تقليد يعيد لمدينة البليدة أمجادها ويذكر بـ"حرب الورود"

"الربيع البليدي".. موعد لعشاق الطبيعة وإلحاح لاحتضانه على مدار السنة

"الربيع البليدي".. موعد لعشاق الطبيعة وإلحاح لاحتضانه على مدار السنة
  • 690
 رشيدة بلال رشيدة بلال

تحولت ساحة الحرية وشارع العيشي عبد الله، بقلب ولاية البليدة، إلى معرض طبيعي كبير لكل أنواع الزهور ونباتات الزينة، المزهرة منها والخضراء، في إطار الاحتفالات السنوية بالربيع البليدي، حيث سعى العارضون من مختلف بلديات الولاية، إلى عرض أصناف مختلفة من الأزهار والورود والشجيرات المثمرة، فصنعوا بذلك أبهى لوحة فنية مزينة، فاح عطرها، ليستقطب عشاق الطبيعة ومحبي الجمال، ما جعل كل الزوار يعلقون بالقول "هذه هي الوريدة تحي أمجادها".

المتجول في ساحة الحرية بباب السبت، يقف على التنوع الكبير للنباتات المزهرة والخضراء، التي برع أصحاب المشاتل في عرضها بطريقة فنية مميزة، ما يعكس اهتمامهم الكبير بهذا النوع من الحرف، إذ أكد أغلب المشاركين في التظاهرة حيالها، بأنهم توارثوها أبا عن جد، خاصة أن ولاية البليدة، لديها تاريخ عريق مع كل ما له علاقة بالزراعة وغرس النباتات، سواء التزينية أو العطرية.

ولعل أهم ما يجلب انتباه زوار المعرض، سعي العارضين إلى ترديد أسماء مختلف النبات والأزهار، حتى يتعرفوا عليها، لاسيما وأن بعض الأنواع، حسب شهادة أصحاب المشاتل من العارضين، لم تعد معروفة، بالتالي، فإن الفرصة مناسبة، حسبهم، لإعادة إحياء بعض الأصناف التي بدأت تزول من الذاكرة، حيث نسمع الباعة يرددون عبارة: "هذي القرنفلة وهذا محمود، وهذي المنقوشة، وهذا بالنعمان، وهذا الحبق والنعناع والقطيفة والياسمين والعطرشة والخديوجة"، وغيرها كثير من النباتات المحلية منها، وحتى الأجنبية التي كان لها هي الأخرى نصيب من العرض.

وحسب ياسين قطوش، صاحب مشتلة من بلدية بوفاريك، فإنه ينتظر معرض الزهور سنويا، ليتمكن من عرض ما لديه من أنواع مختلفة وبأسعار جد رمزية، تبدأ من 40 دج إلى 400 دج، حتى يتسنى لعشاق الطبيعة شراء ما يرغبون فيه من نباتات. وحسبه، فإن المواطن البليدي يعشق الجمال والطبيعية، حيث تتباين اختياراتهم بين الباحثين عن النباتات المزهرة، والراغبين في النباتات الداخلية، ولكن الأكيد، أن كل من يزور المعرض يجد ضالته ويشتري نبتة ويسأل على كل ما يخصها، حتى يحسن العناية بها.

من جهته صاحب مشتلة أخرى، أكد في معرض حديثه، بأن الكثير من زوار المعرض من النساء، وأن أكثر ما جلب انتباهه من الزوار الكبيرات في السن، من اللواتي يأتين خصيصا للبحث عن بعض الأصناف، التي لم تعد تغرس، رغم أنها كانت معروفة في الماضي، معلقا بالقول "بأن مثل هذه التظاهرات تكشف مدى تعلق المواطن البليدي بالطبيعة، وحبه الكبير للنباتات، خاصة التزينية والعطرية".

إقبال كبير من داخل الولاية وخارجها

احتكت "المساء" ببعض الزوار وعن انطباعاتهم حول معرض الزهور، إذ أكد جل المستجوبين، بأن معرض الزهور الذي يتزامن والاحتفالات السنوية بالربيع البليدي بالولاية، تقليد ينتظرونه سنويا، من أجل تجديد نباتاتهم المنزلية، أو اقتناء نباتات جديدة أو اكتشاف أصناف لم تعرض من قبل. وحسبهم، فإن أغلب بيوت البليدين، خاصة القديمة منها في كل منطقتي "الجون" و"الديويرات"، تحتوي على مساحة خضراء، مخصصة لزراعة كل النباتات المزهرة، لاسيما ما تعلق منها بالياسمين والفل.

وحسب مواطنة خمسينية، أكدت بأنها حولت منزلها إلى روضة غناء مخضرة، حيث تحرص على توفر كل أنواع النباتات الموجودة، وفي كل مرة يتم خلالها تنظيم المعرض، تأتي من أجل شراء المزيد، مؤكدة بأنها ابنة مدينة الورود، تربت وكبرت على عبق عطر النباتات المزهرة والعطرية، بالتالي لا يمكنها أن تتخيل منزلها من دون نباتات، مشيرة إلى أنها تميل كثيرا إلى النباتات الخضراء، لأن عمر النباتات المزهرة قصير، وأن أكثر ما يشد انتباهها، "الحبق" والنعناع، بسبب قوة عطرها.

بينما أكدت زائرة أخرى، بأن ولاية البليدة لطالما عرفت بمدينة الورود، لكثرة الأنواع  والأصناف الموجودة فيها، وعلى الرغم من أن بعضها لم يعد موجودا، إلا أن أصحاب المشاتل لا يزالون متمسكين بصنعة أجدادهم، حيث يحاولون إعادة إحياء بعض الأصناف التي طالما عرفت بها الولاية، مثل "المنقوشة ومحمود"، مشيرة إلى أنها تعشق "الخديوجة" و"القطيفة"، وفي كل مرة تزور فيها المعرض تشتري من كل الأنواع العطرية والمزهرة .

بينما فضل آخرون، إلى جانب شراء بعض أنواع النباتات، خاصة المزهرة، منها التي تباينت ألوانها بين الأصفر بكل درجاته والأحمر والبنفسجي والبرتقالي والأبيض، اغتنام فرصة المعرض من أجل التواجد فيه بصورة يومية، للاستمتاع بجمال منظر النباتات والأزهار الملونة التي حولت الساحة إلى لوحة فنية جميلة، وهو ما جاء على لسان الحاجة "فاطمة الزهراء. س"، البالغة من العمر60 سنة، والتي قالت بأنها منذ افتتاح المعرض، تأتي يوميا  للجلوس في الساحة والاستمتاع بمنظر الإزهار والنباتات الخضراء، وتشعر بالكثير من الراحة النفسية وسط الطبيعة، بعدها تقف عند بعض الأجنحة، للحديث مع أصحاب المشاتل حول بعض الأنواع، وتشتري منها، ومن ثمة تعود إلى منزلها.

بينما اختار آخرون التقاط بعض الصور التذكارية مع الأزهار ونباتات الزينة، للمساهمة في الترويج لهذا الحدث المحلي عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي استقطب إليه زوارا حتى من خارج الولاية، وهو ما أكده عدد من أصحاب المشاتل الذين كشفوا بأن التظاهرة معروفة في ولاية البليدة، لأجل هذا يأتي الزوار من كل ولايات الوطن، مثل العاصمة، بومرداس، تيبازة، المدية وعين الدفلى، للفرجة وشراء بعض الأنواع والتعرف على تاريخ هذه التظاهرة التي بدأت بما يسمى بـ«حرب الورود".

معرض الزهور تقليد يحي تظاهرة "حرب الورود" بولاية البليدة

قال الباحث في التاريخ، يوسف أوراغي، بأن ولاية البليدة معروفة منذ العهد العثماني بنباتاتها وأزهارها، وأن معرض الزهور قديم قدم مدينة الورود، حيث كانت منذ قديم الزمن معروفة بما يسمى بـ"حرب الورود"، التي بدأت بصورة رسمية سنة 1900، يتم الاحتفال بها من خلال تنظيم مسابقات في ساحة "التوت"، للتراشق بالأزهار، وكان كل  صاحب مشتلة يحاول أن يبرز أجمل ما لديه من نباتات مزهرة، وحسبه، فإن ولاية البليدة  كانت منذ القدم معروفة بمساحتها الخضراء، وكانت المنازل القديمة أو ما يسمى "ديار العرب"، لا تخلو فيها المنازل من الياسمين والوردة المسكية، وشجرة الليمون والفل، وكانت كل الأسوار المحيطة بالمنازل يزينها نبات "سلطان الغابة".

 وأكثر من هذا يردف المتحدث، بأن التواجد الكبير للأزهار في ولاية البليدة، خلق نشاطا اقتصاديا، تمثل في إقامة مصانع لتقطير الزهر وتحضير ماء الزهر، وماء الورد وتقطير "مسك الرومي" و"العطرشة"، مشيرا إلى أن ولاية البليدة، إلى جانب النباتات التزيينية، اشتهرت أيضا بالنبات العطرية التي نتج عنها تحضير طبق "الحمامة"، الذي يعد من أكثر من 100 عشبة، وأصبح يطلق عليه في السنوات الأخيرة بـ"لقاح البليديين الطبيعي"، الذي يحميهم من أمراض الشتاء، بالنظر إلى الخواص العلاجية في كل النباتات التي يحضر بها الكسكسي.

من جهة أخرى، أشار الباحث في التاريخ، إلى أن البليدة، في السنوات الأخيرة، ضيعت الكثير من أمجادها، بما فيها "حرب الورود"، مردفا بقوله: "نطالب كأبناء الولاية، بإعادة الاعتبار لها، من خلال تخصيص فضاء  للعارضين من أجل تحويل تظاهرة الربيع البليدي إلى تظاهرة سنوية، خاصة أن مثل هذه الأنشطة تلعب دورا كبيرا في إنعاش الفعل السياحي بالولاية، التي تعد قبلة  لكل الزوار وعلى مدار السنة".

ومساع محلية لتحويل التظاهرة إلى نشاط سنوي

لمست "المساء"، من خلال تواجدها في أجنحة معرض الزهور، الذي عرف مشاركة أكثر من 60 عارضا، إصرار أصحاب المشاتل من أهل الاختصاص على مطلب واحد، وهو تحويل التظاهرة إلى نشاط قار على مدار السنة، لتحقيق هدفين هما: تمكين أصحاب المشاتل من الترويج لنشاطهم من جهة، خاصة أن الزهور مطلوبة من سكان الولاية، وحتى من خارجها، بالتالي فإن هذا النشاط يخدم الفعل الاقتصادي والسياحي بالولاية، ومن أجل إعادة الاعتبار لولاية البليدة، التي طالما عرفت بمدينة الورود أو بـ"الوريدة"، لاسيما أن اغلب أصحاب المشاتل توارثوا الصنعة أبا عن جد، ولديهم رغبة كبيرة في إعطاء وجه جمالي لولاية البليدة، التي زحف عليها الإسمنت في السنوات الأخيرة وغير ملامحها.

نصيرة بن طاية نائب "مير" البليدة: نسعى إلى ترسيم الاحتفالية

وحسب نصيرة بن طاية، نائب الرئيس بالمجلس الشعبي البلدي لبلدية البليدة، فإن مصالحهم، تسعى في سبيل ترسيم الاحتفالية وجعلها نشاطا سنويا، لتحقيق غايتين؛ الأولى بيئية، لترسيخ ثقافة حب الطبيعة وإعادة أمجاد "الوريدة" المعروفة بأزهارها، والثاني تجاري، وهو تمكين أصحاب المشاتل من بيع إنتاجهم والترويج له، مشيرة إلى أن مصالح بلدية البليدة، سعت من خلال الاحتفال بعيد الزهور الذي تحول إلى تقليد سنوي في كل مرة، إلى إثراء البرنامج، للتأكيد على أهمية هذه التظاهرة التاريخية، حيث تم مثلا هذه السنة، جعل الاحتفالية استثنائية، من خلال تنظيم قافلة مكونة من سيارات قديمة مزينة بالإزهار، رافقتهم فتيات بلباس تقليدي تجوب  شوارع البليدة، إلى غاية ساحة الحرية محل المعرض، مشيرة إلى أن أهم شيء في التظاهرة هو توزيع الورود على سكان ولاية البليدة وزوارها.

من جهة أخرى، أكدت المتحدثة بأن اختيار العارضين لم يتم بطريقة عشوائية، إنما تم انتقاء أصحاب الاختصاص من أبناء الولاية، بحيث لا يكون هدفهم البيع فقط، إنما المساهمة في نشر الثقافة البيئة، من خلال تعريف الزوار بكيفية العناية بالنباتات وكيفية التعامل مع نبتاتهم، وأيضا للمساهمة في إحياء تراث الولاية، من خلال الكشف عن سر تسمية البليدة بـ"الوريدة"، والحديث عن حرب الورود، وتحديدا للزوار من خارج الولاية.