أسبابه عديدة وتبعاته خطيرة

الطلاق "العاطفي" شبح يهدد الأسر

الطلاق "العاطفي" شبح يهدد الأسر
  • القراءات: 159
 أحلام محي الدين أحلام محي الدين

اختارت جمعية "آلاء" للتنمية الأسرية، علاج القضايا الاجتماعية من خلال طرح سلسلة من المشكلات والحلول الأسرية بهدف معالجتها، خلال ندوة نُظمت تحت شعار: "الطلاق الصامت شبح يهدد البيوت" ، نشطها، مؤخرا، كل من الدكتور عبد الرشيد بوبكري والدكتورة فتوحة سعيد عبر تقنية "زوم"، في حديث عن الانفصال العاطفي بين الأزواج، وآثاره الوخيمة على الأسر التي يغيب فيها الحوار والتواصل، لتعيش في عزلة، وانطفاء للمودة والرحمة والسكينة، مع تأكيد على أهمية التواصل، والتسامح، والعمل بالصلح بين الطرفين، وتحضير مختصين لمجابهة هذا الشبح.
أكدت الدكتورة لطيفة العرجوم رئيسة جمعية "آلاء" في تصريح لـ " المساء"، أن مرافقة الأسرة الجزائرية وحل المشاكل الكثيرة والمتشعبة، من اهتماماتها؛ قالت: "نحاول فك كل عقدة لوحدها؛ على أمل أن تجد الندوات والكلمات صدى؛ فإذا كانت نسبة الطلاق القانوني في ارتفاع كبير في الآونة الأخيرة، فإن الطلاق أو الانفصال الصامت أضحى شبحا يهدد استقرار البيوت، ويتسبب في كثير من حالات الاكتئاب، والعنف، والاضطرابات النفسية داخل الأسر". وأضافت: "إن العيش بسلام والتمتع بالاستقرار النفسي والأسري في ظل الدفء العائلي والمودة والرحمة، هو الأصل في أي علاقة زوجية سليمة بُنيت على تفاهم وانسجام؛ فإذا غابت هذه المعاني والقيم في العلاقة الزوجية، أصبحت علاقة مجردة من العواطف والمشاعر، وانقلبت إلى مجرد وظائف وأدوار، يُجبَر فيها الزوجان على أدائها من أجل الإبقاء على الأسرة قائمة على شكلها الاجتماعي أمام الناس، وهروبا من لقب المطلقة أو المطلق، ومن تبعات الطلاق، وتعويضاته، ونفقاته، وفي كثير من الأحيان من أجل المحافظة على الأطفال، وعلى استقرارهم النفسي والدراسي. وهذه الحال بين الزوجين هي ما يسمى الطلاق الصامت، الذي أصبح شبحا وخطرا يهدد كيان الأسر واستقرارها كما يهدد كيان المجتمع".
وأكدت الدكتورة العرجوم، أن الطلاق الصامت هو عبارة عن انفصال عاطفي بين الأزواج، يغيب معه الاطمئنان والتواصل والحوار، فتعيش الأسر غربة انعزالية، تجف فيها العواطف، وينطفئ معها نور المحبة والسكينة، ويتآكل ببطء. وعلى الرغم من درجة خطورة هذا النوع من الطلاق على الحياة الأسرية والاجتماعية، إلا أنه ظل مسكوتا عنه، لنرى بعد ذلك تبعاته، وآثاره السلبية على العلاقات الزوجية خاصة، وعلى العلاقات الأسرية عامة " .
وتردف المختصة قائلة: "آن الأوان لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، ومحاولة معالجتها، وإيجاد حلول عملية، تقلل من خطورتها على الاستقرار الأسري".

غاب الحب وبقي الواجب في العلاقة

أشارت الدكتورة فتوحة سعيد إلى أن موضوع الطلاق الصامت مهم جدا وحساس، والمجتمع بأمسّ الحاجة للعلاج منه، مشيرة إلى أن الطلاق الصامت عنده عدة مرادفات، منها الفتور التام في العلاقة الزوجية، وهو عدم وجود تفاعل بين الأزواج، وانطفاء روح العلاقة التي لم يبق منها سوى الواجب والضروري؛ كالنفقة، والرعاية، أو المأكل والمشرب، أو ما يخص الأبناء، مع انعدام الاهتمام والتواصل. وشرحت: "أي أن كل واحد يعيش في هذه الأسرة في حدود الضرورة التي سمح بها".
وأوضحت الدكتورة أن الزوجين قد ساهما في جعل العلاقة صامتة أو الموت التام لأي جوانب عاطفية بينهما، منبهة إلى أن أكبر إشكال في الطلاق العاطفي، هو ذهاب أحد الطرفين ضحية هذه العلاقة الميتة؛ فقد يكون الزوج ضحية لا الزوجة. وفي ما يخص الأسباب أشارت إلى أن السبب الرئيس يعود لسوء الاختيار؛ يعني من البداية كان الاختيار غير موفق؛ أي من فترة الخطوبة والتعارف رغم الشعور بالانجذاب والإعجاب. وأوضحت :«لا بد أن يفهم الشباب المقبلون على الزواج، أن هناك معاير لا بد من الانتباه إليها في احتمالية وجود علاقة بين الطرفين؛ كالتناقض بين الشخصيتين؛ أي البيئة التي نشأ فيها كل طرف؛ مثلا امرأة متحررة ورجل محافظ، وكذا التوافق الفكري؛ المستوى العلمي المعرفي، والأمزجة والمستوى المادي؛ مثلا على مستوى التسيير المالي الفتاة متقشفة والشاب كريم، هنا يكون إشكال في العلاقة بعد الارتباط".
ونبهت المختصة إلى أن أكبر عقدة عندما يكون أحد الطرفين متسلطا، وعدوانيا، يضرب ويشتم، وبالمقابل يصمت الطرف الآخر أو يغضّ الطرف عن هذا، ولا يوقفه عند حده. وهنا تقول المختصة: "لا بد من رفع الراية الحمراء عند ظهور التسلط والشعور بالأذى من قبل الآخر، وطلب المساعدة، أو تدخّل الوسيط أو الخبير في العلاقات الزوجية ".
وأوضحت الدكتورة فتوحة أن حرص الزوجين على إنقاذ العلاقة يكون الدافع في البحث عن فنون التفاوض والوساطة. وختمت: " إذا كنت حريصا على حفظ العلاقة فهناك حلول" .

سعيٌ للمغفرة والتسامح

من جهته، أكد الدكتور عبد الرشيد بوبكري، أن هذا الموضوع من الطابوهات الأسرية. والكثير من الأزواج يعيشون حالة الطلاق العاطفي، الذي لا يتلاءم مع أهداف الأسرة السامية، موضحا أن لفظ طلاق صامت من الثقافة الغربية. وقال : " لديهم أسلوب الطلاق الصامت، ولدينا في الشريعة " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، موضحا أن الدين الإسلامي يرفض الضرر لأي طرف، ولا يسمح به؛ فالرجل الذي يبقى مع امرأة تضره ومتسلطة عليه وهو قادر على تركها، ظلم نفسه، وفي حديث: "لا تُقبل دعوته عليها" . وقد أوصى الله تعالى بالزوجة مصداقا لقوله تعالى: "و لا تمُسكوهنّ ضرارا لتعتدوا" ، مضيفا أن الأصل في العلاقة الإحسان والترابط، كما قال تعالى: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" .
وأوضح الدكتور بوبكري قائلا: "إن العلاقة الزوجية بمثابة مؤسسة؛ تحتاج لمسيّر وهَرم تسييريّ لا بد أن يتوافق فيه الزوجان "، منبها إلى آلية الإصلاح التي أوصى بها الخالق، والتي تتم من الطرفين؛ أي أن لا يأتي أحد فقط من طرف الزوجة أو من طرف الزوج، مع تأكيد على السعي للمغفرة والتسامح في العلاقة الزوجية، والتخلص من عقدة الأنانية".