من عوامل التفكك الأسري
الجفاء يستبد بقلوب الإخوة
- 441
* مختصة اجتماعية: أساليب تربوية خاطئة ولّدت الحقد والحسد
يبدو أن التغيرات التي يشهدها العالم، ألقت بظلالها على العلاقات الأسرية، خاصة بين الإخوة، والمؤسف في الأمر، أن هذه العلاقة التي يجب أن تشع حبا وقوة، قد فقدت بريقها، بعد أن أصبح الفراغ سيد العلاقة، فبعد أن كانت العائلات متماسكة والإخوة يشدون على يد بعضهم البعض، باتت المصالح والرغبة في الاستقلالية التامة تحكم الوضع، وأكثر من هذا، فقد استبد الطمع والجشع بالقلوب، حيث بات الإخوة يحرمون بعضهم البعض حتى من الميراث، ولمعالجة الظاهرة، تطرقت المختصة في العلاقات الاجتماعية والأسرية، الأستاذة ياسمينة صف، إلى توتر العلاقة بين الأشقاء وبلوغها حد العداوة لدى البعض، وما لذلك من آثار سلبية على صلة الرحم والمجتمع ككل.
طرحت الأستاذة السؤال التالي: "أخوة أم عداوة أيها الأشقاء"، وتطرقت خلال مداخلة لها، في لقاء نظمته جمعية "القلم" للدعم المدرسي والترقية المعرفية والثقافية لولاية المدية، إلى العلاقات الأخوية الأسرية، أسباب قوتها وعوامل ضعفها، وسر المحافظة على استمرارها بين الأشقاء، وقالت: "لكي تشعر بالراحة النفسية في أي علاقه أنت تعامل الله في هذا الإنسان… اعتبرها قاعدة".
أكدت الأخصائية الاجتماعية، أن ما يعانيه الشباب من أزمات واضطرابات نفسية، كالقلق والتوتر والاكتئاب، نتيجة العزلة الاجتماعية والتباعد في الزيارات العائلية، التي تم اختزالها في الزيارات الخاصة، بالمناسبات الاجتماعية والدينية، موضحة أن "العلاقات الأسرية بين الأشقاء، هي علاقات أبديه، فهي أطول علاقه في عمر الإنسان وأقواها، إن ما يقدمه الأشقاء لبعضهم البعض منذ نعومة أظافرهم، هو تدريب عملي لما اكتسبوه من معارف ومهارات وتجارب لمدى الحياة، فالأشقاء أقوى تأثيرا في تشكيل ملامح شخصيتنا الاجتماعية والثقافية بطريقه عفوية، سلسة وعلى المدى البعيد"، موضحة أن شبكة العلاقات الاجتماعية بين الأشقاء تضعف، رغم رابطة الدم وقوتها وأبديتها، وتترهل العلاقة بين الأشقاء عند البعد عن الله وعن هدي سيدنا محمد عليه أزكى الصلوات والتسليم، وقالت: "البعد عن الشعور بمعية الله تعالى وإلزاميه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، في التعامل بين الأشقاء، يورث توتر العلاقات، كلما هبت رياح الابتلاءات، وهذا يؤثر سلبا على التواصل الأسري، وقد يصل الأمر إلى الخذلان، الظلم والقطيعة، أو فتور وبرودة العلاقات بين الأشقاء، إلى أن تصبح سطحية ورسمية وجافة، كنتيجة لانقطاع التواصل الاجتماعي الواقعي، بحجة البعد المكاني أو بدعوى المسؤوليات المختلفة، أو نتيجة لتغيير نمط الأسرة التي أصبحت في الغالب، نووية، بعد أن كانت الأسرة ممتدة ومتلاحمة". مؤكدة في السياق، أن هذه الظروف أبعدت الأشقاء عن بعضهم البعض، وجعلتهم يشعرون بأنهم غرباء.
المفاضلة والانحياز بين الأبناء تولد الغيرة
أشارت المختصة، إلى أنه في الحقيقة، حتى مع التباعد الاجتماعي الواقع والانفراد بسكن خاص، فإن بدائل التواصل الاجتماعي أصبحت متوفرة ومتنوعة في عالمنا اليوم، وبإمكان الجميع التواصل.
أكدت ياسمينة صف، أن تربية الوالدين، لها تأثير بارز في توطيد العلاقة بين الأشقاء، وتعزيز العلاقات الأخوية بينهم، وفي غرس علاقه مع قيم المحبة والتفاهم والاحترام والتسامح وإشاعه الحب والحنان والاهتمام منذ الصغر بين الأشقاء، وقالت: "يتفق خبراء علم النفس والاجتماع، على أن الآباء والأمهات يمارسون المفاضلة والانحياز بين الأبناء، شعوريا أو لا إراديا في مرحله الطفولة والمراهقة، حتى يخصون أحدهم بالثناء والإطراء والأحضان والقبلات والاهتمام والإنصات، على خلاف بقية الإخوة، وهذا ينشر الغيرة والكراهية بين الأشقاء". موضحة: "أن انحياز الوالدين للواحد من أبنائهما أثناء مشاحنته مع إخوته، ينزع المشاعر الطيبة في قلوبهم جميعا، ويزرع في نفوسهم مشاعر التنافس السلبي والحقد والحسد، وهي كلها أمراض نفسية، تتفاقم باتباع أساليب تربوية خاطئة، من تفصيل وانحياز غير مبررين".
هذا هو العلاج..
فيما يخص علاج هذا السلوك، قالت المختصة: "يتمثل علاج هذا السلوك الظالم لبعض الوالدين، في اتباع هدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، بوصيته اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، فمن الضروري بالنسبة للوالدين، تعلم أساليب الوالدية الراشدة، التي تتطلب تعلم مهارات التأثير الإيجابي في نفوس الأبناء، وتدريبهم عليها، وعلى مهارة التفاوض أثناء المشاحنات بكل شفافية، دون انحياز، وتعليمهم أيضا وتدريبهم على فن إدارة المشاعر والتحكم فيها أثناء الخلافات والشجار".
تقول صف: "العلاقة بين الأشقاء تكون في المراحل الأولى من حياة الإنسان حميمية، فهي علاقات عفوية، فطرة، عميقة.. بعيدة عن الحسابات المادية والمصالح الشخصية، وتشتد هذه العلاقة في مرحلة البلوغ والمراهقة، نتيجة الحاجه إلى الشقيق في هذه المرحلة العمرية الحرجة، علما أن العلاقات الطيبة في هذه الفترة، تعزز دعائم الأخوة، وكذا التفوق الدراسي، الاستقرار العاطفي والنفسي، وكذا الاستقرار الاجتماعي، حيث يحتاج الأشقاء إلى الاستفادة من تجارب الإخوة والأخوات في الأسرة، والتي تكون في الغالب، تواصلا بديلا عن التواصل مع الوالدين في بث المشاعر والأفكار الشخصية، خاصة لبعضهم البعض، لاسيما في ظل ضعف الحوار مع الوالدين". ووصفت هذه الميزة بالإيجابية، على الرغم من أن حوار الوالدين مهم جدا، لكن التقارب في السن بين الأشقاء يعني تقارب التفكير والتفاهم بينهم، وهذا الأمر يساهم في تعزيز العلاقات العاطفية بينهم، ويساعدهم على حل المشكلات التي تواجههم في تبادل خبرات والتجارب بينهم.
أكدت المختصة صف، أن الأساس المتين في بنائه علاقة اجتماعية، وهي كذلك قاعدة أساسية في الحفاظ على العلاقات الحميمية بين الأشقاء، فعلى قدر مراعاتنا لرضا الله عز وجل في علاقاتنا الأسرية، تتقلص المشاكل النفسية والاجتماعية وتقل الخلافات، ويحل ما حلها المودة والرحمة والتوافق والانسجام. وأضافت: "من هذه النقطة المشرقة بنور الله، تصبح العلاقات صحية وإيجابية في حياتنا، من خلال دوائر علاقاتنا الاجتماعية، ابتداء بالعلاقة بين الأشقاء، ثم الأقارب، وتتوسع لتشمل علاقات الأخوة في الدين، وتتوسع أكثر لتشمل علاقاتنا الإنسانية في محيطنا الاجتماعي".