ضحاياه فريسة سهلة لذئاب مواقع التواصل الاجتماعي
"الجرح الأبوي".. عقدة جديدة تلازم المراهقين
- 433
❊ من العقد الخيالية إلى المشاكل الحقيقية.. رحلة خوف واحتراق
❊ أدخلوا عالم أبنائكم دون اختراق ولا تجسس ولا جبر.. ولكن بكل حب واحترام
❊ كن حاضرا .. جنب ابنك الباحث عن الرعاية والحنان خارج الإطار العائلي
يبدو أن قصص المراهقين مع التكنولوجيا تحمل دوما الجديد، بفعل الاحتكاك مع العالم الخارجي، لاسيما بعد أن أصبح هذا الفضاء قرية صغيرة يسّرتها الهواتف المحمولة، والتي لا يختلف اثنان، أنها سلاح ذو حدين، فالمثير للانتباه، أن تجارب المراهقين في الغرب مع أوليائهم، باتت تلقي بضلالها على أبنائنا، لأسباب عدة، سيتم التطرق إليها، ولعل أكثرها وقعا، ويدق لها ناقوس الخطر، ما يروج له في شكل عبارة "Daddy issues mommy issues" التي تحتصر وجود "مشاكل مع الأب والأم"، أو بالأحرى "عقدة الجرح الأبوي"، كما تسمى، والتي بدأت تستشري في شريان المراهقين كالنار في الهشيم، وسط انتباه ذئاب مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يعملون على اصطياد فرائسهم من أول تعليق، ثم دخول عالم الابتزاز والانحراف.
تعتبر مرحلة المراهقة من أصعب المراحل العمرية في حياة الإنسان، إذ يحتاج فيها إلى وجود الأبوين وفهمهما لكل التغيرات التي تطرأ على الإبن نفسيا وجسديا، حيث يترجم المراهق هذا الاحتياج بإثارة الاهتمام، أو اختلاق المشاكل لجلب انتباه من كان غافلا منهما، أو لكليهما، ومن المشاكل العويصة التي يتخبط فيها هؤلاء المراهقين، الاصطدام مع الآباء، بسبب عدم فهم كلاهما للآخر، أو لأن أحد الطرفين "غلق راسو"، لتمتد رقعة المتاعب وتتحول إلى شجار أو عقوق أو دموع تذرف من عيون الأبناء في قلب الليل على المخدة، دون شعور أو انتباه الوالدين، في الوقت الذي بات يتقاسم الشباب والمراهقون مشاكلهم الأبوية على صفحات التواصل الاجتماعي، التي تعد امتدادا لمشاكل أبناء الغرب ومراهقيه، إذ عمد البعض من المراهقين من أبنائنا، لتبني عقدة "Daddy issues mommy issues" أي "مشاكل في العلاقة مع الأب أو الأم" ويطلق عليها "عقدة الجرح الأبوي"، هذا الجرح الذي نتج عن الشجارات المستمرة بين الوالدين والمراهق من الجنسين، وخلف مع الوقت خندقا في العلاقة، يمتد لسنوات طوال ويخلف أثارا لا تحمد عقباها.
والمؤسف، أن تبني هذا المصطلح من قبل مراهقينا بين 14 و22 سنة، وهو عمر الأبناء الذين يتبادلون القصص، الآراء، والشكوى من معاملة الوالدين، على الصفحات الاجتماعية، وفي فضاءات مفتوحة، ليجدوا تفاعلا من البعض وإرسال رسائل من البعض الآخر على الخاص، لاصطياد الضحية ذكرا أو أنثى، ممن يعانون من نقص الحنان واتساع رقعة المشاكل مع الوالدين. حيث يستغل هؤلاء، كما أظهرته التعليقات، فرصة النقص الموجود لتغطيته بطريقتهم الخاصة، إذ نجد تعليقات لرجال في الثلاثينات أو الأربعينات من العمر، على مشكلة فتاة في 16 سنة، فيها وعود بعلاج الجرح الأبوي، وتعويض الضحية أو المشتكية، الحنان الناقص، مع تقديم الخدمة التي تريدها تلك الفتاة على وجه الخصوص، أو ذلك الشاب، لتطلق عملية التواصل على الخاص.
من العلاقة العاطفية إلى هلع التهديد بنشر الصور
هذا ما أشارت إليه مراهقة في فضفضة لـ"المساء"، فبعد التعارف ومحاولة كسب ثقة الفتاة "المجروحة"، تنطلق عملية التعارف العميق واستمالة القلب بكل الطرق، يتم خلالها تبادل الصور وأخذ وقت طويل في الحديث، يقود إلى التعلق، لتستمر العلاقة على هذا النحو أو يتم اللقاء مباشرة، وتجد الفتاة نفسها في علاقة عاطفية مخطط لها من قبل "الذئب البشري". إذ أكدت (سارة /ع) البالغة من العمر 17 سنة، أنها تورطت في علاقة مع شاب في 42 من العمر، وعدها بالزواج، وملأ حياتها بالحب والحنان والمال، وقد أغدق عليها في البداية بالهدايا وهاتف نقال متطور، وبعد مرور سبعة أشهر، اكتشفت أنه متزوج وأب لثلاثة أبناء، بعدما تواصلت زوجته معها، مهددة إياها أنها ستبلغ أهلها عن كل تفاصيل العلاقة، وأنها تحوز صورها. لتجد الفتاة نفسها في مشكل أكبر وأخطر، ولدى سؤالها عن أيهما أصعب؛ "الجرح الأبوي" الذي تحدثت عنه أو مشاكلتها الآن؟ قالت: "أنا أغرق أكثر ولا أدري كيف أتصرف، خاصة أنني تعلقت بالرجل، وزوجته تهددني بفضحي ونشر صوري على وسائل التواصل".
وفي الكثير من القصص المطروحة على "تيك توك" أو "انستغرام"، وأبطالها مراهقون، يصرحون بأنهم يعانون من عقدة "الجرح الأبوي"، ولا يجدون الراحة في البيت ولا الحنان، وأن الآباء لا يفهمون متطلباتهم واحتياجاتهم النفسية، وأنهم يعيشون في ظروف جد صعبة، لأن الأب أو الأم لم يسمح لذلك "الطفل" المراهق، بالسهر لوقت متأخر من الليل مع أصدقائه في قاعة "البيار"، أو لأن الوالدين رفضا أن تبيت ابنتهما المراهقة صاحبة 16 سنة في بيت صديقتها، بعدما أقامت هذه الأخيرة "سهرة البيجامة" مع الصديقات وأحضرن ما لذ وطاب من الحلويات والمشروبات والشكولاطة الفاخرة، كما يطرح آخرون مشاكل أعمق لوالدين منفصلين، أحدهما يعامل الإبن أو البنت بقسوة، أو يرفض رؤيته بعد الانفصال عقابا للطرف الآخر، وغالبا ما تكون شكوى هؤلاء مترجمة "بإيموجي الدموع"، يقابلها تعاطف أو تحايل من أصحاب التعليقات.