الزبون الجزائري مستهلك متطلب
"الفاست فايشن".. مواكبة لعروض مواقع التواصل الاجتماعي
- 219
نور الهدى بوطيبة
شهد سوق الملابس في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تطورا ملحوظا أمام ارتفاع متطلبات الزبون المحلي، الذي أصبح متطلبا جدا في إيجاد قطع ملابس تواكب الموضة؛ الأمر الذي جعل التجار خاصة المختصين في الأزياء العصرية، يسعون لتلبية تلك الرغبات. وما زاد من دفع المستهلك إلى ذلك مختلف العروض التي تنشرها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تروّج لقطع تتغير وفق الفصول، والاحتياجات.
تعرف بعض قطع الملابس الرواج في السوق لسنوات. وقد تصمد لبضعة أشهر فقط، لتصبح "خارج الصيحة" مباشرة بعد انتهاء الموسم. وبين مستهلك أصبح يبحث عن توليفة تجمع بين الأناقة والجودة والراحة، يحاول التجار، من جهتهم، مواكبة تلك الرغبات لدخول سوق منافسة شرسة بين المحلات، خاصة بالجزائر العاصمة.
وفي جولة بالأسواق الجزائرية ومع بداية مواسم الشتاء، وقفت "المساء" على علاقة التجار بزبائنهم، والتي تشبه الى حد قريب، حوار موضة متجددا، يعبّر عن تغير الذوق العام، وتحوّل الاهتمام باللباس من مجرد ضرورة يومية إلى لغة للتعبير عن الذات، ليس بالضبط تغيرا في التفكير، لكن محاولة لمواكبة موضة سريعة تتغير بشكل مثير للدهشة! وبين موسم وآخر يحاول رواد هذا العالم ومصممو الأزياء استحداث قطع لتجديد هذه الدائرة. وككل شباب العالم، أصبح الجزائري واحدا من أكثر الجمهور المتتبع للموضة حتى وإن كانت ثقافة جديدة على عكس دول أخرى نما شعبها وسط عالم الأزياء كالإيطاليين مثلا، أصبح للزبون الجزائري هو الآخر ذوقه الخاص يتغير بتغير الموسم. متطلب مع كل فصل جديد. كما أصبح من أكثر مستهلكي الملابس أو ما يُعرف بالموضة السريعة، أو"الفاست فاشن"، فقد أصبحت فئة الشباب والنساء أكثر انفتاحا على الموضة، وتفاصيلها؛ ما دفع التجار المتخصصين في الملابس العصرية، إلى إعادة النظر في معروضاتهم، ومواكبة التوجهات الجديدة التي يفرضها الطلب قبل العرض؛ لتفادي البقاء في آخر السباق، والخسارة داخل سوق تعرف منافسة شديدة لإرضاء الزبون.
عودة للخامات الطبيعية
وحسبما وقفت عليه "المساء"، فإن هذا الموسم يشهد انتشارا واضحا للخامات الطبيعية؛ وكأن المجتمع عاد يبحث عن الدفء الحقيقي للملابس وسط تسارع الحياة اليومية؛ كالجلد الطبيعي، والصوف، والكتان الخشن الخاص بالشتاء. تلك الخامات التي لم تعد مجرد خيارات تقليدية، بل يبدو أنها تحولت الى استثمار في الراحة الجسدية، والبحث عن قطع أصلية تدوم لسنوات بدل اقتناء قطع من خامات رخيصة تترهل بعد غسلة أو غسلتين، على حد تعبير بعض من مسّهم استطلاع "المساء" من التجار. وأكد هؤلاء أن تلك الخامات بالرغم من ارتفاع أسعارها، إلا أنها أصبحت رمزا لنوعية أفضل، ولرغبة في امتلاك قطع تدوم.
وإلى جانب تلك القطع الأصلية يجد الفرو المقلد هو الآخر، مكانة له وسط القطع الرائجة هذا الموسم. أمر دفع بمحبي الموضة الى إخراجها من الخزائن القديمة، لا سيما بعدما غابت عن الساحة لسنوات طويلة، ثم عادت من جديد، لتكون قطعا دافئة تتماشى وجو الموسم الشتوي البارد، خصوصا أنها خيار بديل بيئيا، وحتى خفيف على الجيب؛ حيث عرضت السوق البعض لتكون جزءاً من القطع التي سنشهدها بشدة في الشوارع خلال هذا الشتاء؛ كموضة وصلت بسهولة الى الجزائر عبر منصات التواصل.
الألوان.. مزاج متغير
الألوان بدورها تعكس خلال هذا الموسم، مزاجا اجتماعيا متغيرا؛ حيث يتزايد الطلب على ألوان دون أخرى، عرضها التجار في الواجهة؛ منها ألوان جديدة أو بالأحرى تدرجات لألوان أساسية لكن بدرجات دافئة كالكاكي، والأخضر الفستقي، الذي بالرغم من برودته إلا أن المصممين نجحوا في دمجه مع ألوان أكثر دفءاً كالبني، الى جانب البني بدرجاته خاصة البني شوكولاطة، والذي يتناغم جيدا مع يوميات الشتاء. أما الأحمر "البرغندي" الذي راج للسنة الثانية على التوالي، فهو درجة من الأحمر القريبة من البنفسجي أو ما يُعرف بالعامية "الأوبرجين" أو البذنجاني تقريبا؛ فهي هذا الموسم لون الثقة، والإطلالة اللافتة. حاضر في الأسواق من كل القطع أقمصة وأكسيسوارات، وحتى أحذية وفساتين صوفية الى جانب اللون الأحمر سيد الموسم؛ لإطلالات جميلة، وأنيقة ولافتة جدا.
ومن اللافت أيضا هذا العام حضور مطبوعات الحيوانات، التي أصبحت جزءا من الموضة اليومية، وليست جرأة استثنائية، خاصة من جلد البقر، الذي اكتسب شعبية مفاجئة عالميا، وصل الى الجزائر لكن بقطع صغيرة لا تكلُّف فيها؛ كحقيبة اليد، والوشاح، أو حتى حذاء أو أكسسوار الشعر؛ إذ انتشر بشكل ملفت أمام نقشة أخرى رائجة منذ سنوات لكن بين الحين والآخر تختفي، وهي نقش النمر، الذي يحافظ في كل مرة على مكانته كخيار قوي يرتبط لدى الكثيرين، بصورة المرأة الواثقة في مظهرها. ويبدو أن جميع تلك القطع والألوان حاضرة في جميع القطع سواء الموجهة للرجال أو حتى النساء على السواء، لكن بدرجات أكثر غمقا بالنسبة للرجل.
عودة قوية لـ"خبيزات العنبر"
أما المفاجأة الاجتماعية الأبرز فهي عودة "حبيبات العنبر" أو "خبيزات العنبر" كما تسمى في ثقافة الجزائريين، أو الأقمشة المنقطة. وهي دوائر سوداء على قماش أبيض أو العكس؛ نقاط من الأبيض على قماش أسود، ارتبطت في الذاكرة الجزائرية بأزياء الثمانينيات. هذه العودة ليست مجرد موضة عابرة على ما يبدو؛ إذ إنها رائجة لمدة أشهر عديدة من موسم الصيف، فهي، تقريبا، تعبير عن حنين جماعي لسنوات، يعدُّها الكثيرون بسيطة، ودافئة، هذا ما أكدته بعض الزبونات حول رأيهم عن تلك القطع، خاصة من التنانير، والأحذية، وكذا الأوشحة.
المعاطف الطويلة والقطع الواسعة تواصل رواجها، مدفوعة برغبة واضحة من الجزائريين في الجمع بين الراحة والمظهر الأنيق؛ على غرار معطف "الترانش"، الذي يُعد قطعة ترمز للمحققين من أفلام البوليس القديمة. وهو معطف طويل صار قطعة أساسية، ليس فقط لأنه عملي، بل لأنه يمنح حضورا لائقا في العمل، وفي الخرجات اليومية، يتماشى مع كثير من الطلات الكلاسيكية، أو حتى الرياضية، أو اليومية، ومنه الخاص بالرجل، وحتى للمرأة. كما يحافظ معطف الكشمير على مكانته كخامة تدل على ذوق راق. ويمنح الدفيء حتى عندما يكتفي الزبون بوشاح صغير؛ لأنه يعكس قيمة اجتماعية مرتبطة بالرفاهية المتاحة للجميع؛ إذ يُعرض بأسعار مختلفة في السوق، خصوصا المحاك بخامات غير الكاشمير كالصوف أو البوليستير.
علاقة تفاعل بين التاجر والزبون
تلك المعروضات من الأزياء والتصاميم تجمع التجار والزبائن على السواء. لم تعد علاقة بيع وشراء فقط، وإنما علاقة تفاعل، ومرآة تعكس تحوّل المجتمع الجزائري؛ إذ إن بعض الزبائن أصبحوا يعرفون جيدا ما يبحثون عنه. كما لا يكتفي بعضهم بالتجول في السوق للوقوع على قطعة جميلة، وإنما يتجولون بحثا عنها، وسائلين تجارهم الذين تربط بين البعض منهم علاقة وفاء؛ فالتجار، بدورهم، يستمعون، ويراقبون، ويعدّلون بذلك معروضاتهم بسرعة؛ بحثا عن إرضاء الزبائن؛ لأنهم يدركون أن الزبون اليوم مطّلع، ويقارن، ويبحث عن القطعة التي تعكس هويته، ورغبته، وانفتاحه، أيضا، على العالم. ويبدو أن أسعار الملابس الجاهزة في الأسواق شهدت خلال الفترة الأخيرة، ارتفاعا نسبيا، خاصة في ما يتعلق بالماركات الأجنبية، وممثلي العلامات متعددة الجنسيات في ظل القيود المفروضة على الاستيراد؛ ما أدى إلى تضييق العرض، ورفع الأسعار.
وأوضح كمال يويو، رئيس فرع العاصمة لدى المنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، أن هذه الزيادات باتت ملموسة لدى المستهلك. لكن بالرغم من ذلك يحاول جاهدا التوفيق بينها وبين ما لديه من التزامات أخرى؛ إذ تشهد سوق الملابس الجاهزة حركة منتعشة، خصوصا ما بين الموسمين. وتتراوح أسعار بعض تلك القطع، حسبما وقفت عليه "المساء" ، بين الأسعار المتوسطة والأخرى الباهظة. فمثلا أسعار المعاطف تراوحت بين 6 آلاف دج و30 ألف دينار، فيما كانت أسعار الأحذية بين 4500 و15 ألف دينار. أما القمصان العادية فتباع بأسعار تبدأ من 3 آلاف دينار وتصل إلى 7 آلاف دينار بالنسبة للقطع ذات الخامات الجيدة.
وأكد يويو أن بعض المحلات تقدم خيارات بأسعار تنافسية، لكنها غالبا ما تكون على حساب الجودة، في إطار سعيها لمواكبة الموضة، وتلبية ذوق الزبون الشغوف بالأزياء رغم الظروف الاقتصادية الحالية؛ ما يدفع بعض التجار الى البحث عن شركاء تجاريين أجانب؛ لتوفير سلع بتصاميم حصرية، لكن ذات نوعية رديئة نوعا ما، المهم أن تكون من الأزياء المواكبة للموضة.