حفاظا على قدسية العلاقة الزوجية، مختصون لـ "المساء"

التأهيل الأسري لم يعد خيارا بل ضرورة

التأهيل الأسري لم يعد خيارا بل ضرورة
محمد حاج الله، رئيس المكتب الولائي لجمعية "سواعد الإحسان"- الدكتورة رميساء ساسي، مختصة في علم النفس العيادي
  • 260
 رشيدة بلال رشيدة بلال

يُعد تنظيم الزواج الجماعي، من أبرز صور التكافل الاجتماعي، التي اشتهر بها المجتمع البليدي منذ سنوات، حيث انطلقت المبادرة، على يد عدد من المشايخ، كعمل خيري، ليتم لاحقا تأطيرها رسميا، من خلال التأسيس للجنة الوطنية لتأهيل المقبلين على الزواج، التي تأسست سنة 2005، واستمرت في نشاطها إلى غاية جائحة "كورونا"، إذ تمكنت من مساعدة أكثر من ألف شاب على دخول القفص الذهبي.

 تم تنفيذ هذا المشروع، في كل مرة، تحت مظلة جمعيات خيرية فاعلة على مستوى الولاية، مثل "الإصلاح والإرشاد"، جمعية "كافل اليتيم" "سواعد الإحسان". وبعد سنوات من التوقف، بسبب الجائحة العالمية، عادت جمعية "سواعد الإحسان" الوطنية، ممثلة في مكتب البليدة، لإحياء المبادرة من جديد، بالتحضير من أجل تنظيم زفاف جماعي لفائدة أكثر من 33 شابا، حيث بدأت أولى الخطوات، من خلال تنظيم دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج، لبناء أسر متماسكة، تستند إلى أسس الرحمة والمودة، وشعارها الاستمرارية.

"المساء" سلطت الضوء على أهمية الزواج الجماعي، كصورة من صور التكافل الاجتماعي في المجتمع البليدي، وعلى مطلب ضروري لمختصين باتوا يؤكدون، على أن ضمان استمرارية الزواج، قائم على مدى تمكين المقبلين عليه من رخصة تؤهلهم لبناء أسرة  متماسكة.

التأهيل الأسري.. شرط لضمان زواج ناجح

في هذا السياق، شاركت "المساء" في أول دورة تأهيلية ضمن هذا المشروع، حيث شهدت توافد عدد من الشباب المهتمين بالاستفادة من سلسلة مداخلات، أطّرها مختصون في علم النفس العيادي والتوجيه الأسري، وسط تفاعل كبير من الحضور، الذين طرحوا تصوراتهم المستقبلية حول تأسيس أسر قوية، تقوم على التفاهم والاحترام. وطرحوا بعض الاستفسارات حول نقاط غير مفهومة ضمن ماهية الزواج.

وأكد محمد حاج الله، رئيس المكتب الولائي لجمعية "سواعد الإحسان"، في حديثه لـ«المساء"، أن الجمعية عادت لإحياء هذا المشروع الخيري بعد سنوات من الانقطاع، بسبب جائحة "كورونا"، معتبرا إياه من المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى مساعدة الشباب على الزواج، في ظل الارتفاع الكبير لتكاليف الأعراس، وغلاء المعيشة، وهو ما أدى إلى عزوف شريحة واسعة من الشباب عن الزواج.

وأضاف أن الجمعية فتحت باب التسجيل، وتم ضبط قائمة أولية، تضم أكثر من 33 عريسا، مرجحا أن يرتفع العدد لاحقا، على أن يُقام الحفل تزامنا مع احتفالات المولد النبوي الشريف، شهر سبتمبر المقبل.

الجديد في المبادرة، كما أشار حاج الله، أن الجمعية اشترطت على العرسان الجدد، حضور دورات التأهيل الأسري المقسمة على ثلاث دورات، بإشراف مختصين، بهدف تحصين الأسرة من المشاكل والطلاق، من خلال فهم ماهية الزواج، والحقوق والواجبات، وكيفية بناء أسرة قائمة على أسس التفاهم والاحترام.

وعلى صعيد آخر، أشار المتحدث، إلى أن الاستفادة من مشروع الزواج الجماعي، مشروطة بتوفر جملة من المعايير، أبرزها أن يكون المستفيد موظفًا، بالنظر إلى أن غالبية المشكلات الزوجية تعود في جوهرها إلى أسباب اقتصادية. كما يتم ترتيب الأولوية وفقًا للحالات الاجتماعية، إذ تُمنح الأفضلية لذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام، يليهم أصحاب الدخل المحدود، تحقيقًا للغاية المنشودة من المبادرة، والمتمثلة في تجسيد قيم التكافل الاجتماعي، ودعم الفئات الهشة في بناء أسر مستقرة.

رأي المختصين: رخصة الزواج ضرورة لبناء أسرة مستمرة

من جهتها، اعتبرت الدكتورة رميساء ساسي، مختصة في علم النفس العيادي، أن التأهيل الأسري لم يعد خيارا، بل ضرورة، بل وأكثر من ذلك: يجب أن يكون شرطًا إلزاميًا قبل الزواج. وأكدت أن استمرارية الزواج في الماضي، لم تكن دائما مقرونة بالسعادة الزوجية، إذ كان الأزواج يقدمون تضحيات كثيرة من أجل البقاء معا.

وأضافت أن الهدف اليوم، هو ضمان استمرارية قائمة على المودة والطمأنينة والتفاهم، معتبرة أن الدورات التأهيلية تساعد الطرفين على فهم نفسيات بعضهما البعض، ومعرفة نقاط القوة والضعف، بالتالي زيادة فرص نجاح الزواج. كما دعت إلى تبني فكرة "رخصة الزواج"، تُمنح بعد اجتياز دورات تأهيلية، على غرار النموذج الماليزي الناجح، لتقليل نسب الطلاق المبكر.

مشيرة إلى أن تأهيل المقبلين على الزواج، هو عملية خارجية، غير أن ما يضمن استمرارية العلاقة الزوجية حقًا هو السلامة النفسية لكلا الطرفين، من خلال معرفة كل منهما نقاط قوته وضعفه وتقبّل الآخر كما هو.

وأكدت أن رؤية المختصين اليوم، تقوم على تنظيم دورات تأهيلية تسبق الزواج، يعقبها تقييم مدى أهلية المستفيد للحصول على "رخصة تأسيس أسرة"، وهو التوجه الذي باشر به عدد من الجمعيات، والذي يُنتظر ـ حسبها ـ أن يُتبنّى كآلية جديدة من شأنها الحد من حالات الطلاق، التي تملأ أروقة المحاكم، بعد أيام قليلة من الزواج، لأسباب واهية في الغالب.

وأشارت المتحدثة، إلى أن التجربة الماليزية تمثل نموذجا ناجحا يُحتذى به، داعية الجهات الوصية إلى تبني فكرة "رخصة الزواج" التي تُمنح، بعد اجتياز دورات تكوينية تُعرض فيها حالات واقعية، ما يُمكّن المقبل على الزواج من تكوين صورة واضحة عن مدى استعداده لتأسيس أسرة. وشددت أيضا على ضرورة بقاء المستفيدين على تواصل دائم مع المختصين، لطلب المساعدة في حال واجهوا مشاكل، حفاظًا على قدسية العلاقة الزوجية، وضمانا لتحصين الأسرة من التفكك.

بدوره، أكد الأستاذ عمار مايدة، المختص في العلاقات الأسرية والإرشاد الأسري، على ضرورة تعميم التأهيل الأسري في المجتمع الجزائري، باعتباره محطة ضرورية قبل الزواج، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية وتفشي العزلة العائلية، التي حرمت الأبناء من تلقي الخبرات الأسرية من الجيل السابق.

ودعا إلى اعتماد "رخصة الزواج" التي يحصل عليها المقبلون على الزواج، بعد اجتياز اختبارات ومواقف واقعية تُظهر مدى قدرتهم على إدارة العلاقة الزوجية، معتبرا أن هذه الخطوة كفيلة بتقليص نسب الطلاق، التي أصبحت تثبت بما لا يدع مجالًا للشك، الحاجة الملحة لهذا النوع من التأهيل، والتي تبنتها بعض دول  الخليج، وأثبت نجاحا في ضمان استمرارية العلاقات الأسرية.