منطقة الحضنة
الناي سيد الآلات الموسيقية بالأعراس
- 3708
كثيرا ما يقترن الظهور المكثف لآلة القصبة أو الناي بالأعراس في فصل الصيف بمنطقة الحضنة وما جاورها مقارنة بباقي الآلات الموسيقية العصرية، على غرار السانتي والقيثارة الكهربائية والدف والدف الإلكتروني. وتُعرف القصبة بأنها آلة نفخية تُصنع من نبات القصب المنتشر عبر الأودية بالجزائر والمغرب العربي عموما، وتستعملها شعوب المغرب العربي التي هي في أغلبها، من أصل بدوي رعوي، وهي آلة أساسية تُستعمل أثناء رعي الغنم أو في الأعراس.
يعرّف الأستاذ عبد الرشيد مرنيز، وهو مدير متوسطة ومغني طابع الأياي، القصبة بأنها الآلة التي تُصنع من القصب، لكن ليس في متناول أي كان صناعة القصبة ما عدا المحترفين، الذين غالبا ما يجيدون العزف عليها، وقد يشذ عن هذه القاعدة من يصنع القصبة ولا يجيد العزف عليها، لكنه في النهاية لا بد أن يجربها بعد الصناعة عازف ماهر.
ويقوم صانع القصبة، حسب المتحدث، باختيار نوعية من القصب يطلق عليه ”القصب الأنثى”؛ بمعنى أنها واسعة القطر مقارنة بباقي عيدان القصب التي تنمو في مكان واحد، على أن يقوم بعد ذلك بصناعتها، آخذا بعين الاعتبار طولها والمناطق التي تكون موقعا للثقوب التي يتراوح عددها ما بين ستة إلى ثمانية ثقوب، ولهذا السبب ربما يطلق عليها العامة ”الستة سيلندر”. ولفت إلى الفرق بين الناي والقصبة؛ فالناي أقصر بكثير من القصبة. كما يُعزف الناي بطريقة عادية بالنفخ، فيما ينفخ من جانب واحد ضارب القصبة.
وتتجلى العلاقة الحميمية بين القصبة والراعي من خلال لجوء هذا الأخير إلى كسر الرتابة بالتسلية باستعمال القصبة، وغالبا ما يقوم الماهر من العازفين الرعاة بتعليم نظيره المبتدئ، أصول العزف، مع التركيز على الأغاني سريعة الإيقاع، التي لا ترغم المتعلم على استعمال كل الثقوب التي تُخرج أصواتا تعكس ”الميلوديات”، على أن يتنقل المعلم إلى أداء أعقد وأعقد إلى غاية أن يصبح الراعي عازفا بارعا. ويروَّج في مناطق السهوب أن أغلب عازفي القصبة عبر العصور هم في الأصل رعاة؛ ما يعني أنهم يقومون بهذه المهمة كمتعاونين؛ فهم نهارا يمارسون مهنة الرعي، وليلا هم فنانون عازفون على القصبة.
النفخ على الناي مجهود تنفسي مكثف
ويُعرف في الوسط الفني بأن عازف القصبة باعتبارها أداة موسيقية طويلة من جهة، يلجأ العازف إلى النفخ عليها من جانب واحد حتى تصدر صوتا من جهة أخرى، وهما وضعيتان ترغمان القصاب أو العازف على ليّ رقبته وميلها نحو جهة اليمين. وبالممارسة فإن العازف يبقى على هذه الوضعية في حالته العادية؛ فهو أثناء السير أو الوقوف أو الحديث يميل برأسه ناحية اليمين. ويشار في الوسط الفني نعتهم ذوي أصابع الكف الطويلة بأصابع النافخ على القصبة أو القصاب؛ كون الضغط على ثقب هذه الآلة الموسيقية لا يتم برأس الأصابع بل بوسط الأصبع، كما يُعرف عازفوها بنفسهم الطويل؛ فهم لا يكلون ولا يتوقفون عن العزف عدة دقائق وما يقتضيه هذا الوقت من مجهود تنفسي.
وإذا كانت القصبة مزيّنة الأعراس والولائم والأفراح، فهي لن تكون كذلك ما لم تكن مصحوبة بضربات الدف أو البندير الذي لا يحافظ على الإيقاع فحسب، بل يرجع أحيانا صدى القصبة بتعمد عازفها توجيه نهايتها إلى وسط البندير، ليتغير الصوت الموسيقي بفعل الارتداد.
وتكثر في الأوساط الشعبية بمنطقة الحضنة الأمثال المقترنة بالقصبة؛ فهم، مثلا، يعمدون إلى القول في الحالات التي تُعد تحصيلا حاصلا: ”النفو أو الهواء خارج خارج” أو ”فلان كي رقبة القصاب”، ويضرب المثل في حالات الاعوجاج أو ”سر يا قصابي سر”؛ ويقصد بها مواصلة المجهود بدون عناء.