رغم حاجة كل فرد لاستشارات طبية
الطب النفسي بين القبول وربطه بالجنون
- 477
يعاني الكثيرون من ضغوطات اجتماعية وعملية، وأخرى ناتجة عن نوعية الحياة، نتيجة التراكمات المرتبطة بالظروف المادية والعائلية، والتي لا يتحمل ثقلها إلا البعض، في حين يقع البعض الآخر في مشاكل نفسية مختلفة، كالاكتئاب والانطواء والحزن، وحتى الغضب، فيما يرفضون اللجوء إلى مختص نفساني، لمساعدتهم على تخطي تلك الحالة، بحجة أنهم يربطون هذه المساعدة بدخول عالم "الجنون".
تحدثت "المساء"، حول هذا الموضوع، لعدد من المواطنين بهدف معرفة علاقة الجزائري بالخبير النفساني، ومدى استعدادهم لاستشارة مختص في حالة واجهتهم صدمة أو مشكل يستدعي تدخلا "طبيا" في هذا الاختصاص.
تختلف ضغوطات الحياة من دولة إلى أخرى، ولا يتعلق الأمر دائما بمدى رفاهية الحياة في تلك الدول، ومستوى قوة اقتصادها، أو جمال شوارعها، أو تسهيلات إداراتها، أو حركة سيرها، أو حتى مستويات التعليم والثقافة فيها، بل تتعداها إلى مستوى إيمان تلك الدول، حيث أشارت دراسات كثيرة إلى ارتفاع نسبة "الانتحار" في الدول غير المسلمة، رغم رفاهية الحياة فيها، وتوفر أبسط الضروريات، وحتى الكماليات والقدرة الشرائية المرتفعة وغيرها، ما يجعل "الحياة مثالية" من وجهة نظر الكثيرين.
يعرف المجتمع الجزائري، كغيره من المجتمعات، مشاكله الخاصة؛ المادية والاجتماعية، على غرار ضعف القدرة الشرائية، أزمة السكن، رغم الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة في سبيل تجسيد برامج سكنية كبيرة، وكذا ضغوطات الشغل، واكتظاظ وزحمة السير في الطرقات، إلى جانب البطالة والعنوسة، وهي من التراكمات التي تسبب مشاكل نفسية، حسبما أشار إليه بعض الشباب من الذين حدثتهم "المساء"، إذ أكدوا أن الكثيرين اليوم، يعانون مشاكل نفسية، على أقل تقدير؛ صدمات بسيطة، إلا أن تراكمها في المجتمع يهدد سلامة وراحة هذا الأخير.
مشاكل تسلب الأفراد الطمأنينة والراحة
قال في هذا الصدد، نسيم فكرون، خبير اجتماعي؛ "عانى الجزائري الكثير من المشاكل، ولو لا قوة إيمانه وقدرته على التحمل، لضاع المجتمع تماما، لاسيما جيل الستينات والسبعينات، الذي واجه بصعوبة فترة العشرية السوداء، التي جعلته يعاني عدم الاستقرار والخوف والهلع، بسبب الإرهاب الوحشي، ليشهد بعدها عدم الاستقرار المادي، ثم فوضى سياسية خلال فترة الحراك، ومن ثم أزمة صحية بسبب وباء "كورونا"، إلى جانب المشاكل الهامشية"، على حد تعبيره، "كلها من المشاكل التي يتوارثها اليوم المواطن الجزائري، ويبقى الكثير منها راسخا في العقول، لا تمنحهم الراحة والطمأنينة".
وأضاف الخبير: "إننا نلمس في المجتمع الجزائري نوعا من القلق، النرفزة والاستنفار اليومي، يبرر ذلك الضغوطات التي يعيشها، إذ أننا نقف في بعض المرات شاهدين على حوادث تنشب من لا شيء، من مشكل بسيط تتحول إلى أزمة حي أحيانا بين شباب، والحقيقة أن تلك المشاكل ليست وليدة تلك الحادثة، بل هي تراكم لمشاكل عديدة، تصبح بالنسبة لهؤلاء متنفسا لهم، من خلال تلك المشادات والمناوشات الحادة في الشوارع، وأماكن العمل أو الأماكن العمومية، وأحيانا في الأماكن التي من المفروض أنها مخصصة للراحة والاستمتاع".
وأضاف المتحدث، أنه رغم كل تلك المشاكل النفسية التي يعاني منها الكثيرون، يجد هؤلاء صعوبة في استشارة الخبير النفساني، ورغم أهمية الصحة النفسية التي بلغت أهميتها، تم تخصيص يوم دولي للصحة العقلية، الموافق للعاشر أكتوبر من كل سنة، إلا أن الجزائريين يربطون المختص النفساني بالجنون، ولا يزال يجد هؤلاء حرجا في الاعتراف بحاجتهم لمرافقة طبية نفسانية، واقع يجعل بعض النفسانيين يشهدون ركود عملهم، بالرغم من وجود الكثيرون في حاجة إلى مساعدتهم.