بعدما أصبح يستعمل في ارتكاب الجرائم

الذكاء الاصطناعي تحدٍّ يفرض تطوير المنظومة القانونية

الذكاء الاصطناعي تحدٍّ يفرض تطوير المنظومة القانونية
البروفيسور رامي عبد الحليم، أستاذ العلوم الجنائية بجامعة البليدة "2"
  • 322
رشيدة بلال رشيدة بلال

شكل الذكاء الاصطناعي واستخدامه السلبي في الجريمة، واحدا من التحديات الكبيرة التي أضحت تواجه المنظومة القضائية، للوصول إلى محاكمة عادلة، وحماية حقوق الأفراد، الأمر الذي يتطلب، حسب البروفيسور رامي عبد الحليم، أستاذ العلوم الجنائية بجامعة البليدة "2"، "العمل بشكل أسرع من أجل تطوير المنظومة القضائية، لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتأسيس لخبراء في الذكاء الاصطناعي، تعتمد عليهم الجهات القضية في الوصول إلى فك لغز الجريمة الافتراضية".

قال البروفيسور رامي عبد الحليم، في تصريح خص به "المساء"، على هامش مشاركته في أشغال يوم دراسي حول التحليل الجنائي الرقمي، وتحديات مكافحة الإجرام الحديث، وضمان محاكمة عادلة، والذي بادر إلى تنظيمه مجلس قضاء البليدة، بأن "التحليل الجنائي الرقمي يفترض أنه عملية منطقية يقوم بها العنصر البشري، غير أن التطور التكنولوجي فرض وجود تقنيات عالية الدقة،  تسمى بالذكاء الاصطناعي، أضحت من يتحكم في التحليل الجنائي، ما نتج عنه وجود عمليتين منطقيتين متداخلتين، الأمر الذي يقود إلى التساؤل: هل هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يحل محل العنصر البشري؟"، ويجيب البروفيسور: "نعم"، شارحا بقوله: "لأن بعض الدول تستعمل الذكاء الاصطناعي في التحليل الجنائي، بينما دول أخرى جعلت الذكاء الاصطناعي يحل محل العنصر البشري، لدرجة أن الآلة حلت محل الإنسان".

من بين التحديات الكبيرة التي يطرحها استخدام الذكاء الاصطناعي في التحليل الجنائي، حسب المتحدث، "ضرورة التحكم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي يعتبر أول تحدٍّ يواجه المنظومة القضائية في الجزائر، يليها أن الذكاء الاصطناعي، إذا استعمل في التحليل الجنائي لمكافحة الجريمة، يقابله وجود أطراف أخرى تستعمل نفس الذكاء في ارتكاب الجريمة"، والسؤال المطروح، حسب البروفيسور رامي، والذي يجب البحث فيه بجدية هو: "هل يمكن بالوسائل التقليدية التي تمتلكها بعض الدول، مكافحة إجرام يرتكب بدقة، قد تصل إلى نسبة 99 بالمائة؟"، هذا من الناحية التقنية، ومن الناحية القانونية يضيف: "إن استخدام الذكاء الاصطناعي يطرح عدة مشاكل، منها مثلا، غياب نصوص قانونية، تتناول مسألة الذكاء الاصطناعي عند الحديث عن المسؤولية الجنائية، لأنه بالعودة إلى الذكاء الاصطناعي، نجد بأنه مسألة افتراضية، بالتالي كيف يمكن تحديد المسؤولية الجنائية عندما يتعلق الأمر بتحديد المسؤوليات، ما يتطلب تدخل المشرع لوضع حد لكل هذه التحديات، على غرار ما حدث في عدد من الدول، التي تدخلت لتحديد نصوص قانونية لمسألة ضبط الذكاء الاصطناعي".

من التحديات الاخرى أيضا، التي ينبغي إبرازها، حسب البروفيسور رامي، أن "التحليل الجنائي عادة يقوم به العنصر البشري، ممثلا في الضبطية القضائية، وتؤخذ على سبيل الاستدلال، ليس لها حجية مطلقة، ولكن إذا كان الذكاء الاصطناعي هو الذي يقوم بعملية البحث والاستدلال للحصول على أدلة، هل هذه الأدلة لديها حجية، مع العلم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مستهدفا بذكاء اصطناعي آخر يسيء إلى حجية هذه الأدلة، بالتالي الحل الوحيد"، يقول : "لوضع تصور واضح حول كل ما يتعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعي في التحليل الجنائي، يتدخل المشرع من أجل ضبط المصطلحات ووضع إطار قانوني خاص بالذكاء الاصطناعي، على غرار ما حدث بالنسبة للجريمة المعلوماتية التي كان من الصعب وضع إطار قانوني خاص بها، ولكن المشرع أوجد بعض النصوص القانونية والهيئات، حتى وإن لم تغط الظاهرة الإجرامية كلها، لكن على الأقل، أوجد الإطار القانوني لتجنب الخروج عن مبدأ الشرعية، وبلوغ محاكمة عادلة".

يقترح البروفيسور رامي، لإثراء قانون العقوبات الجاري تعديله، تضمين قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائرية بنصوص قانونية لتجريم بعض الأفعال المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن تدخل المشرع أصبح أكثر من ضرورة، لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية أصبحت هي الأخرى، مطالبة باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يفرض نفسه بصورة كبيرة جدا. وقال محدث "المساء": "مثلا، قلصت الولايات المتحدة لأمريكية باستعمال الذكاء الاصطناعي، جرائم العنف إلى 3.3 بالمائة، وجرائم السرقة إلى 6 بالمائة، ما يعني وجود فعالية لمكافحة الجريمة، يكفي فقط الاهتمام بتكوين المختصين في المجال، بما فيهم رجال الضبطية القضائية، لمواكبة التطورات".

وفي الختام قال: "يكفي القول، إنه يمكن تركيب جريمة باستعمال شخص بكل ميزاته وصفاته في مسرح جريمة افتراضي، ليتابع بجريمة لم يرتكبها أصلا، وهو التحدي الذي يحمله الذكاء الاصطناعي للقضاء".