بالطب البديل في المجتمعات العربية، خاصة بشمال إفريقيا، في مؤلفه "تجربة الطب الشعبي في الساقية حمراء ووادي الذهب"، بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، الذي صدر عن المؤسسة الوطنية للفنون "إيناغ" بالجزائر، ونشر من طرف وزارة الثقافة الصحراوية، موضحا من خلاله، كيف انتشرت تلك الثقافة وازداد اهتمام الوسط الطبي والمهتمين بالصحة بأساليب الطب الشعبي، والعودة إلى الطبيعة الغنية لمعالجة الكثير من الأمراض.

أعطى الكاتب والباحث الصحراوي محمد عالي لمن، في كتابه الذي جاء في 34 صفحة، نبذة عن الطب الشعبي بالصحراء الغربية، ومكانته في الموروث الشعبي لسكان شمال إفريقيا، وكيف تناقلوا تلك التقاليد في التداوي من الأجداد الذين تعاملوا على مدى عصور طويلة مع النباتات، كمصدر طبيعي لعلاج الأمراض، لخلوها من التأثيرات الجانبية على جسم الإنسان.

وبنى الباحث، الذي يشغل كذلك منصب المدير المركزي للتدوين وحفظ الذاكرة الشفهية والبحوث والدراسات بوزارة الثقافة، كتابه على بعض المقابلات مع مختصين في الطب البديل من المنطقة، والذين لديهم فلسفة في العلاج، موضحا أن الكثير منهم خبراء في الطب والصيدلة، واستخلاص الأدوية من النباتات والأعشاب، مع بضع الإضافات الكيماوية.

وأكد لمن أن بعض معوقات استخدام الأعشاب في زمننا هذا، تعود إلى عدم معرفة أسماء الأعشاب التي وُصفت في المؤلفات القديمة، أو اختلاف اسمها من منطقة لأخرى، وافتقار العديد من متعاطي الطب الشعبي للعلم والخبرة، عكس بعض المناطق، كشمال إفريقيا، من الصحراء الغربية، وصحراء الجزائر، إلى جانب الصين، والقارة الهندية، حيث يتم التداوي بالأعشاب بصفة كبيرة، بفضل المختصين الكثر في علم الأعشاب الذي توارثته العائلات أبا عن جد، ما جعل له مكانة خاصة في المجتمع.

وأوضح الكاتب في مؤلفه، أن التداوي بالأعشاب والماشية من الإبل والغنم والحيوانات البرية، من المظاهر العريقة لشعوب الصحراء منذ قديم الزمن، حيث امتهنت في الساقية الحمراء ووادي الذهب، منذ عصور غابرة، باعتبارها منطقة لم تغلق يوما وتعاطت مع الحضارات المتاخمة، الفرعونية، الفينيقية، الإغريقية والرومانية، إلى جانب الحضارة العربية الإسلامية، بفضل الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا، مقدما بذلك مثالا عن وصول الشاي الأخضر من الثقافات الهندية والصينية والفارسية، التي جلبت معها بعض الأعشاب.

وخصص الباحث جزءا مهما من كتابه لعشبة "السناء المكي"، التي ذكرها سيدنا محمد عليه أزكى الصلاة والسلام، في الكثير من أحاديثه، دلالة على نفعها العظيم وعلاجها القوي للكثير من المشاكل الصحية.

وأجرى الكاتب ست مقابلات مع المختصين في العلاج بالأعشاب، أول لقاء له كان مع السيدة صغرة محمد الشيخ عبدلل، من منطقة بئركندوز، جنوب الصحراء الغربية، التي لها فلسفتها الخاصة، وعلاجها يقتصر على النباتات والأعشاب العطرة، لأن حسبها، الرائحة هي العلاج. ومقابلته الثاني كانت مع الأب محمد بشري، الخبير في علاج الماشية، بالتحديد الإبل، الذي يختص في علاجها باستعمال الأعشاب، حفاظا على غنى المنطقة من الماشية. أما المقابلة الثالثة، فكانت مع مينتو سيدي بوبكر عمار لمام، التي تحاور معها حول بعض الأعشاب الطبيعية التي تزخر بها منطقة الصحراء الغربية، ومنافع بعضها وأكثر الأمراض التي يتم الاستعانة بها لعلاجها، في حين كانت المقابلة الرابعة مع محمودة باي ابراهيم، التي تخصصت في الطبخ "العلاجي"، إذ لها مجموعة من وصفات الطبخ التي تستعمل فيها عددا من النباتات، تهدف من خلالها إلى علاج مشكل صحي معين.

أما باقي المقابلات، فكانت كلها تصبو لنقل بعض الموروثات الشعبية من وصفات العلاج، التي كثيرا مع أثبتت فعاليتها في علاج مشاكل صحية منذ الأزل، في وقت لم يكن للطب الحديث ميلاد، وكان الأجداد يستغلون ما يقدمه الله في الطبيعة لتحضير وصفات وخلطات طبيعية للعلاج.

في الأخير، أكد صاحب المؤلف أن الطب الشعبي في شمال إفريقيا، وبالتحديد في الصحراء الغربية، يرجع إلى العصور الأولى من التاريخ، مؤكدا أن مخطوطات من أوراق البردي وقبور الفراعنة، دلت على أن الكهنة آنذاك، كانوا ملمين بأسرار هذا الطب، حيث وجد أيضا البعض منها بين قبور الفراعنة، مشيرا إلى أن كل تلك الثقافة، باتت اليوم تتلاشى وتنطوي في عالم الإهمال، ليحل محلها العلاج بالمساحيق والأقراص والأشربة المستخلصة من الأجزاء الفعالة للأعشاب، مضافة إليها مواد كيماوية قد يكون لها الكثير من الآثار الجانبية.