فيما أكد الخبراء أن "السوشل ميديا" وراء بروز الظاهرة

الانحلال الأخلاقي يهدد قيم المجتمع

الانحلال الأخلاقي يهدد قيم المجتمع
  • 493
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

❊ المؤثرون السلبيون خطر يداهم الشباب    

❊ "الحرية الشخصية" قناع جديد للرذيلة

❊ الاستطباب من المواقع بدل معاينة الطبيب

تعاني المجتمعات العربية اليوم، معضلة الانحلال الأخلاقي وسط الشباب، في ظاهرة خطيرة، يحذر من انعكاساتها على المجتمع، خبراء الاجتماع والنفس، حيث يصف هؤلاء الظاهرة بعصر ذوبان القيم، حيث اختفت الكثير من المبادئ والقيم التي من شأنها أن تحكم المجتمع وتضبطه، وتخلق فيه انسجاما وتكاملا، مبني على الاحترام المتبادل والمودة والالتزام بآداب وحسن الأخلاق، وعدم التعدي على حقوق الآخرين، وهي الظاهرة التي يؤكد المختصون في علم الاجتماع، على أهمية كبحها، من خلال ضخ القيم  الأخلاقية، موضحين أن "مواقع التواصل الاجتماعي"، أو ما يعرف بـ«السوشال ميديا"، السبب الرئيسي وراء "الانحلال الأخلاقي".

أثرت مواقع التواصلية على الحياة بشكل عام، وخلقت بدورها الكثير من المصطلحات الجديدة التي لم نعهدها من قبل، وباتت تتردد في الأوساط، وتحولت من بسيطة إلى معقدة، ولم تكتف تلك المواقع بتغيير السلوكيات السطحية، أو الحياة بشكل عام، كالملابس، الديكور، الهندسة وغيرها من جوانب الحياة، بل مست أعمق من ذلك، وبلغت مجال السلوك الإنساني والتفكير الأخلاقي. لاسيما وأن ولوج عالم الأنترنت، هو تأثير على الحياة عامة، وهذا واقع أشار إليه الخبراء، من خلال تغيّر سلوكيات المجتمعات المستهلكة بشكل كبير للأنترنت، حيث بلغت تلك التكنولوجيات الحديثة، مختلف جوانب الحياة، بالتالي لا يمكن تفادي تأثيراتها كلها.

الإعلام الاجتماعي على مواقع التواصل قلب الموازين

ومن تلك المفاهيم الجديدة، التي ولدتها الأنترنت اليوم، هو "الإعلام الاجتماعي"، حيث أصبح الكثير من الأفراد، لاسيما الشباب، يميلون إلى تلك التكنولوجيا، لبناء مشاريع تعرف اليوم بالمشاريع الرقمية، أحيانا لا تتطلب حتى فكرة، وإنما قوتها ورواجها في قوة متتبعيها، تخلق بذلك شهرة لهؤلاء، دفعت آخرين دون أي محتوى إلى الإقبال على ذلك النوع من المشاريع، التي تدر عليهم أموالا كثيرة، تسببت في "مياعة" ذلك العالم، وولجتها شوائب "مجتمعية"، ساهمت بشكل كبير في انحلال أخلاق المجتمع، حيث لا تحكم تلك المواقع أي أحكام، ويمكن للجميع مهما كان تفكيره "شاذ" أو غريب، التعبير عن الرأي، بالتالي خلق ما يعرف بالمؤثرين، الذين يؤثرون بذلك على سلوكيات الشباب.

وتعدت اليوم خطورة الأنترنت على الأمن القومي، ولم يعد التجسس هو التهديد الوحيد على الوطن، وإنما اليوم، التهديد يحدق بنقطة جد حساسة في المجتمع، وهي الشباب، نقطة قوة المجتمعات، فسلامة المجتمع من سلامتها وفساده من فسادها.
في هذا الصدد، تحدث احمد بن زليخة، كاتب ورئيس لجنة ذاكرة العالم، للمنظمة العالمية "اليونيسكو" لـ"المساء" قائلا: "إن الأنترنت سلاح ذو حدين، وتقبل طرف منه، هو تقبل تلقائيا الطرف الثاني، ولا مفر من ذلك، فاستهلاك الجانب الإيجابي منه، يجعلنا نستهلك جانبه المظلم، من تهديد أمنى، جوسسة، إدمان، اضمحلال الخصوصية الشخصية، وما أكثرها تلك السلبيات".

وأضاف بن زليخة، "إن خلق الدرع الواقي اليوم، ليس بالأمر السهل، بل هو تحدٍ حقيقي، يجعلنا نقف أمام البحث عن طريقة تجعلنا نقلل من تلك الأعراض الجانبية، وليس التخلي عن مواكبة تلك التكنولوجيات، لاسيما وأن العالم، اليوم، كافة يتحول نحو الرقمنة، مما يجعلنا مجبرين على التعامل مع ذلك، في المعاملات الاقتصادية والمالية، الثقافية، السياسية، الإعلامية، وغيرها من مجالات الحياة، ولقد لقننا زمن "كورونا" أكبر درس حول أهمية الأنترنت في تسهيل الحياة عامة".
واقترح المتحدث في محاضرة بعنوان "الذكاء الاصطناعي وخطورة تفوق الآلة على الإنسان"، خلق وابتكار منصة رقمية للتواصل الاجتماعي جزائرية بحتة، تكون وسيلة خاصة بالجزائريين للتواصل، تحكمها قواعد، يمكن من خلالها تقليل ولوج بعض الأفكار الغريبة والتحكم فيها، بل تروج للثقافة المحلية التي كانت سائدة قديما، خصوصا ما يتعلق بالأخلاقيات والمبادئ المجتمعية الحميدة، مشددا أن تلك المنصة يمكنها أن تكون أيضا وسيلة لمنافسة ما هو متوفر من منصات رقمية، يجعلنا نقف أمام تحديات خطيرة، خاصة في تأثيرها على أخلاقيات شبابنا.

ممارسة الرذيلة تحت غطاء الحرية الشخصية

من جهتها، قالت مروة محمودي، خبيرة اجتماع، أن بعض الأمور اليوم تخرج عن السيطرة، لاسيما وسط الشباب، الذي الكثير منهم تخلى عن مبادئه وقيمه، بحجة ما يسمونه بالتحرر، وأصبح هؤلاء يمارسون "رذائل" تحت مسميات "الحرية الشخصية"، وكل ذلك أصبح يبرز، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو "السوشل ميديا"، حيث ينشرون من خلال صفحاتهم، بعض الممارسات "الغربية" التي لا علاقة لها بالأخلاقيات، ويروجون لتفكير شاذ وخطير، تتردد على مسامع من يقع عليها أي الفيديوهات، سب وشتم وحتى سلوكيات لا تتوافق أبدا لا مع أخلاق مجتمعنا ولا ديننا ولا حتى أعرافنا.

أوضحت المتحدثة، أن "الحالات الشاذة" موجودة في كل المجتمعات، وهي موجودة منذ القدم، بأفراد لهم تفكير يختلف تماما عن ما هو سائد، وخاصة عن ما هو طبيعي، لأسباب عديدة؛ اختلالات نفسية وأمراض عقلية، مشاكل مجتمعية ولدت لديهم تطرفا فكريا وشذوذا سلوكيا، والرغبة في التقليد وتأثيرات العولمة التي تسوقها الأنترنت، تعاطي المخدرات وذهاب العقل وانحلال الأخلاق وغيرها من مسببات تلك الاختلافات وسط المجتمع، وخروج تلك الفئة عن النظام العام وانضباط المجتمع.
أضافت محمودي، أن ما يضع تلك الفئة اليوم في الواجهة، هي مواقع التواصل الاجتماعي، التي تجعلهم يظهرون عبر قنواتهم الخاصة وصفحاتهم من "فيسبوك، انستغرام، تيليغرام، يوتوب، تيك توك"، وغيرها من المواقع التي تسمح لهؤلاء بالكشف عن هويتهم الحقيقية، دون أي خوف أو تردد، يعرف لدى علماء النفس والاجتماع بالتعري الأخلاقي، في محاولة كسر القيود وفك الأحكام التي يصفونها بالعقد والطابوهات، رغم أنها ما هي إلا أخلاق.

ونبهت المتحدثة إلى أنه قبل فترة، كانت أغنية الراي هي الملاذ المثالي للبعض من هؤلاء الأشخاص، للترويج عن أفكار غريبة وخطيرة على المجتمع، تدعو إلى انحلال أخلاقي، وتروج لأبشع الأعمال، استهلاك الكحول، تعاطي المخدرات، السب والشتم، الزنا، السحر والشعوذة وحتى القتل، من خلال كلمات غريبة تسوقها "أغنية الراي" الحديثة، يخلقون بذلك مجتمعهم الصغير، الذي يحاول "كسر كل القيود" المجتمعية والأخلاقية.
وأشارت إلى أن الأخطر، ليس هؤلاء في حد ذاتهم، تقول: "إذ أنهم أقلية، وإنما الأفكار التي يسوقونها لباقي شباب المجتمع، تحت ما يعرف بـ "المؤثرين"، إذ أنه حقيقة يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يؤثروا بشكل سلبي وخطير على تفكير وسلوكيات باقي الشباب، ما يجعل السلوك السلبي غالبا في المجتمع.

وأوضحت المختصة، أن بعض المؤثرين الذين نشهدهم اليوم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا مستوى تعليم لديهم، ولا أدنى ثقافة، وليس لديهم أي محتوى نافع على المجتمع، إلا أن المحير في الأمر أنه لديهم متتبعين كثر، من نساء ورجال كذلك، ما يخلق لديهم نوعا من القوة في التأثير.. لديهم أسلوب غريب في الكلام والحديث ومخاطبة المجتمع، يصورون فيديوهات تكشف عن حياتهم اليومية، بتفاصيلها أحيانا، داخل بيوتهم ووسط أسرهم، حتى أكثرها خصوصية.

غياب القدوة الحسنة وراء المشكل

من جهة أخرى، قالت أمينة حناش، خبيرة نفسانية، أن غياب القدوة الحسنة وسط بعض العائلات، وتخلي الآباء عن دورهم في التربية وضخ الأخلاق لدى الطفل، هو السبب الرئيسي وراء انسياق بعض الشباب نحو التبعية التفكيرية والسلوكية، إذا ما لم يجد شخص قدوة له في الحياة، فسوف يكون من السهل جره وسحبه نحو عالم وهمي، مثل "السوشل ميديا"، واتباع المؤثرين خلاله.
أوضحت حناش، أنه اليوم، الكثير من شبابنا وشباتنا نشهدهم تحت تأثير تلك الصفحات، يتتبعون أخبار "المؤثرين" بشكل يومي، ولا يفوتون أي تفصيل منه، ويهتفون ويشجعون كل ما يقومون به، لدرجة تقليدهم في أمور كثيرة، والأخذ بنصائحهم المنشورة عبر صفحاتهم بكل ثقة وإيمان، والتي تمحي أحيانا شخصيتهم كاملا، وتطمس أخلاقهم، لاسيما إذ كان "مؤثرهم" ذا خلق سيء وسلوكيات غريبة.

وأكدت المختصة النفسية، أن ضعيفي الشخصية، هم الأكثر أشخاصا استهلاكا لتلك "البرامج" التي يقدمها المؤثرين عبر  صفحاتهم، فمنهم من ليس لديهم استقلال التفكير أو الشخصية القيادية، يبحثون بذلك عن شخص مهما كان مستواه، لمتابعته والتأثر به، بل والعمل والتصرف وفق خطاه ومنطقه، دون خوف من أثر ذلك على شخصيتهم أو تربينهم أو أخلاقهم، بل يحبذون فكرة كسر بعض القيود المجتمعية والخروج عنها، وتمرد الإبن على أبيه، أو خروج الزوجة عن طاعة زوجها، أو تخلي الأم عن طفلها بحكم تجديد الحياة، أو تشجيع الخيانة الزوجية، وغيرها من الأفكار التي تولد مشاكل مجتمعية جد خطيرةو تهدد صحة وسلامة البناء المجتمعي.

التداوي من المواقع مشكل آخر

السوشل ميديا يهدد حياة المواطنين، هذا ما استهلت به نادية مزنان، طبيبة منسقة لدى مصلحة الطب الجواري ببلدية برج الكيفان، في حديثها حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب، حيث قالت، إن الكثير من الشباب ومتتبعي تلك الصفحات يقبلون على ما يعرف بالتداوي الشخصي، إذ يعمدون لاقتناء الأدوية بنصيحة "المؤثرين"، ويستهلكون أدوية للتنحيف وأخرى للتسمين، وخلطات دون أي رقابة، وأدوية البعض منها قد يسبب التسمم، أو العقم، وقد يؤثر أيضا على السلامة النفسية والعقلية.
وحذرت الطبيبة من الانسياق نحو نصائح هؤلاء جهلا، والذين لا علاقة لهم بالطب أبدا، بل البعض منهم يعملون على الترويج لمواد مقابل المال فقط، فلا تهمهم صحة وسلامة متتبعيهم، وهذا ما يشكل خطورة كبيرة على الصحة، مشددة على ضرورة ضبط تلك المواقع ، خاصة وأنها تهدد صحة المجتمع، من خلال نصائح يقدمونها لأدوية تستدعي استشارة مختص ووصفة طبية.