عادة تأبى قرية بني سنوس التخلي عنها

"الوزيعة" مظهر للتآزر الاجتماعي خلال الشهر الفضيل

"الوزيعة" مظهر للتآزر الاجتماعي خلال الشهر الفضيل
  • القراءات: 705
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تحافظ قرية بني سنوس، الواقعة على بعد 40 كيلومترا عن عاصمة مدينة تلمسان، على تقليد اجتماعي يأبى الاندثار قبل وخلال شهر رمضان، وهو "لوزيعة"، أو "ثيمشرط" باللغة الأمازيغية، والتي هي كلمة مشتقة من التوزيع، فهي عادة قديمة دأب عليها المجتمع الجزائري في بعض المناسبات الدينية، لما تجسده من قيم التكافل والتعاضد والتعاون الاجتماعي، التي ميزت المجتمع الجزائري عبر العصور، لاسيما خلال الشهر الفضيل.

تعد "لوزيعة" أو "ثاوزاعث"، من العادات والتقاليد التي توارثتها عدة مناطق، ومنها قرية بني سنوس في تلمسان، وتتجسد عادة "لوزيعة" من خلال مبادرة من سكان القرى، بالاشتراك في شراء مجموعة من العجول، ليتم نحرهم، ويكون ذلك عموما يوم الجمعة بعد الصلاة، فيما توزع اللحوم على العائلات وسكان القرية بالقسط والتساوي بين الجميع، ويتم التركيز خاصة على العائلات الفقيرة والمعوزة.كما تواكب العديد من الجمعيات خلال الشهر الفضيل هذه المبادرات الجميلة، وتشارك فيها وتحييها، من خلال تنظيمها وإحيائها ومشاركة الفئات الهشة للاستفادة منها.وقد سرد لنا آيت منصور، أحد سكان القرية، تسلسل أحداث هذه المناسبة، التي تتم في أحداث محكمة ومتسلسلة وجد منظمة، إذ يتم جمع المال قبل المناسبة من عند المحسنين والتجار ورجال الأعمال، الذين يرغبون في المشاركة، ليأتمن عليها مسؤول القرية أو كبيرهم أو شيخ المسجد، ثم تُكلَّف جمعية أو عدد من الأشخاص للقيام بالعملية، يقدم لهم ذلك المال المجموع لاقتناء العجول، وإحياء تلك المناسبة، التي تركها الأجداد.

وتابع في السياق نفسه: "بعد اقتناء العجول، يتم تنظيم اجتماع في "ثاجماعت"، وهو مجلس إدارة خاص بالقرية، كتقليد يضبط تلك العادات والتقاليد، وكذا أعراف المجتمع، من أجل ضبط قائمة سكان المنطقة ومختلف العائلات، خاصة الفقراء والمحتاجين، لتوزيع حصص اللحم بالتساوي عليهم، واستغلالها في تحضير الأكلات الرمضانية وخلق المساواة بين أفراد المجتمع، وعدم حرمان أي عائلة من تحضير ما تشتهيه، بسبب حالتها المادية المحدودة.كما يتجسد العمل الخيري في مظهر التآزر والتعاون والتراحم، من خلال مشاركة جميع العائلات بالقرية في "لوزيعة"، عبر دفع ممثلها قسطا معتبرا من المال، من أجل شراء مجموعة من العجول، ويتم كتابة أسماء كل المشاركين في قائمة، بما فيهم الفقراء الذين لم يدفعوا، ولكن في النهاية، يتم تقسيم اللحم على الجميع، من دون أن يعرف أحد من شارك أو لم يشارك، بسبب وضعيته المادية.

وبعد صلاة الجمعة، يأتي دور إمام القرية الذي يذكر الناس بضرورة الالتقاء أمام المسجد، للمشاركة في عملية النحر والسلخ والتنظيف، وبذلك يتعاون الجميع، مما يسهل العملية، لتتم في وقت قياسي، والتقليد الساري أن يوم السبت الموالي هو يوم التقطيع والتوزيع، ليتم توزيعه مباشرة على السكان، ويستغل الفائض إذا تواجد على سكان القرى المجاورة.كما يتم أحيانا، تنظيم مأدبة طعام جماعية عند الإفطار للأهالي، حيث تتطوع بعض النساء للطهي، ويعمل آخرون على توزيع الأكل في أجواء تغمرها الفرحة والسرور، وتطبعها مظاهر الرحمة والتآزر الجميلة.